ربما لا يخلو حديث أو كتابة عن الثقافة العربية، وبوجه خاص عن الحالة العربية إلا ويكون أدونيس حاضراً فيها بقوة، وربما لم يبرز مثقف عربي منذ المتنبي امتلك هذا الحضور المدوي، فهو أب الحداثة العربية وصاحب المنهج الشعري الذي يعتمد على اللغة المعقدة والمركبة وعلى الأفكار المبثوثة بوضوح في قصائده...
ولم يتعرض مثقف للنقد والتبجيل في الثقافة العربية الحديثة كأدونيس، خصومه الفكريين والشعريين يوازون مؤيديه، بعضهم يعتبره صانع ثقافة جديدة على المستوى الشعري وبعضهم يعتبره مخرباً.
كتب الكثير في الشعر والدراسات، وكان في كل ما يكتب يثير المشاكل والخلافات والآراء المتضاربة، أحد مؤسسي مجلة "شعر الحداثية"، والمحرك المعرفي لها.
يقف على رأس المجددين العرب في الشعر، ومع ذلك ثمة من يعتبره هدام الشعر العربي، يحمل مشروعه ونقيضه بالوقت ذاته، إنه ظاهرة شعرية تستحق التقدير والتساؤل.
اسمه: علي أحمد سعيد إسبر، سمى نفسه أدونيس عام 1948 لما يتضمنه هذا الإسم من دلالات ورموز هامة على مستوى المنطقة.
ولد عام 1930 في قرية قصابين في اللاذقية، لأسرة فلاحية فقيرة، وتفتقت موهبته الشعرية مبكراً، وقد ألقى عام 1944، وهو ابن الرابعة عشرة، قصيدة أمام رئيس الجمهورية السورية آنذاك- شكري القوتلي، ومنح على إثرها بعثة داخلية للدراسة في "اللاييك" (المدرسة العلمانية الفرنسية بطرطوس). تخرج من قسم الفلسفة عام 1954 والتحق بالخدمة العسكرية بالعام نفسه، وسجن في سجن المزة بدمشق لمدة عام 1955 على خلفية الإنتماء للحزب السوري القومي الإجتماعي.
غادر سورية إلى لبنان عام 1956 وهناك التقى يوسف الخال وأسسا معاً مجلة "شعر" صاحبة المشروع الحداثي العربي، وبقي فيها حتى العام 1969 حيث تركها لخلافات مع أعضائها وأسس مجلة "مواقف" منذ 1969 حتى العام 1994، وفي كلتا المجلتين واظب أدونيس على نشر مفاهيم وقيم الحداثة العربية (الشعرية على وجه الخصوص).
من باريس الذي لم يزل مقيماً فيها حتى الآن (2007) جاب عواصم العالم التي منحته معظمها جوائز مهمة في الشعر والفكر.
عمل مدرسا للأدب العربي في الجامعة اللبنانية بين عامي 1970 و 1985 ونال منها شهادة الدكتوراه في فلسفة الأدب 1973 عن أطروحة "الثابت والمتحول– بحث في الإبداع والإتباع عند العرب) التي أثارت من المشاكل والمعارضات والإعجاب مالم يثره كتاب عربي في العصر الحديث، واتهم بسببها من قبل خصومه بمعاداة التراث العربي نظراً لإبرازه الجانب الرجعي والثابت فيه مما كان يقدم على أنه الجانب المضيء، وقدم الجانب المضيء فيه مما كان يقدم على أنه زندقة ومروق... إلخ، ولم تزل هذه الأطروحة بأجزائها الأربعة تثير مشاكل وأقاويل كما لو أنه أصدرها الآن، ولكن بالمقابل لاقت إعجاباً شديداً لدى البعض وأثرت تأثيراً قوياً لم يزل مستمراً حتى الآن وغيرت الكثير من وجهات النظر في الثقافة والتراث العربيين، إذ إنها اعتبرت الثابت متحولاً والمتحول ثابتاً وهكذا...
ومهما يكن من أمر فقد أجمع العالم على قوة ثقافة وشعرية أدونيس، وانتشر محبوه في أرجاء الأرض وأثر على حركة الشعر العربي والعالمي تأثيراً يضاهي تأثير هولدرلين ورامبو وأوكتافيو باث وآخرين... حتى إنه يمكن القول إن الشعر العربي قبل أدونيس هو غيره بعده.
يمكن القوال أيضاً إن أثر أدونيس في حركة الشعر العالمي لا تقل عن أثره في حركة الحداثة العالمية، فهو إضافة إلى أنه أب الحداثة العربية فهو من الفاعلين في حركة الحداثة العالمية برأي بعضهم.
يوجد أجيال شعرية كاملة في سورية والوطن العربي تأثرت بأدونيس شعرياً كما ثقافياً، وهناك الكثير من الشعراء العرب يقتفون أثره في الكتابة ويسميهم النقاد: أدونيسيون.
يذكر أن أدونيس من المرشحين الدائمين لجائزة نوبل.