السباح العالمي "محمد زيتون" رمز من رموز مدينة "جبلة" وحكاية بطل وصف بالأسطورة لكن ما وثقه التاريخ يثبت بأن "زيتون" موهبة لن تتكرر وقدرة تقف مذهولاً عند طموحها و إنجازاتها
الباحث العميد المتقاعد "عبد الوهاب زيتون" شقيق السباح العالمي استعرض خلال ندوته "محمد زيتون بطولات وأمجاد" بتاريخ 16/8/2008 بعضاً من مراحل حياة هذا البطل وكيف انطلق وحيداً إلى عالم المجد من مدينة صغيرة ليقهر أبطال العالم: «فوالد "محمد" الحاج "أحمد زيتون" كان من أمهر صانعي السفن الشراعية ومارس هذه المهنة في جزيرة "أرواد"، ونتيجة الأخطار الدائمة التي كانت تحيط بمن يعمل بالبحر قرر اعتزال المهنة والاستقرار بمدينته "جبلة" معتمداً في كسب رزقه على العمل بالبناء (العمار)، حينها كانت "جبلة" تستضيف العديد من البطولات العربية بالسباحة وهناك شعر "محمد" بأنه يجب أن يكون ضمن كوكبة نجوم العرب بالسباحة والذين كانوا يستقبلون على شاطئ "جبلة" بعد وصولهم استقبال الأبطال، ووسط معارضة الوالد كان "محمد" يتدرب سراً أثناء الاستراحة من العمل الذي بدأت الأسرة بممارسته (العمار)، اكتشف والده ذلك ولأنه تعب من حياة البحر فلم يكن يريدها لابنه فوضعه تحت كنف خاله المعروف بسطوته لكن لم يقف أي شيء في طريق رغبة الابن، فانتقل من عند خاله وعمل حداداً عند (آل عكرمة) وبسبب قوته الجسدية الهائلة خصص له رب العمل مطرقة حديدية بالكامل تزن أكثر من (15) كيلو لأنه كان بشكل دائم يكسر (أنصال) المطارق التي كان يعمل بها، وفي سن (17) انضم "محمد" إلى نادي "جبلة" وبكتاب توصية من مدير النادي ذهب إلى "اللاذقية" بثياب العمل وبالفعل سمح له بالمشاركة بأول سباق يخوضه ووسط ذهول الجميع تجاوز هذا السباح المغمور بطل العالم المصري "أبو هيف" بمسافة طويلة ليفوز بالسباق الأول له ولتتوالى الانتصارات داخل الوطن العربي وخارجه وكان أهم ما حققه: فوزه ببطولة الجمهورية العربية المتحدة في سباق النيل بـ"القاهرة" لسباحة المسافات الطويلة لمسافة 40 كم عام 1959 م، وخلالها قام بسابقة لم تتكرر على الإطلاق حيث سبح العشرة كيلومترات الأخيرة من السباق بذراع واحدة بسبب إصابة ذراعه اليمنى بخراج، وبطولة الجامعة العربية في سباق (صيدا- بيروت) لمسافة 42 كم عام 1959 م وسجل رقماً قياسياًًًً مقداره 9 ساعات و 55 دقيقة، فاز ببطولة العالم في سباحة المسافات الطويلة في سباق (كابري–نابولي) بإيطاليا ثلاث مرات على كافة الفئات هواة ومحترفين في أعوام (1960-1961-1964) لمسافة 38 كم مسجلاً عام 1961 م رقماً قياسياً مقداره 8 ساعات و 45 دقيقة بفارق زمني يزيد ساعة عن البطل الذي يليه مباشرة ليصبح الرياضي الأشهر في الصحافة الإيطالية، فاز بسباق "قناة السويس" الدولي الأول لعام 1963 م لمسافة 50 كم بين بلدة "كبريت" ومدينة "الإسماعيلية" محققاً رقماً قياسياً مقداره 12 ساعة و 3 دقيقة، كما فاز بسباق "الإسكندرية" الدولي الأول لعام 1964 م لمسافة 40 كم مسجلاً رقماً قياسياً مقداره 9 ساعات و 15 دقيقة, موقع eLatakia إلتقى بالباحث "عبد الوهاب زيتون" الذي قال عن شقيقه: «إنه كان رياضياً استثنائياً بإرادته وإنسانيته ورغم وصوله إلى العالمية بقي متواضعاً للغاية فكانت شعبيته منقطعة النظير في "جبلة" وفي كل سباق كان يشارك به في المحافظة كانت تزين المدينة قبل بدء السباق لثقة الجميع بانتصار "محمد" وكان السيد "يمني نجيب" يحول دكانه في "ساحة النوفوتيه" إلى مكتب إعلامي لهذا السباح وتبث منه الإذاعات المحلية والعربية أخبار مشاركته بالسباق»، وأضاف السيد "عبد الوهاب": «بأن "محمد" رحمه الله كان يقول دائماً "الحصول على بطولة أمر سهل والصعب هو المحافظة على اللقب" لذلك كنت تراه وبشكل دائم في الليل أو النهار يتدرب في البحر أو في "نهر السن" القريب من "جبلة"، ومن طرق تدريبه وبشهادة من عاصره من جيله كان يربط قارب بخصره ويقوم بسحبه لعدة ساعات لدرجة أنه أصبح صاحب طريقة وأسلوب يتبعها مدربو السباحة في سورية والخارج، "محمد زيتون" أو كما كان يلقب بالصحف المحلية والعالمية (الأسطورة- الرجل النفاثة- دولفين الماء) سباح بالفطرة وحصل على جميع بطولاته من دون وجود مدرب».
وعن تشجيع أسرته قال "عبد الوهاب": «الوالد كان يريد منه الاهتمام بالعمل والابتعاد عن حياة البحر فكان يترجاه "محمد" بأنه يريد رفع علم بلاده في السباق الأشهر في العالم (كابري-نابولي) وحين حقق أول انتصار له في سباق "اللاذقية" سمعنا الخبر أنا والوالد من الإذاعة ولم نكن ندري بأنه مشارك وبردة فعل عفوية صفق الوالد بحرارة وقال بلغته الأروادية هذا الولد (قبضاي الله يوفقه) ليصبح فيما بعد من أكبر مشجعيه».
وأوضح السيد "عبد الوهاب" بأنه عدا الجوائز العالمية التي حققها فقد أعفي هذا السباح الأسطورة من الخدمة الإلزامية بل وعين بمرسوم جمهوري من قبل الرئيس "عبد الناصر" برتبة ملازم أول فخري بجيش الجمهورية المتحدة، أيضاً منحه "عبد الناصر" وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى ثلاث مرات متتالية». وتابع "عبد الوهاب" اليوم الأصعب في حياة الأسرة كان (الأحد 21/9/1964) حيث توفي البطل الكبير نتيجة حادث سيارة على ضفاف "قناة السويس" أثناء طريقه للمشاركة في سباق القناة الدولي وذلك عن عمر (23) عاماً فقط فأعلن الحداد الرسمي على رحيله المفاجئ لمدة ثلاثة أيام ودفن كما يعرف الجميع على كورنيش مدينة "جبلة" لأنه أصبح ابن الوطن وليس ابن عائلة "زيتون" فقط، ونوه الباحث "عبد الوهاب" إلى أنه قد أصدر مؤخراً كتاباً يتناول حياة بطل السباحة السورية "محمد زيتون" بأدق تفاصيلها وأحداثها، وفي تقديمه للكتاب قال الدكتور "اسكندر لوقا": «إن هذا الكتاب أهم من كتاب (الشيخ والبحر) "لأرنست همنغواي" فالرواية المعروفة استمدت أحداثها من خيال الكاتب بينما حياة "محمد زيتون" قصة واقعية لبطل حياته أقرب إلى الأسطورة والخيال».