نجد من خلال أعماله ومقالاته التصاقاً بالبيئة حتى نكاد نشم رائحة الأرض بعد أول زخات مطر تشرينية، يعتبر نفسه معنيّاً بالتعبير عن نفسه وعن الناس الذين ينتمي إليهم، فهو من حيث المنشأ انسان شعبي بسيط جاء من أسرة فلاحية جبلية تنتزع لقمتها من أفواه الصخور، وحين يطل الى طفولته يرى المغارة التي كان ينفرد فيها بعيدا عن عالم الأقوياء ويرى أمه على التنور ترقّ العجين ثم تخبزه وحبيبات العرق على جبينها.
فعلاقته ببيئته تشبه علاقة سمك السلمون بمكان مولده في البحيرات التي تشكلها ينابيع الجبال فهو يجوب البحار والمحيطات لكنه يعود دائما في النهاية إلى مسقط رأسه، وعندما نذكر اسمه "حسن م. يوسف" تترافق مع أحاديثنا قصصه التي تفوح برائحة الزيتون والبلوط الساحلي، وها هو اليوم سطّر في الدراما التلفزيونية قصصا وحكايات وتنوعت أقلامه في كتابة القصة القصيرة والسيناريو السينمائي والتلفزيوني والمقالة والزاوية الساخرة.
عندما نذكر اسم "حسن م. يوسف" وخصوصا في نشاطاتنا الثقافية في المركز تتسابق أصوات الآخرين للتعريف به، فهو غني عن التعريف لشهرته الأدبية والثقافية الواسعة، والمميز في الأمر أكثر أنه عندما نستضيف هذا الكاتب المبدع في أمسياتنا الثقافية تعج صالة المركز بالزوار والحضور من كافة الفعاليات الثقافية بدءا من الطلاب والمجتمع الأهلي مرورا بالقيادات الرسمية والمنظمات الأهلية وانتهاءً بالأدباء وأعضاء اتحاد الكتاب العرب. والكاتب "حسن م. يوسف" من المحاضرين الدائمين ضمن نشاطات المركز ونحن نفتخر باستضافتنا له كلما سنحت لنا الفرصة
وللدخول أكثر في تفاصيل حياته الشخصية والأدبية، موقع eSyria التقى بتاريخ 25/12/2010 الكاتب والقاص والصحفي "حسن م. يوسف" بحوار خاص ومميز:
** أنا من مواليد عام "1948" من أهالي قرية "الدالية" التي تبعد حوالي "70" كم من اللاذقية، في طفولتي كنت ميالا للعزلة وكنت أمضي معظم وقتي في الطبيعة التي علمتني كيف أحترم عناصرها، كنت مكتوماً في طفولتي إذ لم يكن لاسمي وجود في سجلات الدولة الرسمية رغم أنني كنت طالبا في مدرسة القرية الابتدائية حتى اكتشف أستاذي وضعي اللا قانوني فأرغم أهلي على تسجيلي وهكذا أدرج اسمي في السجل المدني بعد أن بلغت العاشرة من العمر، وبعد انتهاء دراستي الابتدائية غادرت القرية وأكملت دراستي الإعدادية والثانوية في كل من مدينتي "جبلة" و"بانياس" ثم انتقلت إلى جامعة دمشق ودرست الأدب الانكليزي، وخلال دراستي الجامعية بدأت كتابة القصة القصيرة وعملت في الصحافة الثقافية حتى الآن.
** بدأت رحلتي مع الأدب من مزحة مع إحدى زميلاتي في الجامعة، وقتها حكيت لها قصة مؤلمة جدا من قريتنا، فقالت لي إنها ستكتب القصة، وطلبت مني أن أكتبها أيضا، لنرى من منّا سيحسن سردها أفضل من الآخر وجاء اليوم التالي واكتشفت أن زميلتي لم تكتب شيئا ولم تكن تنوي أن تفعل ذلك ولكن كان هدفها أن تستدرجني للكتابة فقط، وأعجبت زميلتي بالقصة وأرسلتها دون علمي لإحدى المجلات تحت عنوان "ليست منكم" وهكذا تحولت المزحة الى قصة كانت أول قصة كتبتها في حياتي.
** لحيتي هي لحية صديقي المخرج الموهوب المرحوم "فواز الساجر" غيّبه الموت نتيجة إصابته بجلطة، ورغم مرور عقود طويلة على وفاته ما أزال أتوقع أن يطل في أي لحظة، وأعترف أنني لم أقتنع بعد بموته في قرارة نفسي حتى الآن، والشيء الأكيد هو أنه حي في قلبي.
** القصة القصيرة هي حبي الأول هي ملكتي المدللة، أعيش الحياة ككاتب قصة أراقب الناس والتقط التفاصيل من الواقع المعاش والمسموع والمقروء ككاتب قصة، في كل يوم التقط عشرات وربما مئات الاحداث والتفاصيل التي تحمل امكانيات قصصية، احتضنها في قلبي واتركها كي تلتقط ملامحها من الحياة فإذا نسيتها كان ذلك دليلا على عدم جدارتها بأن تكون قصة، أما إذا ظلت تضغط علي باستمرار عندها أحاول أن أتخلص منها بكتابتها.
** كتبت "العريف غضبان" وهي مجموعة قصصية عام "1978"، ومجموعة قصصية أخرى "قيامة عبد القهار عبد السميع" عام "1988" و"الآنسة صبحا" عام "1993"، و"عبثاً تؤجل قلبك" عام "2000"، و"أبٌ مستعار" عام "2002"، وكتبت قصة طويلة للأطفال "فارس قوس قزح" عام "2007"، وكتبت مسرحيتين للأطفال "الكلب الأزرق" و"الأصدقاء الستة"، وفي المسلسلات التلفزيونية كتبت "نهاية رجل شجاع" عام "1994" عن رواية بنفس العنوان للكاتب "حنا مينه" أخرجه "نجدت إسماعيل أنزور"، وكتبت قصة وسيناريو وحوار مسلسل "إخوة التراب" من إخراج "نجدت اسماعيل أنزور" حيث فاز بالجائزة الذهبية في مسابقة المسلسلات الدرامية في مهرجان القاهرة الثاني للإذاعة والتلفزيون "1996".
كما كتبت قصة وسيناريو وحوار الجزء الثاني من "إخوة التراب" عام "1998" من إخراج "شوقي الماجري" وفاز بالجائزة الفضية في مهرجان تونس للإذاعة والتلفزيون، كما كتبت المادة المعاصرة في مسلسل "البحث عن صلاح الدين" من تأليف "محمود عبد الكريم" وإخراج "نجدت أنزور" بالإضافة إلى ثلاثية "بين جبهتين" ضمن مسلسل "المارقون" وثلاثية "هبة" ضمن مسلسل "المارقون" أيضا، وكان آخرها قصة وسيناريو وحوار مسلسل "سقف العالم" عام "2007" وأخرجه "نجدت أنزور"، ومن الأفلام السينمائية كتبت سيناريو وحوار فيلم "كش مات" من إخراج "رشيد فرشيو" وإنتاج تونسي- سوري- كندي- مغربي- فرنسي، مشترك، عام "1995"، وسيناريو فيلم "رؤية لصلاح الدين" إنتاج وإخراج "نجدت أنزور" عام "2004".
** ثمة دراسة ومراجعات نقدية معمقة تناولت قصصي أبرزها موجود في كتاب "دراسات نقدية في الرواية والقصة" للدكتور "عبد الرزاق عيد"، ودراسة مطولة بقلم الدكتور "رياض عصمت" بعنوان "القاص غضبان" نشرت في كتاب "أصوات شابة في القصة السورية"، وهناك رسالة دكتوراه بالفرنسية عن قصة لي بعنوان "العريف غضبان" قدمتها الشاعرة "عائشة أرناؤوط" لجامعة باريس الثانية، كما تُرجمت بعض قصصي إلى الفرنسية والإنجليزية والصينية والأسبانية والروسية وكُتبت عنها أطروحات جامعية.
* أين تنشر مؤلفاتك؟
** أنشر قصصي متفرقة في المجلات والجرائد السورية واللبنانية والمصرية، وعندما تصبح القصص كافية للصدور في كتاب أقدمها لإحدى دور النشر المحلية لنشرها كمجموعة قصصية.
** شاركت كعضو اللجنة العليا لمهرجان دمشق السينمائي "1999"، وعضو لجنة السينما في المجلس الأعلى لرعاية العلوم والفنون والآداب، وعضو لجنة النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة، وعضو لجنة تحكيم المسابقة الدولية الرابعة للكاريكاتير في سورية "2008"، وعضو في لجنة الإشراف على مهرجان جبلة الثقافي الذي تنظمه جمعية "العاديات" في المدينة، وعضو في اللجنة المنظمة لمهرجان "مارليان" الثقافي الذي تنظمه مطرانية الروم الأرثوذكس في حمص.
كما عملت مستشارا لبرنامج "الإعلام والمجتمع" في المجلس الثقافي البريطاني بدمشق "2007-2008"، وأنا محاضر زائر في المركز الإذاعي والتلفزيوني التابع لجامعة الدول العربية، ورئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام العربية في مهرجان دمشق السينمائي الدولي السابع عشر "2009"، كما كنت كاتبا دائما في الطبعة العربية من مجلة PC Magazine التي تصدرها في دبي مجموعة "الدباغ إنفورميشن تكنولوجي" منذ "1995-2007".
** السخرية بالنسبة لي ليست وجهة نظر، بقدر ما هي أداة نظر، هي وسيلتي كإنسان ضعيف للتوازن في هذا العالم المملوء بالضروري، بالسخرية يتحول الألم الى ضوء والعجز الى قهقهة والحزن إلى أفكار.
** ترسخت لدي قناعة خلال السنوات الماضية أن اسمي من البالة ففي العائلة لدينا نصف دزينة من الحسنات اليوسفات وفي حياتنا العامة يتكاثر الحسنون اليوسفون بتسارع متزايد، على سبيل المثال "حسن يوسف" الممثل المصري المعروف و"حسن يوسف" السيناريست والروائي العربي الفلسطيني المقيم في دمشق و"حسن يوسف" الوزير اللبناني السابق... الخ.
والحقيقة هو أن هذا الاسم قد وضعني في الكثير من المواقف المحرجة، لكن أطرف تلك المواقف هو ما جرى معي عندما سافرت في مهمة صحفية إلى الهند أنا والزميل "حسن يوسف"، في مطلع الثمانينيات فقد كان كل منا يحمل جواز سفر مهمة من وزارة الخارجية، وفي هذا النوع من الجوازات لا تدون أية معلومات تفصيلية عن حامل الجواز، لدرجة أن موظف الجوازات الهندي ارتبك كثيراً عندما وجد بين يديه جوازي سفر لا فرق بينهما سوى الصورة، فقال على سبيل الدعابة "هل لديكم أزمة أسماء في سورية؟".
كنت أدرس الأدب الإنجليزي في الجامعة آنذاك وبما أن الأسماء المختصرة شيء شائع جداً في الأدب الإنجليزي "د.ه. لورانس، ت.س. إليوت، .إ. م. فورستر... الخ" فقد قررت أن أضع حرف "م" في منتصف اسمي كناية عن "محمد" لأنه يوجد شخص أعرفه يكتب الشعر العمودي ويدعى "حسن محمد يوسف" وقد كان هدفي من ذلك هو عدم اختلاط ظلي بظلال الآخرين، لأنني أعتقد أن الاسم علامة لا كرامة، لكنني اكتشفت لاحقاً أن هذه الميم تستفز بعض الناس، خاصة المحافظين منهم، ويبدو أنها لم تفقد هذه الخاصية بمرور الزمن، فرغم أن هذه الـ "م" تتوسط اسمي منذ حوالي ثلاثة عقود إلا أنه لا يمضي نهار إلا ويسألني شخص أو أكثر عن معناها.
** قد لا تكون لدي أشياء كثيرة أفتخر بها، ولكن أهمها هو أنني كنت دائما منحازا للضعيف في مواجهة القوي وللجميل في مواجهة القبيح، القضايا الرابحة ليست بحاجة لمن يدافع عنها، لذا أميل بطبعي للدفاع عن القضايا الخاسرة، والشيء الأكيد هو أنني لست نادما على أي من المعارك التي خسرتها ولكني نادم لأنني تجنبت معارك اخرى كان من الممكن أن أخسرها أيضا، نعم أنا نادم على وعود الحب التي بددتها خوفا على من أحببتهم، نادم على الدروب التي فُتحت أمامي ولم أجازف باكتشافها.
** منذ عقود مضت بدأت ببناء بيت في قريتي وزرعت أشجارا حوله، يومها أسميته "بيت الحماقة" لأنه من الحماقة أن يقوم شخص مثلي "محدود الدخل" ببناء بيت على مسافة تفوق ثلاثمئة كيلو متر عن مكان عمله، غير أني منذ بضع سنوات اكتشفت أن بيت الحماقة ذاك هو الشيء الوحيد العاقل الذي قمت به في حياتي، أنا شخصيا تعلمت وما أزال من خلال علاقتي بالنبات والأشجار، فالطبيعة هي أستاذي الأكبر الذي أزداد قناعة به كلما تقدمت في العمر ويزداد إحساسي بعبقريته مع كل إشراقة شمس، قصصي تشبه أبطالها فهي جلّها تحتوي على نكهة ريفية، تزيد وتنقص وفقا لعلاقة الشخصية المعنية بالريف، وهذا يرجع لكوني أركز في جل ما أكتبه من قصص على الانسان الريفي في بيئته الطبيعية أو بيئته المكتسبة داخل المدينة.
** أتذكر أن جل الأصدقاء الذين اخترتهم اختارهم الموت أيضا، من الشاعر "رياض الصالح الحسين" الذي كان "بسيطا كالماء واضحا كطلقة المسدس" مرورا بأبهى أبناء جيلنا المخرج المسرحي اللامع "فواز الساجر" وكاتب القصة الاستاذ "سعيد حورانية"، والناقد السينمائي الكبير "سعيد مراد" أستاذ فن العيش وانتهاءً بالصديق الكاتب المسرحي البارز "سعد الله ونوس" الذي كان ولايزال درسا عظيما في فن المقاومة في كل المجالات، والقاص المرهف "محمود عبد الواحد" والنحات الاصيل "عاصم باشا" كل هؤلاء منحوني الكثير من ضوء أرواحهم وعلموني بسلوكهم النبيل وفكرهم النير كيف أحافظ دائما على ثقتي بالإنسان.
** قبل سنوات كتبت في دفتر ملاحظاتي العبارة التالية "الحق موزع في الناس ولهذا يظن كل منهم أن الحق معه".
تشكل محاضرات الكاتب "حسن م. يوسف" جواً ثقافياً مميزاً ويلاحظ حضور جماهيري عند ورود اسمه في أي لقاء ثقافي، موقع "eSyria" التقى السيد "محمد حميد علي" مدير المركز الثقافي في "جبلة" ليحدثنا عن السبب حيث بدأ بالقول: «عندما نذكر اسم "حسن م. يوسف" وخصوصا في نشاطاتنا الثقافية في المركز تتسابق أصوات الآخرين للتعريف به، فهو غني عن التعريف لشهرته الأدبية والثقافية الواسعة، والمميز في الأمر أكثر أنه عندما نستضيف هذا الكاتب المبدع في أمسياتنا الثقافية تعج صالة المركز بالزوار والحضور من كافة الفعاليات الثقافية بدءا من الطلاب والمجتمع الأهلي مرورا بالقيادات الرسمية والمنظمات الأهلية وانتهاءً بالأدباء وأعضاء اتحاد الكتاب العرب.
والكاتب "حسن م. يوسف" من المحاضرين الدائمين ضمن نشاطات المركز ونحن نفتخر باستضافتنا له كلما سنحت لنا الفرصة».
الجدير بالذكر أن الكاتب "حسن م. يوسف" عمل كمحرر ثقافي رئيسي وكاتب عمود ساخر في صحيفة تشرين منذ عام "1978" وحتى "2008" ويكتب حاليا في جريدة الوطن، بالإضافة إلى أنه أستاذ لمادة السيناريو وتحليل الأفلام في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق بدءاً من "2007"، ترجم العديد من القصص والمقالات والدراسات من الإنجليزية إلى العربية، بقي أن نذكر أن زوجة "حسن م. يوسف" لم تكن بعيدة عنه فهي المؤلفة والكاتبة "روز مخلوف" ولديها حوالي أربعين كتابا مترجما عن اللغة الفرنسية، ابنته الكبرى "مايا" تعلم العزف على آلة القانون في جامعة "السلطان قابوس" بسلطنة عمان وابنه الوحيد "رام" يحمل شهادة في الاقتصاد.