"مدينة صغيرة على شاطئ المتوسط يعشق سكانها كرة القدم ويدفعون أبناءهم إليها باستمرار ليصبحوا لاعبين مميزين يرفدون نادي مدينتهم ومنتخب وطنهم، ومن بين هؤلاء اللاعبين الكابتن "عمار الشمالي" الذي ينتمي إلى عائلة رياضية بامتياز، فشقيقاه "لورنس وأيهم" من ألمع نجوم الدوري السوري والمنتخب الوطني لسنوات، وقريبه الكابتن "رفعت الشمالي" الملقب بعراب الكرة الجبلاوية، هذا الانتماء أعطى الكابتن "عمار" دفعاً معنوياً قوياً جعل منه لاعباً منافساً وقائداً لفريق "جبلة" لأكثر من ست سنوات ولفريقي "القرداحة وتشرين" وللمنتخب الوطني للشباب.
موقع "eSyria" زار الكابتن "عمار الشمالي" في منزله وأجرى معه حواراً مطولاً عن مسيرته كلاعب ومدرب واستمع منه إلى صوت الذكريات التي بدأها بالقول:
"عمار" لاعب كبير وقائد إنساني في أرض الملعب تمتع بمواصفات الهداف دون أن يكون مهاجماً وامتلك مواصفات تكتيكية جعلت كل مدربيه يعتمدون عليه، ولعب دور الكابتن باقتدار فكان قادراً على ضبط مشاعر زملائه في الفريق مما دفع الجميع لكي يحبوه
«بدأت صغيراً في نادي "جبلة" بعد أن قادني أستاذ الرياضة في المدرسة الكابتن "فواز نصور" إلى النادي وسجلني مع فريق الأشبال في سنة "1983"، وكان مدربي حينها الكابتن "سمير بوز" وكنا نلعب على أرض الملعب القديم بالقرب من البحر وتدرجت في الفئات العمرية للنادي رويداً رويداً حتى وصلت إلى فئة الرجال في عام "1993" وكان حينها الفريق ينافس على مختلف البطولات، وكنا قاب قوسين أو أدنى من الظفر بلقبي الدوري والكأس عدة مرات قبل أن تكتمل مرحلة النضج لدينا ونستطيع تحقيق الثنائية في موسم "1999"، "2000"».
ويتابع "الشمالي" حديثه عن تلك المرحلة قائلاً: «في فترة ما قبل الحصول على بطولة الدوري كنت أحب كرة القدم بشغف لدرجة أني كنت أتدرب وحيداً، وألعب مجاناً دون الحصول على أي مردود مادي، لكن هذا لا يعني أن حبي للكرة أبعدني عن وضع هدفٍ ما نصب عيني والسعي لتحقيقه، بل إن هذا الحب ساعدني بشكل كبير للسعي مع زملائي من أجل الظفر باللقب وتحقيق أفضل أداء ممكن في أرض الملعب، بالإضافة إلى ذلك كانت عيناي تتجهان نحو الخارج على أمل الحصول على عقد احترافي في الخارج يعيد لي شيئاً مما ضاع في النادي الذي لعبت له دون مقابل، بحيث أستطيع أن أؤمن على حياتي وحياة أبنائي بعدما فقدت فرصةً سابقة للاحتراف في لبنان بسبب رفض النادي التخلي عني، والسبب حسب قولهم هو حاجة الفريق الماسة لوجودي ضمن صفوفه».
** ابتعدنا عن بطولتي الدوري والكأس لعدة عوامل في مقدمتها سوء الحظ وضعف خبرتنا كلاعبين في تلك المرحلة، لأن الفريق كان بمعظمه من جيل الشباب أبناء المدينة، فكان ينقصه النضج وخبرة المنافسة التي اكتسبناها فيما بعد وحققنا بطولة الدوري، فالفريق قبل أن نلعب له نحن كان يضم في صفوفه أفضل لاعبي "سورية" على الإطلاق وغيابهم ترك فراغاً يصعب ملؤه بسهولة، فكان من المؤكد أن مجموعتنا الجديدة المؤلفة من "عمار الشمالي، أكرم علي، خالد حوايني، محمد غندور، أسامة الباشا، لورنس الشمالي، أيهم الشمالي، ماهر قناديل، مروان طاهر، عبد الفتاح عبد القادر" تحتاج إلى القليل من الخبرة والصبر حتى تتمكن من تحقيق الإنجاز وهذا ما بدا واضحاً في موسم (1999- 2000).
** لأننا ننتمي إلى مدينة صغيرة لها خصوصية معينة من حيث محبة أبنائها لها وتحقيقنا الثنائية بلاعبين معظمهم من أبنائها هو إنجاز يسجل للمدينة بأكملها، فكان لابد لنا أن نبالغ في فرحنا بهذا الإنجاز وبغيره، لكن من الصعب عودة تلك البطولات في ظل الوضع الراهن الذي يمر به نادينا.
** طبعاً لا أحد يستطيع أن ينكر الجهود التي قدمها الجمهور من جهة والإدارة التي كانت مسؤولة عن الفريق وعلى رأسها الكابتن "رفعت الشمالي" الذي كان رغم بعدي عنه حالياً رجل تلك المرحلة العبقري والأب الروحي للنادي، فكان النادي قليل التجاذبات والفريق يضم في صفوفه مجموعة مميزة وموهوبة من أبناء ذلك الجيل الذين عندما رحلوا عن النادي لم يتوافر الجيل البديل ما أدى إلى هبوطه بعد فترة من التخبط.
** لاعبنا تنقصه الثقافة الكروية بشكل عام، وعلى سبيل المثال كان من بين أبناء جيلي لاعبون مميزون وهم أجدر مني باللعب لكنهم تعاملوا مع الكرة كوسيلة للتسلية ولم يتابعوا اللعب بها ما جعلنا نفتقدهم كلاعبين وجعلهم يندمون فيما بعد على مواهب دفنوها، كما أن كرة القدم والرياضة بشكل عام كانت صعبة وتحتاج تضحية وبطولة، فكانت العقلية تعتمد على الشعارات والمعنويات لدى كل الفرق وبدرجة أقل بالنسبة لنادي "جبلة" لأنه كان نادياً شبه محترف يحوي في صفوفه لاعبين كثر من مختلف أنحاء سورية وعندما أتينا إلى النادي كانت مسؤولية الحفاظ على اسم النادي واجباً وضرورة، والحمد لله استطعنا المنافسة على لقب الدوري لأكثر من عشرة سنوات قبل أن نحققه في سنة "2000" بمجموعة مميزة تستحق الاحترام.
** هو مركز رئيسي، يتطلب وجود لاعب يستطيع ربط الخطوط ويدرك أهمية المركز لأنه قيادي، وأفضل مدربي العالم كانوا يلعبون في هذا المركز لأنهم عندما كان لاعبين تعلموا من المركز تحقيق الموازنة بين الدفاع والهجوم، فيجب أن يتمتع اللاعب بالقدرة على تحمل مسؤولية الدفاع بامتياز من ناحية الرقابة، وهو صانع ألعاب الناحية الدفاعية، ويجب أن يكون لاعباً موهوباً من الناحية الهجومية ولديه قدرة على التوزيع والتسجيل وعليه واجبات كثيرة يحمله إياها المدرب نظراً لضرورة اختراقه من الخلف لدفاعات الخصم، وبهذا المركز كان واجبي دفاعي أكثر منه هجومي ونافست على هداف الدوري عدة مرات وسجلت خمسة عشر هدفاً في موسم واحد لأكثر من مرة.
** خدمت النادي لأكثر من 12 عاماً بلا مقابل قدمت لي خلالها الكثير من العروض للاحتراف لكن النادي رفض الاستغناء عني مراراً وتكراراً إلى أن حصلنا على بطولة الدوري حيث تمكنت من السفر إلى الإمارات واللعب مع نادي بلدية أبو ظبي في أقوى دوري محترف في الإمارات في تلك المرحلة، وحصلت مع النادي على كأس السوبر وكان إلى جانبي لاعب آخر من "جبلة" هو "محمد أسعد"، هناك استطعت تعويض ما ما لم أحصل عليه خلال وجودي مع نادي "جبلة" وأقصد الجانب المادي، إضافة للخبرة، فكان الراتب الذي أتقاضاه يحسدني عليه أفضل لاعبي الدوري في تلك المرحلة ممن لم يتسن لهم السفر خارج البلد، وأصبح معظمهم فيما بعد كمن أنهى حياته مثلما بدأها بحيث لم يجنوا شيئاً من جراء عطائهم لأنديتهم.
** خلال وجودي في الإمارات اتصل بي الكابتن "عبد القادر كردغلي" وقال لي أن فريق "القرداحة" قادم بقوة ونحن نريدك في صفوفنا ولك مقدم عقد جيد وراتب ممتاز، فقبلت وعدت إلى "سورية" ولعبت في الدرجة الثانية مع "القرداحة" وصعدنا إلى الأولى وحققنا فيها المركز الثالث لموسمين ثم انتقلت إلى تشرين بعد دخول الاحتراف في أغلى صفقة أبرمت للاعب ضمن الدوري السوري في تلك المرحلة ولعبت معهم وحملت شارة الكابتن، وحصلنا أيضاً على المركز الثالث بجدارة قبل أن أعود إلى "القرداحة" نتيجة إلحاح إدارة النادي ولعبت موسمين حققنا في الأول المركز الثالث، وفي الثاني حققنا المركز الرابع قبل أن أعود لأختم مسيرتي في نادي "جبلة" فلعبت له موسماً وحققنا المركز الخامس، ومن ثم توجهت إلى نادي "الساحل" أحد أندية الدرجة الثانية، حيث كنت لاعباً ومساعداً للمدرب في مرحلة الذهاب وحققنا المركز السابع مكرر فعينتني الإدارة مدرباً وحققت مع نهاية الدوري المركز الثالث، وفي السنة التالية حققت المركز الثاني كمدرب بعد ظلم تحكيمي كبير تعرضت له مع فريقي ما حرمنا من الصعود إلى الدرجة الأولى.
** البداية كانت مع منتخب الشباب حيث كنت الكابتن، وسجلت هدفين في ثلاث مباريات وفي نهائيات آسيا بإيران لم نوفق ونقصتنا اللمسة الأخيرة فخرجنا مبكراً، ومنذ عودتي من إيران انضممت إلى منتخب الرجال مباشرةً وكنت حينها في سنٍ صغيرة مقارنةٍ مع لاعبي المنتخب أمثال "نزار محروس وعبد القادر كردغلي" فكان أصغر لاعب ضمن صفوف المنتخب يكبرني 11 عاماً، لذا فقد عانيت كثيراً من العزلة ومن الشعور بعدم رغبة البعض في وجودي، ما حرمني اللعب كأساسي لفترة طويلة.
فيما بعد لعبت مع المنتخب في نهائيات كأس آسيا وشاركت بالدورة العربية وتعرضت للإصابة خلال تلك المشاركة ولم يكتب لي الاستمرار.
** نحن نعاني من غياب البديل الجاهز لذا أنا أحاول كسر هذه القاعدة في التمرين، فالدوري طويل والمدرب يحتاج إلى لاعبين بدلاء جاهزين ومقتنعن بأنهم ورقة رابحة بيد المدرب سوف يزج بها عند الحاجة من أجل قلب نتيجة مباراة معينة، لأنه ليس كل من يلعب هو الأفضل، أحياناً يكون البديل الجاهز أفضل من الأساسي، عندما يتحقق العدل ويكون المدرب قيادياً وصاحب قرار يكون الجميع على أتم الاستعداد لتقديم الأداء جيد.
** هذا الكلام غير دقيق فأنا أستشير كل من حولي حتى اللاعبين رغم معرفتي المسبقة بالقرار الذي عليّ اتخاذه لكن أتمنى دوماً أن أشارك اللاعبين في صناعة القرار لكي يشعروا بالمسؤولية، لكن خلال التمرين يمنع الكلام والآراء، أنا أستمع لكل الآراء لكن الرأي الأخير يعود لي.
** بغض النظر عن الحالة الاستثنائية لفريق "تشرين" هذا الموسم إلا أن وضع هذه الأندية غير جيد وهي تفتقر للعائد المادي الذي سوف يؤثر على "تشرين" كثيراً في رحلته الآسيوية، وقد لا نرى فريقاً ساحلياً جيداً في الموسم القادم بسبب الأوضاع المادية، أما على صعيد اللاعبين فنحن نمتلك مصنع لاعبين وليس لاعباً واحداً.
** أسئلة سريعة:
* أجمل مباراة لعبتها؟
** ضد الكرامة في حمص في نصف نهائي الكأس وسجلت الهدف الوحيد عن بعد "35" متراً وعبرنا للنهائي.
** نعم لكني لست مستعجلاً.
* هل أنت راضٍ عن مسيرتك؟
** نعم لأني أضفت لكل الأندية التي لعبت لها.
* كيف تقيم مسيرتك؟
** شخصياً أجدها ممتازة.
* متزوج؟
** نعم ولدي (بشار وماري)
* ماذا تتمنى لنجلك؟
** أن يكون لاعباً في نادي "جبلة"
** كلا لأنها سبب وصولي إلى هذا المستوى
** سجلت حوالي مئة وخمسين هدفاً
* ما أهم إنجازاتك؟
** بطولة الدوري عام "2000" والكأس "1999" وصيف كأس الجمهورية عامي (1996 و 1997).
المركز الثالث في البطولة العربية مع المنتخب.
الصحفي المتابع "مازن يونس": «تميز "الشمالي" بأنه لاعب صلب وقائد ذكي في أرض الملعب لدرجة جعلت أقوى الفرق تهابه وتحسب له حساباً وتتمنى أن يلعب معها، كما أنه نجح في كافة تجاربه الرياضيه سواءً مع "جبلة أو تشرين أو القرداحة" وحتى الدوري الإماراتي وكان الكابتن في جميع الفرق لكنه ظلم مع المنتخب الوطني ولو أنه أخذ حقه لكان قدم خدمات جمة للمنتخب الأول الذي افتقد في بعض المراحل للاعب بمواصفات "الشمالي" الدفاعية والهجومية».
هداف نادي جبلة ومنتخبنا الوطني سابقاً "مناف رمضان" قال: "الشمالي" مميز أخلاقياً ومحب لزملائه، كما أنه متعاون على أرض الملعب وانضباطي في التمارين، وهو لاعب خدم ناديه بطريقة لا يستطيع أحد أن ينكرها، فيما بعد أصبح مدرباً لفريقي مصفاة بانياس والساحل فقدم طريقة لعب جيدة، وعبر عن نفسه وفكره من خلالها فاكتسبنا مدرباً جيداً للمستقبل، لكنه لم يعطى الفرصة المطلوبة حتى الآن، ونحن بحاجة إلى نفس جديد متواجد من جيل الشباب وعلى رأسهم "عمار الشمالي"».
زميله في نادي "جبلة" اللاعب "محمد غندور" قال: «"عمار" لاعب كبير وقائد إنساني في أرض الملعب تمتع بمواصفات الهداف دون أن يكون مهاجماً وامتلك مواصفات تكتيكية جعلت كل مدربيه يعتمدون عليه، ولعب دور الكابتن باقتدار فكان قادراً على ضبط مشاعر زملائه في الفريق مما دفع الجميع لكي يحبوه».
أما اللاعب "ماهر يوسف" الذي رافق "الشمالي" في ناديي "جبلة" و"القرداحة" تحدث عنه بالقول: «كان مايسترو الفريق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وحمل صفات المدرب وهو لاعب خاصة في فريق "القرداحة" وقاده إلى مواقع ممتازة على سلم الترتيب، وفيما بعد اتضح أنه جيد تدريبياً وقدم خدمات مميزة مع نادي المصفاة في آخر موسم، ولولا خبرة نادي "حطين" لكان صعد إلى الدرجة الأولى، لاعب أخلاقي مهذب وهذا السر في أن محبوب من قبل الجميع، وعلاقاته مع اللاعبين من خارج المحافظة ممتازة ويحظى باحترام الجميع».
كما التقينا من تدرب تحت قيادة "الشمالي" وهو اللاعب "سومر ديوب" فقال: «كان نادي الساحل قبل أن يتولى "عمار الشمالي" تدريبه بموسم واحد؛ كان مهدداً بالهبوط إلى الدرجة الثالثة، وبعد الاستعانة به تمكن بنفس اللاعبين من تحقيق مركز متقدم، وكان قاب قوسين من الوصول إلى الدرجة الأولى، الأمر نفسه تكرر معه في نادي المصفاة، فهو مدرب يقرأ أفكار اللاعبين بطريقة تساعده وتساعدهم على النجاح، باختصار هو مدرب المفاجآت».