تندرج محاضرة القاص سامي طه التي ألقاها في أسبوع اللغة العربية تحت عنوان "الجوانب التربوية واللغوية والتعليمية في قصص الأطفال" موضحاً فيها كيف يتعاظم دور الكاتب والمفكر في عصرنا لجهة تمكين اللغة العربية الفصحى وتسهيل
وصولها إلى ألسنة الناس والأطفال خاصة بالحرص على تقديم العمال الأدبية بالفصحى وغرس أهميتها بين السطور ويجد القاص طه أن أكثر فنون الكتابة يمكن تحميله هذا الدور هو القصة التي تعد الأقرب بين الأجناس الأدبية إلى عالم الطفل في مختلف مراحل نموه. وبين ما تقدمه القصة للطفل قائلاً: المتعة والترفيه ضروريان للطفل وهما وسيلة القصة لأداء وظيفتها التربوية. وعلى الرغم من أننا نعلي من مكانة الترفيه والتسلية، ونحرص عليهما حرصاً شديداً ونعي وظيفتهما التربوية في تنمية شخصية الطفل، فإننا نطالب في الوقت نفسه بوظيفة تربوية أخرى تؤديها فكرة القصة، أو مغزاها، أو القيمة الواردة فيها فقد تعالج حوادث القصة فكرة معينة، كالرحلة إلى كوكب آخر في قصص الخيال العلمي، أو هجرة السنونو في الصيف والشتاء، وتعليل أشكال الحيوانات وطبائعها في القصص العلمية. وقد تؤدي الحوادث إلى مغزى معين، او قيمة محددة كالحرية والدفاع عن الأرض والوطن والعمل والصحة والتعاون وما إلى ذلك، وقد تلتقي في القصة الواحدة الفكرة والمغزى والقيمة، وقد تنفرد القصة بواحد من الأمور الثلاثة، إلا أن وظيفة القصة لا تتحقق دون فكرة أو مغزى أو قيمة، ونعود للتأكيد أنه لا يكون تحققها سليماً مؤثراً في الطفل إذا كان طرحها مباشراً بأسلوب الوعظ والإرشاد، فالطفل ينفر من الوعظ والإرشاد، ويستعيد في أثناء قراءته القصة أو سماعه لها عالم المدرسة بما فيها من زجر وتنبيه وإرشاد.
وأضاف: ثمة تفريق في مراحل التقليد اللغوي باتجاه الاستقرار، من نمو اللغة إلى تعلم اللغة ومن اكتسابها إلى تذوقها. ويفيد هذا التفريق في تقرير مكانة الاكتساب في التذوق اللغوي، لأن التذوق اللغوي ينشط بالاهتمام وتكوين الثروة اللغوية، حيث يتأخر التمييز بين اللفظ والمعنى، وفيه يحفظ الطفل الكلمات دون فهم معناها الحقيقي ثم يصبح بمقدوره التمييز بين الكلمات مع ارتفاع الذائقة اللغوية سبيلاً لتربية التذوق وللتدخل في هذا السبيل، يمكن أن نمد الطفل بروائع الكتب في كل وقت، وفي كل مكان، وإن توفر للكتابة الموجهة للأطفال أكبر قسط من التلقائية والصدق والإخلاص الحقيقي النابع من القلب..
إن ربط التذوق اللغوي بالقراءة وتنمية الاستعداد لها ونجاحها وتجنب محاذيرها،أمور تساهم في الحفاظ على المستوى المعجمي للغة في مرحلة الرسوخ اللغوي، ومن المحاذير، غرابة اللفظ وطول الجملة، والتقديم والتأخير، والإسراف في استخدام المجاز والاستعارة.
مبيناً أن القاص لا يستطيع التأثير في لغة الطفل تأثيراً ايجابياً إذا لم يستند عمله إلى معرفة علمية بحاجات الطفل وقدرته على اكتساب اللغة والكاتب مطالب بالإبداع ولابد من أن يعزز لديه هذا الهدف النبيل. ولكن يمكن للمبدع بعد تأليفه النص أن يعود إلى تحكيم لرصيد الطفل اللغوي حسب المرحلة التي يوجه إليها نصه، بحيث يعدّل ألفاظه بما لا يسيء إلى جماليته.
منوهاً إلى الدور التعليمي للقصة قائلاً: حين نقر بالدور الرائد للقصة في النمو اللغوي والتربوي للطفل لا بد لنا من معرفة بدور آخر لها يتجلى في الجانب التعليمي، فالقصة جذع قوي يمكن لفروع العلم أن تنمو على جنباته، شريطة ورود الأفكار من دون الإخلال بالجانب الفني للعمل الأدبي. يبرز الدور التعليمي للقصة في القصة العلمية وقصة الخيال العلمي، وإمكانية تضمين أي عمل قصصي دوراً تعليمياً. فقد أجمع الباحثون على أهمية الثقافة العلمية للطفل العربي، وكانت آراؤهم متباينة إزاء تشخيص وضعيتها واتصالها بالثقافة المعلوماتية، والتعامل معها.
ليختم بالقول: لا اعتقد أنني أذهب بعيداً إذا قلت إن طفلاً قارئاً، نختار قراءاته القصصية بعناية ستطبعه مناخات قراءاته بآثارها الجلية، فالنمو الفكري والسلوكي والعلمي والاجتماعي جميعها مكونات لقراءة سليمة، وهنا يبرز دور فاعل للأسرة يتمثل في الاختيار الموفق للكتب التي نتيح قراءتها للطفل اعتماداً على مرحلة نموه ومحيطه الاجتماعي وخصوصيته الفردية. فالثقافة كل متكامل في تنشئة طفل متميز تشغلنا الكلمة، وتبحر بنا في عالمها المترامي، تشكل من أحلامنا مجتمعنا تسوره المحبة والعلم والأدب، غير أننا نستمد من الواقع أركان البناء السليم،
الأسرة، الطبيعة، المدرسة، المجتمع، كل ذلك عوامل لايمكن نكران دورها في مسيرة تنشئة طفل، إن أردناه متميزاً هيأنا له التربة الصالحة لنمو صيحيح.