«هناك من يقول أن الشعر تجلّيات من الخالق العظيم وموهبة، ولكن هذه الموهبة لاتستقيم بدون صقل يدفعها للأمام، كالتركيز على الجانب اللغوي والنحوي بالإضافة إلى دراسة مذاهب الشعراء، فمن هنا يكون الشعر القابل على النهوض والبقاء». جملة افتتح بها الشاعر "محمود اسمندر" حديثه لموقع elatakia بتاريخ 10/5/2009 .
"محمود اسمندر" شاعرٌ ضليع بمقومات اللغة العربية، درس المذاهب الأدبية والشعرية واطلع على تجارب الشعراء، تربطه بالشعر علاقة قديمة، ذكر لموقعنا بدايته مع أول قصيدة كتبها حيث قال: « تجربتي الأولى في الشعر كانت عام (1964م) عندما كانت الولادة البكر لثورة الثامن من آذار، وفي منطقة "السقيلبية" التابعة لسهل "الغاب" كان هناك مهرجان احتفالي كبير ألقيت فيه أولى قصائدي، وأعجبت اللجنة الأدبية بقصيدتي الأولى، حينئذ أسرجت راحلتي ووجهت وجهتي وبدأت أكتب بثقة وعصامية وتجرد».
بالنسبة لي لا أرى الشاعر في الديوان بل أرى الديوان في الشاعر، وشهرة الشاعر في همته واهتمامه عن طريق العمل الدؤوب
مسيرته الشعرية انطلقت من بيئته الخاصة في مدينة "جبلة" وعمّمها على كافة محافظات القطر وأخبرنا قائلاً: «كتبت في العديد من الصحف المحلية وألقيت الشعر في المركز الثقافي في "جبلة" ومن ثم توجهت إلى المركز الثقافي في "اللاذقية" و تجولت في المحافظات، ومؤخراً انصرفت إلى الرثاء».
أوضح لنا "اسمندر" أن الشاعر عليه أن يبتعد عن الابتذال والتكلف والتصنع فيما يقول من شعر وتابع قائلاً: «الشعر إبداع وليس صناعة، والكلمة الشعرية قناة تواصل بين الشاعر وجمهوره، والشاعر بلا جمهور كالشجرة التي لاتثمر وبالتالي نتعامل معها من حيث الظل فقط، وأنا بدوري عندما أكتب لذاتي يجب أن تكون الكتابة لذاتي فقط، وعندما أكتب للجمهور أخرج من ذاتي وأخاطب الجمهور، وبالتالي مفرداتي الشعرية سهلة وبسيطة لكل قارئ ».
مفهوم الحداثة عند "محمود اسمندر" كما قال: «حداثة الشعر في داخله ومضمونه، لأن القصيدة تُطوّر من داخلها لتواكب العصور وتمشي مع الحياة والواقع لتعيش مع البسمة والدمعة، وأنا لست ضد الحداثة ولكن لا أكتب إلا الشعر الكلاسيكي لأنه شعر الأصالة وهو إرث "أبو تمام " و"المتنبي" وغيرهم من شعراء الكلاسيكية، تلك هي حضارتنا».
أنجز "اسمندر" أربعة دواوين شعرية ولكن لم يستطع إخراجهم إلى النور لأوضاعه المالية التي لم تسمح له في نشر دواوينه، ولكنه شاعر يملك الأمل ومتفائل بالحياة وقال لموقعنا: «بالنسبة لي لا أرى الشاعر في الديوان بل أرى الديوان في الشاعر، وشهرة الشاعر في همته واهتمامه عن طريق العمل الدؤوب».
يملك "محمود اسمندر" سيلا من وجدان الشعر، ولم يترك باباً إلا وطرقه، كتب الشعر العاطفي والقومي والوجداني والرثاء، وفي قصيدته "ألمٌ على ألمٍ " قال :
ألمٌ على ألمٍ وطيفكِ شاغلي/ والوجدُ أرّقني وأثقل كاهلي
أوَ كيف يألفني السهادُ على المدى/ وسهامُ لحظكِ لاتفارقُ داخلي
بمضاجعي رقدَ الشقاء ولم يكن/ لولاكِ يخطرُ في رحاب منازلي
كم راحَ ينتفض الفؤاد مودعاً / صدري ويتركني بلوعة ثاكلي
أما في قصيدة رثاء إلى روح القائد الخالد "حافظ الأسد" قال :
وقفت جليلاً وارتحلت جليلا/ فما كنتَ إلا للأنام رسولا
وماكنتَ إلا من سنا النور طاقةً/ تنير لمن رام الصعود سبيلا
فلو تُفتدى في كل روحٍ ومهجةٍ/ لعمرك لم يلق الزمان بخيلا
وعن طبيعة البيئة التي تحيط به أثناء كتابة الشعر قال "اسمندر": «أكتب داخل الجدران لأني أرى الطبيعة في ذاتي وأصورها وأتكيف بها كما أشاء، عندما أكتب خارج المنزل تتشتت رؤياي في الطبيعة المتنوعة الملامح بالإضافة إلى الضوضاء والضجيج من حولي اللذين يحدثان انفصاما في سلسلة أفكاري».
أما بالنسبة للشعراء الذين يقتدي بهم ويقرأ لهم قال: «مدرستي في العصر العباسي "المتنبي" و"أبو تمام" وفي العصر الجاهلي الشاعر"زهير بن أبي سلمى" و"الفرذدق" في العصر الإسلامي وهناك الشاعر "بدوي الجبل" من شعراء عصر النهضة».
ختم "محمود اسمندر" حديثه لموقعنا قائلاً: «أنا شاعر متفائل وطموح، أعيش على الأمل، وأنا على مايرام طالما أملك الكلمة التي ترافقني حيث حللت، وكل ما أتوق إليه الكلمة الهادفة التي تربطني بجمهوري الكريم وأنا القائل:
عصيت اختيار السهل صوناً لعزتي/ففي الاختبار المرِّ يُمتَحنُ الصبر
وما أنا إلا يُعربيٌّ تململت على/ أخمصيه الكائناتُ ولا فخر
إذا أنت لم تستغرب المرّ في الصبا/ وعهدك لن يحلو على الكبر المرُّ
بقي أن نذكر أن "محمود اسمندر" من مواليد (1947م) يعيش في منطقة "عين الحياة" في مدينة "جبلة".