إنها من القاصات القلائل اللواتي حاولن الخروج من المجال المغناطيسي للأدب، أبدعت قصصها فكانت كالحلم الأزرق في مجموعتها الثالثة وتستمر الحكاية لتنسج من رحم الحقيقة قصصها ورواياتها التي تنضح بعرق الفلاحين وسمو وأخلاق الكرام. حصلت على عدد كبير من الجوائز المحلية والعربية. صدر لها ست مجموعات قصصية وروايتان وهي اليوم بصدد إطلاق مجموعتها الجديدة إنها القاصة والروائية "ابتسام شاكوش" وقد التقاها موقع eLatakia" وأجرى معها الحوار التالي:
** الصورة في العمل الأدبي تأتي في سياق الحدث، وتنبع غالباً من انعكاس الحالة النفسية للشخصية التي أعمل عليها على ما يحيط بها من أشياء وأحداث أو أماكن، فهي، أي الصورة تأتي بشكل تلقائي من خلال تحرك الشخصيات.
** جرى كثير من الخلاف والاختلاف حول مصطلح الأدب النسائي ولم يصل المختلفون إلى تعريف يرضي الجميع، من وجهة نظري الأدب بشكل عام هو رؤية الأديب للحياة التي تدور في داخله ومن حوله وفق منظوره الشخصي، رجل كان أم امرأة، لايختلفان فيما أظن بالرؤية العامة، أما ما أعتبره أدباً نسائياً، فذلك الذي تكتبه امرأة، مكرسة نفسها من خلاله كأنثى فقط، وتتناول معطيات الحياة برؤية أنثوية متوترة، محصورة في هموم أنثوية وتفاصيل تعبر عن ضيق الأفق، في كتاباتي أحاول أن أكون حيادية، وأنظر إلى الحياة في سلوكي وفي أدبي بمنظور إنساني، بعيد عن تعصب الأنثى وشعورها المهين بضرورة التمرد على الواقع بشكل عام بدعوى الانتصار للأنوثة ولقضايا تحرر المرأة.
** في كتاباتي ثورة على الواقع المعاش، وعلى بعض العلاقات الإنسانية التي أراها ظالمة، أقدم من خلالها طروحاً للتحرر، نعم التحرر، ولكن ليس من السلطة الذكورية، لأني لا أرى نفسي واقعة تحت هيمنة ذكورية، فالواقع المعاش، والذي ينبغي لنا أن نثور عليه، هو عبودية الإنسان للإنسان، أو لظروف القمع والاضطهاد، فالرجل المقموع المقهور هو نتاج لتربية أم مقموعة مقهورة، أفرغت شحناتها في تربية أبنائها ذكوراً وإناثاً، وساهمت في تكريسها أخلاقا للجيل الذي ربته، زرعت في الصبي بذرة طاغية، وفي الأنثى بذرة الخنوع والاستسلام.
هذا الرجل سيمارس ما تربى عليه ولكن على من؟ على العناصر الأضعف من حوله، وهم غالبا أخوته الأصغر، ثم زوجته وأولاده، وربما أمه، هذا الطاغية الصغير يكبر بعيدا عن نظرها وتفقد السيطرة عليه، وتنفس البنت قهرها على العناصر الأضعف من حولها، وغالبا يكونون أولادها، وهكذا تتوالى حلقات السلسلة. أنا لا أدعو إلى تحرر المرأة من السلطة الذكورية، بل أدعو إلى تحرر المجتمع من عقد القهر والاستلاب، انظر إلى قصصي كلها، وخاصة المجموعة القصصية "انتظرني حتى أكبر" ترى معظم الشخصيات فيها رجالا مستلبين، فاقدين للحرية النفسية.
** بدأت بكتابة القصة القصيرة، ثم الرواية، والقصة القصيرة جداً، لكن القصة القصيرة هي ابنتي المدللة، حين تجيء فكرتها، أترك كل شيء وأتفرغ لاستقبالها، ما زلت أكتبها بمتعة كبيرة، القصة القصيرة تصلح للمنابر وللصحف والمجلات.
** في الأولى "الوجه المكسور" طرحت موضوع الأب، وغيابه عن مسؤوليته تجاه أبنائه، وفي الثانية "ياحرام" عريت كثيراً من جوانب الحياة الإنسانية التي تنتمي إلى القهر الاجتماعي العام كما أراها.
** الكتابة بحد ذاتها هي هاجس شخصي بالنسبة لي، اليوم الذي يمضي ولا أكتب فيه شيئا أشعر أنه يوم ضائع من حياتي، تحرضني على الكتابة صور اجتماعية أراها من حولي، وأحيانا أراها في أعماق نفسي، فالكاتب لا يستطيع أن يكون إلا ذاته في كل شخصياته التي يكتبها وفي كل أعماله وسلوكياته.
** الخط الأحمر هو تعبير هلامي لاحدود له، أنا إنسانة مؤمنة أحترم الأديان والمقدسات، ولا أدنو منها إلا بالشكل الذي يكشف تفسير الناس الخاطئ لها، أو تستّرهم بالمقدسات كقناع يعملون من تحته كل ما يناقضها، أنا لا أسخر من الأديان، كل الأديان، لكن ذلك نابع من إيماني، لا من خط أحمر رسمته جهة معينة أو مدرسة أدبية ما. أما بالنسبة لما يوصف بالجرأة في طرح المشاكل التي تتعلق بالجنس، فأعالجها بالفكرة، لا بطرح مفصل منفر، فأنا بطبعي أنفر من قراءة المشاهد الفاضحة، ومن مشاهدتها على التلفاز، وحين أكتب عن هذا الموضوع أكتب بشكل يكشف الفكرة، والهدف وذلك بالتلميح لا بالتصريح.
** أشخاص أعمالي أركبها تركيبا، فالنفس الإنسانية تشبه الحجر الكريم، سطوح متعددة، متباينة في مساحاتها وأشكالها وانعكاس الضوء على صفحاتها، ربما آتي بعدد من الشخصيات الواقعية، أصهرها لأشكل منها شخصية روائية، وأحيانا أفتت شخصية ما، إلى عدة شخصيات وأدير بينها صراعا، هكذا، شخصياتي من الواقع لكنها ليست واقعية تماما.
** مهمة الصحافة هي نقل الواقع بأمانة كما هو، مع الاستعانة بآلات التصوير، أما الأدب فيركز على بؤر الجمال، ويشير إلى مواضع القبح مستخدما لغة جميلة جذابة، مضيفا إليها صورا يبتكرها، يستنفر القارئ للتطوع في إصلاح الخلل، مثلا: كومة من التراب مركونة في الشارع، تثير الغبار وتسد الطريق وتوسخ الثياب، يراها الإنسان العادي فيتذمر من وجودها ويسب عمال البلدية، ويشتم من وضعوها هنا، يراها صانع الفخار فيأخذ بعضا منها، يصنع منها جرارا، تسقي الناس ماء نظيفا باردا، أو مزهرية، تكون زينة في أجمل الصالونات. الأديب هو صانع الفخار، لا الإنسان المتذمر.
** المهرجانات الأدبية والأمسيات هي فرصة للتعارف بين الأدباء، وبين الأديب والجمهور، وهي فرصة رائعة للأدباء الشباب، للاستفادة من تجربة الغير، ومن النقد الذي يسمعه من المشاركين ومن الجمهور، وهي فرصته لتقديم نفسه لقرّائه ولبلورة شخصيته الأدبية، لكن بعض النقد قد يكون جارحا، على الأديب الشاب أن يحتاط لنفسه، وأن يكون منيعاً ضد الإحباط الذي قد يؤدي إليه النقد الهدام.
** عشت خمس سنوات في ريف حلب، أضافت إلى رصيدي الفكري كنوزا لا يستهان بها، فالمجتمع هناك مختلف بشكل كامل عما ألفناه في الساحل السوري، مختلف بتكوينه، بعاداته وتقاليده، بأحلامه وتطلعاته، بقيمه وسلوكياته اليومية، وبالتالي فهو مختلف في همومه وطموحاته، أما بالنسبة للجو الأدبي، فظاهرة البرج العاجي للأديب موجودة وبقوة، بينما نرى الأدباء في اللاذقية يتعاونون ويتفاعلون مع الجو كأنهم أسرة واحدة.
من الجدير بالذكر أن القاصة والروائية "ابتسام شاكوش" من قرية "بابنّا"- منطقة "الحفة"- "اللاذقية".