«بين العالم والشاعر مرج أخضر، إذا عبره العالم أصبح حكيما، وإذا عبره الشاعر أصبح رسولا». بهذه الكلمات بدأت "زينب علي"، التي جلست في أمسية شعرية أمام المئات من شباب جيلها لتضيع عليهم فرصة معرفتها.!هل هي طبيبة أم كاتبة؟
هل هي الطبيبة التي يعرفونها منذ زمن، أم أنها الكاتبة التي يسبرون محتوى فكرها للمرة الأولى، ولكن عندما طلب منها عميد كلية طب الأسنان الدكتور "بشار مسيلماني" -بعد تلك الأمسية- نسخة من كتاباتها، وبعد أن قرأت على مسمع الجميع كلماتها السابقة، تأكدوا أنها "زينب علي" الطبيبة والكاتبة والإنسانة الاستثنائية أيضا.
قد لا تكون الكلمات هي المستقبل كله، فأنا أرى مستقبلي في عيادتي تماما، ولكن لا مانع في أن أصل في النهاية إلى مجموعة قصصية تصل إلى الناس، لأن الناس يقسمون إلى نمطين الأول كاتب جيد والثاني مستمع جيد، وأنا أريد الوصول إلى النمط الثاني
تقول "زينب" في إحدى رواياتها «وها أنا أجول بنظري على جسده، حتى تقع عيناي على يديه، لأرى ذلك الخاتم الذي يعكس الضوء على بصري، وكأنه ينبهني إلى وجوده، ولكنه في الحقيقة نبهني إلى العاصفة القادمة التي اجتاحتني بعد دقائق من عاصفة لقائه، وأبعدت نظري عنه بعد أن استيقظت من أحلام خطيرة، بالغة في العلو لأسقط على صخرة في أسفل ذلك الجرف، كان بعدها عني، بعد أحلامي عن الواقع.
إذا أنت لست لي، ولكنك تستمر في محادثتي مع أنك تحمل آثار لمسات أخرى، لمسات فتاة أغار منها وأحسدها دون أن أعرفها، أردت فجأة أن أسألك إن كانت أجمل مني أو كانت تستطيع أن تحيطك بعطرها مثلي أو تشبع مافي عينيك من نهم للحب، كنت متأكدة أنها لم تنظرها إليك كما أنظرها إليك الآن».
هذا ماقالته "زينب"، ومن يقول تلك الكلمات لابد أن يسأل عن أول كلمة ولدت بين يديه، فكيف امتلكت "زينب" موهبة رسم أفكارها بحبر أزرق على ورقة بيضاء؟ ومتى كان موعدها مع أول صرخة فتقول: «أول مرة كتبت فيها كانت في الصف السادس الابتدائي وكانت وقتها نتيجة كتاباتي رواية بوليسية اسميتها "أسياد الظلام" -وهي الرواية التي طبعها لي والدي فيما بعد تشجيعا لي- وكتبتها بهذا الأسلوب لأنني كنت وقتها قد قرأت الكثير من الروايات البوليسية لـ "محمود سالم" و"أجاثا كريستسي" فسيطر علي الأسلوب البوليسي، وبعد فترة وجيزة امتلكتني الكتب الأدبية بكل أنواعها، فرحت أقرأ كل ما يقع تحت يدي من كتب، وتعلقت بالشعر القديم كثيرا ولكنني لم أستطع أن أكتب بيتا من الشعر! ربما لأنني لا أريد أن أقيد مشاعري بكلمات تحكمها حروف».
وبما أن لكل مبدع سبب دفعه لذلك، سألنا "زينب" ما الذي يدفعها لكي تمسك قلما وتبدأ بترجمة ماتشعر به إلى كلمات، تقول «أنا إنسانة عاطفية لدرجة مؤذية، وأكتب لأنني أشعر في كثير من الأحيان بأن هناك الكثير من الأفكار التي تدور في عقلي، ولكن من الصعب أن يفهما الناس من حولي بكلام (عامي) بسيط يدور دائما بينهم، فأكتب حتى أرتاح، وكثيرا ما أكتب فأرتاح، وكثيرا ما أعاني من مشاكل، وعندما أتذكر أنني كتبت عنها في وقت سابق أرتاح أيضا».
بعد "أسياد الظلام" عاشت "زينب" مع خواطرها فترة طويلة والتي كانت من خلالها تترجم كل لحظة في حياتها، حيث تقول عن ذلك أيضا «بعد "أسياد الظلام" عشت مع كتابة الخواطر فترة طويلة، والتي اعتبرتها ملاذي الوحيد لأنني أحس بأنه من الصعب على أي إنسان أن يفهم المشاعر التي داخلنا، والكتابة تفتح أمامنا سبلا كثيرة للتعبير عما يجول فينا، كنت أكتب عن أي شيء يخلق عندي إحساس ما، فمن الممكن أن أكتب عن ضوء سيارة رأيته في شارع ما، أو عن يوم ماطر، أو كما حدث معي في "ذكريات على الطريق" حيث كتبت عن أشياء رأيتها وأنا في طريق، رأيت منزلا فكتبت عنه، وتخيلت الناس الذين يعيشون بداخله وكتبت عن المشاكل التي من الممكن أن تتواجد بينهم، كنت أتخيل كل ذلك من خلال شكل البيت أو شكل وجوه الناس أو أي تفصيل بسيط عنهم».
ثم انتقلت بعد ذلك إلى الجامعة، وهي تحمل كل ماتحمل من كلمات بعضها مات على الورقة وبعضها الآخر يعيش في ذاكرتها تقول عن تلك المرحلة: «في السنة الأولى للجامعة بدأت أقرأ لـ"أحلام مستغانمي"، هذه الكاتبة التي أثرت في كياني بشكل كبير، وحملتني على كتابة رواية جديدة كان اسمها "أحلام الغابة" كانت وقتها تتحدث عن فتاة تدخل إلى الجامعة و في قلبها الكثير من الأمل لكي تغير حياتها، وتجد في الحياة الجديدة مايناسب تطلعاتها حتى تصدم في النهاية بفشل قصة عشق تعيشها هذه الفتاة على مدى عامين، عبرت خلالهما عن كل ما يجول داخل الفتاة في هذه المرحلة من أحلام وآلام».
وبما أن لكل إنسان بصمته الخاصة في الحياة، وبما أن بصمات النساء في معظمها هي عبارة عن لوحات من الجمال، تجرأت وسألت ؟هل هناك أثر للجمال بين "زينب" وكلماتها، أو بين كلمات "زينب" ومن يسمعها؟ فأجابتني «أنا أرى أن لجمال الأنثى دور كبير في التأثير على من حولها، ولكن في النهاية الجمال قضية نسبية، واعتبره قبل كل شيء (ذكاء) فالأنثى الذكية قادرة على جعل الأمور البسيطة في شكلها، أمورا جذابة، هناك أشخاص يرونني كثيرا ولكن عندما أقرأ أمامهم أكون -في نظرهم- أجمل بكثير».
وعن مستقبلها بين الكلمات تقول "زينب": «قد لا تكون الكلمات هي المستقبل كله، فأنا أرى مستقبلي في عيادتي تماما، ولكن لا مانع في أن أصل في النهاية إلى مجموعة قصصية تصل إلى الناس، لأن الناس يقسمون إلى نمطين الأول كاتب جيد والثاني مستمع جيد، وأنا أريد الوصول إلى النمط الثاني».
ثم أنهت "زينب" كلماتها معي بحروف اختصرت الكثير من العاطفة والإحساس «لقد قلتها لك أخيرا، وبردت أعصابي أمام برودة أعصابك، ولم تستطع أن تنس ذلك الألم والذي غرسته مجبرة في حياتك، لم تستطع أن تنس صورة الفتاة التي لم تعرف عنها سوى قوة الضعف وعجز الأنوثة، لقد كنت تحبني، أما الآن فأعرف أن جزءا منك يريد أن يزيحني عن طريقه، وجزء آخر يريد أن يضمني بين ذراعيه، واليوم وبعد أن افترقنا للأبد، أسأل نفسي دائما؟ماذا كان سيحصل لو أنك رميت كل الماضي جانبا وضممتني إليك في تلك اللحظة».
من الجدير بالذكر أن "زينب علي" ولدت في ريف "اللاذقية" في قرية من ضواحي "جبلة" تدعى "دوير بعبدا" وتبلغ من العمر 23 عاما، وهي البنت الوحيد لعائلتها إلى جانب أخوين اثنين، وتدرس في كلية "طب الأسنان" السنة الخامسة.