تلعب البيئة دوراً مهماً في خيال الكاتب فهي بالنسبة له اللبنة التي يعتمد فيها على ما سينسج من إبداع، وهذا ما حققته الكاتبة "هدى وسوف".. فقد طعّمت الحياة الريفية التي عاشتها صغيرة كتاباتها، وأصبح للأزقة الترابية والأشجار أثرها الواضح في صفحات مجموعاتها ورواياتها التي عبرت عن الريف أصدق تعبير.
وقد التقاها eLatakia لتحدثنا عن الدافع الإبداعي عند الأديب ليكتب فتقول:
الأديبة "هدى" هي من الأديبات اللواتي حصلن وبوقت مبكر على اعتراف كبار الكتاب بأسلوبيتها الخاصة، وهذا ما نلاحظه أيضاً في نسجها الروائي بالإضافة للقصصي
«ربما تلعب بعض العوامل دوراً في حياة الإنسان والظروف الصعبة أيضاً وربما الألم، دائماً أنا مقتنعة (بأصحاب المذهب الإبداعي الذي كانوا يجدون الألم هو الذي يفجر هذا الشيء) وأتفق مع الأديب "حنا مينه" بأن الألم هو أكبر دافع للإبداع، ففي حياتي مساحة من الألم منذ الطفولة الباكرة، جميع هذه العوامل أُختزنت وبلحظة ما كان لابد لها أن تخرج.
عشت في قرية جبلية جميلة جداً، وأشعر بأن ذلك المكان وجماله له الدور الأكبر بشكل أو بآخر بمساعدتي على تشكيل رؤاي بلحظة معينة، لتخرج جميعها بشكل قصة قصيرة أو مقالة أو بشكل خاطرة، ومن الممكن أن تخرج رواية».
أما عن مجموعتها الأولى "طرقات وعرة" وما تحمله نصوصها القصصية من أفكار تقول: «جميع القصص كنت أطرح من خلالها معاناة المرأة ودائماً يوجه لي السؤال: هل تكلمت عن معاناتك الخاصة أو من واقعك؟ وأجيبهم بأنه لا يمكن للإنسان أن يتجاوز ذاته أو نفسه بلحظة».
ووجهة نظرها في الكتابة هي: «الكتابة بالنتيجة مصدر لتفريغ هذه الشحنات التي بداخلنا بشكل أو بآخر، الكتابة هي للمتعة الذاتية كما هي القراءة، يوجد مقولة "لممدوح عدوان": (عندما تكتب اكتب كأن أحداً لن يقرأك، أكتب كأنك تقفل على نفسك الباب)، أحس بأن الشخص يكتب لنفسه في البداية من الممكن أن يلامس مشاعر وأحاسيس أشخاص آخرين فيما بعد، وجميع كتاباتي أحسست بأنها لامست المشاعر وتحديداً العنصر النسائي».
وفي حديثها عن تعلقها بالطبيعة تقول: «أنا متعلقة بالطبيعة كثيراً وأحب القرية لدرجة الوله، وهذا كان واضحاً في جميع كتاباتي، فجميع الأشخاص الذين قرؤوا كتابي يسألونني هل عشت في القرية لفترة طويلة؟ وأنا حقيقةً لم أبق في القرية إلا سنة واحدة، ولكن كان عمري حينها تسع سنوات، هي قرية جبلية تشاد بيوتها ضمن الجبل وصعب أن تمر أي سيارة أو أي دراجة على طرقاتها، لم أستطع أن أنساهاً أبداً، وأول إهداء كان لهذه القرية.. "دير ماما"، وخاصةً لزواريبها الصغيرة الضيقة».
لا شك أن الذاكرة شكلت عند "هدى وسوف" قاعدة ترتكز عليها في الكتابة، تقول:
«لا أعرف إن كانت هذه الذاكرة قد شكلت العالم الروائي أو العالم الكتابي، ولكن على ما يبدو عندما كبرت استنتجت بأن للطبيعة دوراً كبيراً فهي ليست سهلة، في الشتاء، صاخبة وقاسية وفي الصيف تشعر وكأنك تريد أن تطير أنت والأشجار. بشكل أو بآخر المكان له تأثير على شخصية الإنسان فعندما تعيش في هذه الطبيعة لا تستطيع أن تكون إنساناً محايداً بل ستتأثر وستكون إنساناً ثورياً وإنساناً متمرداً، يجب أن تعرف كيف ستتكيف مع هذا الظرف وبالتالي تتكون ملامح شخصيتك، جميع هذه العوامل هي التي تصنع إنساناً، ممكن أن يكون شاعراً أو أديباً، بالنهاية سيكون مبدعاً في مجال ما، حتى نساء القرية بغض النظر إن كنّ أديبات أو لا، فهن فنانات بشكل أو بآخر خاصة أن هذه المنطقة تشتهر بصنع الحرير وأنا أعتز بهذا التراث».
وعن شخصية المرأة القوية في روايتها "صباحات لها طعم الدفلة":
«تناولت فيها شخصية "سميرة" الأم المتسلطة مثلما قال الشاعر "نزار قباني": (هناك نساء ينقلنك إلى مقاصير الجنة وهناك نساء ينقلنك إلى مشفى الأمراض العصبية)، هناك فكرة تهمني كثيراً أشعر أنها تؤرقني في تربية الأجيال، الأم هي المربية وبعض الأمهات يعتقدن بأن التربية بمفهومهن هي عندما يحصل أولادهن على شهادات جامعية.. أطباء كانوا أم مهندسين أو محامين هذا هو مقياس النجاح، فأنا عندما تكلمت عن شخصية سميرة التي تعتقد نفسها ناجحة لأن أولادها ناجحين بالنتيجة عملت على التحليل الداخلي لهذه الشخصيات (أفراد أسرة سميرة) أشخاص من الداخل فيهم كثير من الهشاشة والضعف والمعاناة والألم، وهي بنت بيئة فقيرة أرادت أن تخرج من واقعها في بين ليلة وضحاها محاولة نسيانه، وهذا النموذج موجود ومعروف، وعندما غادرت من القرية إلى العاصمة قامت بتغير ثيابها وفرش المنزل واعتقدت أن هذه هي الحياة الحقيقية، متنكرة لواقعها القديم وبدأت حكايتها مع أسرتها فلم يستطيع أحد أن يحقق طموحه أو هدفه بشكل نبيل، ركزت على نقطة بأن المرأة التي لا تحقق ذاتها والتي لا تصنع شيئاً على صعيدها الشخصي في حياتها في لحظةٍ ما حتى أولادها الفخورة بهم سيغادرون هذه الفكرة تحدثت عنها "نوال السعداوي" في كتابها يجب أن تصنع شيئاً لنفسك لأن الزوج والأولاد مغادرون هذا هو مقياس النجاح، فشخصية سميرة كانت في بدايتها معتمدة على وضع الأب الاجتماعي في القرية، وفيما بعد اعتمدت على الزوج الذي له وضع اجتماعي في المجتمع، وبالنتيجة لم تصنع شيئاً لنفسها، وعندما كبر أولادها وذهبوا شعرت بالاكتئاب والتعب النفسي».
ولأن الحديث كثر في الآونة الأخيرة عن مفهوم ومصطلح الرواية الحديثة، فكان لا بد لنا من أن نستوقف الكاتبة "وسوف" عند هذه النقطة لنعرف رأيها، تقول:
«لا بد للرواية أن تكون واضحة المعالم وأن تتناول سيرة إنسان أو فكرة معينة تدور حولها الرواية كلها فكل عمل روائي أو قصة أو أي شيء يقدمه الأديب يجب أن يكون صادقاً ويلامس مشاعر وأوجاع الناس، وليس شرطاً أن يتحدث عن فرح الناس، ولكن عندما يلامس وجع الجائع ووجع الفقير والمحتاج ووجع الشخص الذي يفقد حبيبه هذا هو الذي اعتبره أدباً حقيقياً، وليس تجميع المقالات أو الخواطر وتسميتها رواية حديثة.. لا أحب أن أتحدث عن أي اسم ولكن الرواية معروفة بالتأكيد.. الرواية هي الرواية».
وتحدث "شادي النور" وهو أحد المهتمين بالأدب والتقيناه في مكتبة بالميرا للكتب حول الأديبة وكتاباتها: «الأديبة "هدى" هي من الأديبات اللواتي حصلن وبوقت مبكر على اعتراف كبار الكتاب بأسلوبيتها الخاصة، وهذا ما نلاحظه أيضاً في نسجها الروائي بالإضافة للقصصي».
أما الأديبة الشابة "سماح القلا" فتقول: «يعجبني ما تقدمه الأديبة "هدى وسوف" من خلال النص الروائي فهي تتحدث عن بساطة القرى وجمالياتها التي تنسج واقع المدن وقوتها ولها أسلوبية فطرية قل نظيرها عند أدباء اليوم العرب».
أما "مروان رشون" وهو شاعر من مدينة "الرقة" فيقول: «في رواية "صباحات لها طعم الدفلة" رؤيا خاصة في علاقة النساء المتسلطات وهذا ما فاجأني أن تتحدث أنثى عن الدواخل الخاصة للمرأة القوية، وأعتبر أن هذه الرواية هي نقلة نوعية في الحياة الأدبية السورية».
والجدير بالذكر أن للروائية مجموعتين قصصيتين وهما "طرقات وعرة" و"جرح صغير" وروايتين هما "ندوب في الذاكرة" و"صباحات لها طعم الدفلى" وهي الآن قيد التحضير لإطلاق مجموعتها القصصية الجديدة.