ثورة إلكترونية وحرب خلف الكواليس بين الكتاب والكمبيوتر في عصر تراجع فيه الإقبال على اللغة والاهتمام بعلومها ومعارفها أمام تدفق للغات أخرى قواعدها حديثة وروادها غزو العالم بعلمهم وثقافتهم والتكنولوجيا الخاصة بهم، فكيف ينظر المختص إلى واقع لغته التي تربى عليها ولماذا يستخدم لغة صعبةً في زمن استسهل فيه القارئ كل شيء؟ أسئلة بحثنا عن أجوبةً لها لدى الكاتب والمختص باللغة العربية "فيصل سليطين" فكان الحوار التالي:
** واقع اللغة العربية لا تحسد عليه لأن الناطقين بها وأصحاب الأقلام فيها لم يدركوا جوهرها بل انساقوا وراء سياسة المادة التي ملك زمامها الغرب واستوردها الشرق بفضل ما أودع الشرق من خيرات لم يرق سكانه لامتلاك زمام العلم لاستثمارها علما بأن أصول العلم حددها الإمام "جعفر الصادق" بلغة العرب.
العربية اليوم لغة تعامل وتواصل لواقع فيه من الإسلام طقوس الجامع وخدمة الساسة من القديم إلى حاضرنا فكانت التبعية لمدنية الغرب وسياسته على حساب العربية والناطقين بها، للأسف الشديد العربية الآن حركت إعراب لا حركة علم وفقه ترتبط بالقرآن ونهج البلاغة والعلوم الجامعة.
** قيل لأبي تمام لماذا لا تقول ما يفهم؟ فكان رده: لماذا لا تفهمون ما يقال؟
أبو تمام كان عالم لغة تضمن ديوانه على أصول علم اللغة لكنه فوجئ بعدم وجود المتعلم فكان الجمهور مع من يسلب معدته غذاءها وفكره أصوله وهذا سر غربة من قال لماذا لا تقول ما يفهم.
أنا أكتب بالعربية وبأصول منطقها خطابا للعقل لاللجمهور تجديدا لما نص عليه أبوتمام ليبقى أسلوبه حيا وحجة على من يدعي القلمية شعرا ونثرا فكان أداةً لاتهام اللغة بالعجز في عصر الثورة التكنولوجية.
القارئ الذي وقف فهمه عند قراءة الصحف والأبراج لايفهم غير مايقرأ والنزول إلى هذه السوية بالكتابة خيانة للعقل وشيوع لخرافة الأبراج التي تخدم الجسد، وأنا أكتب لخدمة الروح والفكر وليس لخدمة التنجيم والخرافة وهناك أشخاصٌ كثر يبحثون عن هكذا كتابات ويهتمون لها، وبذلك يكون الجمهور نوعان نوع يبحث عن غذاء الفكر والروح ونوع يبحث عن التسلية وهذا موجود في كل أنحاء العالم.
** الشعر سليقة وموهبة تغذيها المطالعة وخبرة الحياة واستقراء الأحاسيس والمشاعر، وأنا لم أمتلك سليقة الشعر لذا لم أكتب شعرا ولا أستطيع.
اللغة بفقهها علم نفس وقراءة أحاسيس ومشاعر فكان لي الجانب الآخر من الكتابة وهو النثر اللغة المباشرة التي يمكن أن تمتلك زمام المنطق الذي يقود إلى سوي الرجولة وإنسانية الفضائل، وبهذا المنطق دخلت إلى عمق اللغة وفقه قواعدها ووصلت إلى فضاء الصورة عند أبي الطيب وأبي تمام وأبي النواس.
** الفروع مدينة بوجودها للجذور والكتاب حفظ العلوم من الماضي إلى الحاضر وإذا كانت الأوراق تتلف فالكتابة تجدد، الكتاب جليس خير لايؤذي دماغك ولانظرك، يضعك أمام اختياراته ويغذي رجولتك حسب اختيارك وماكان له هذا الفضل هو الأولى بالعناية والحفظ.
بينما ثورة الإلكترون أتت متأخرة سلبياتها أكبر من إيجابياتها وليس لها جذور في الماضي إلا أصول العلم التي حوتها الكتب وتناقلتها.
ثورة الإلكترون سلبية لأنها حاربت الأصول (الكتب) وهدمت المكتبات عبر "الفلاشة" و"CD"، نتعامل معها عبر الكهرباء والإلكترون وهذه وسائل لها مضارها وفوائدها التي علينا الاستفادة منها بطريقة تلائم طبيعتنا البشرية.
لابد من العودة للكتاب للتجديد وإن لم يجد الكتاب له أنصارا الآن فقيمته ليست بأنصاره وإنما في عقول مبدعة ومن لهم فضل صون أصول المعارف وتدوينها بين دفتي الكتاب.
** لأن الشعراء الأربعة خدموا اللغة وأصول فكرها ومنهج حضارة قرآنها لإيجاد رجل العقل والفكر والخلق والإيمان والإسلام، أبو النواس ثار على قانون القصيدة ومن يدرك فقه اللغة يعلم أن خمرته معرفة ومدحه للخليفة تعرية لواقع القصر، فيما كان "أبو تمام" الشاعر النبيه الذي وضع أصول فقه اللغة في شاعرية لم يسبقه أحد إليها فأوجد نقلة نوعية في الشعر الذي ظن العرب أنه للغناء وحسب متناسين أنه لغة المجاز التي تمكن البارع من الشعراء تأريخ الفكر وأحداث الواقع.
أما أبو الطيب فقد توحد فيه رجل الفكر ورجل السياسة وكان ديوانه مالئ الدنيا وشاغل الناس حيث اللغة والشاعرية توحد أنا الأمير بأنا الشاعر في عروبة هزمت الروم وأظهرت عجز دولة الخلافة،أما آخرهم "بدوي الجبل" فقد باعده الزمن عن أبي الطيب فكان هو أبا الطيب الذي أنضجه عصر التنوير وفصاحته.
** اللغات بأكملها فيها الاسم والحرف والفعل والفاعل والإضافة والصفة والنسبة والمذكر والمؤنث والإفراد والتثنية والجمع إلى ما هنالك مما يحافظ عليه الفكر الموحِد للغات وإن سعت اللغات لتحديث قواعدها "الانكليزية الفرنسية" وغيرها من اللغات فهذا لأنها لم تكن لغات كتب سماوية وبالتالي ليست لغة تشريع وإنما لغات تحفظها الفلسفة، بينما دين السماء هو فلسفة العربية وكتاب الله حافظها لذا فهي ليست بحاجة إلى تحديث في القواعد.
الجدير بالذكر أن "فيصل سليطين" من مواليد جبلة في العام "1950" عمل مدرسا للغة العربية بين "الجزائر" و"سورية" لأكثر من أربعين عاما، وله كتابان "أبو تمام في دائرة الضوء" و"أبو الطيب في دائر الزمن" ولديه كتابان قيد الطبع أحدهما عن "المتنبي" والآخر عن "بدوي الجبل".