يتحدث الصحافي السوري المقيم حالياً في بريطانيا "علي ديوب" عن "حسين عجيب" أنه أشهر أشياء كثيرة مخبأة في عتماتنا إلى علن الحياة، وتؤكد الشاعرة والفنانة التشكيلية اللبنانية "سوزان عليوان" غواية الشاعر فـتصفه في حديث هاتفي مختصر جداً بأنه "شاعر وشاعر فقط !"
"eSyria" زار الشاعر "حسين عجيب" في منزله، للتعرف عليه أكثر، وكان الحوار التالي:
** أثق وأفخر بذوق سوزان عليوان وتوازنها الاستثنائي ويسعدني أن ترى في نصوصي الشعرية شيئاً يستحق القراءة من جديد ، ربما لدي مشكلة في التقدير الذاتي وربما أيضاً لا أستطيع إصدار حكم قيمي على نصوص ـ برأيي ـ قد تكون شعراً وقد لا تكون.
** الآن يتكرر سؤال سقراط بالصيغة العجائبية " اعرف نفسك " ، أشعر حتى الآن أنني لم أسأل نفسي هذا السؤال الذي طرحه المعلم الأول ، لم أسأل هذا السؤال لذلك لا أستطيع أن أدعي أية إجابات، هذا من جهة، من جهة ثانية أنا الآن في الخمسين بلا وظيفة ولا عمل ولا زوجة سوى الشعر ولكني أستمتع بحياتي وأشعر بالغيرة من المطر والورد كما يشعر الأصدقاء بالغيرة من هذا الهباء ، الشعر هو اللحظة ، اللحظة داخل لحظة الوجود والسكون معاً .
*ألا تجد شيئاً من العبث هنا ؟؟
** ليس شيئاً بل كل العبث ، ولكنه العبث الذي لا يعني التخلي عن المسؤولية ، عتبة الحرية هي بذاتها مسؤولية ، إدراكنا لمسؤولية وجودنا هو ما يقارب مفهومي للعبث، الأهم موقف الشاعر/ الشاعرة مما يريد قوله في النص الشعري وهو ما يعطي فضاء النص هذه الأبعاد اللامتناهية الخارجة من قيود اللغة ذاتها .
*هل هذا يعني الاقتراب شعرياً من محمد الماغوط مثلاً ؟؟
** "محمد الماغوط" هو المؤسس الجمالي والمعرفي للشعر السوري الحديث لقد فتح الماغوط الباب أمام جمالية جديدة هي جمالية الهامشي والمسكوت عنه، وخلق بذلك (بطلاً) سورياً جديداً. من هنا أرى أن إنجاز الماغوط المعرفي لا يقل قيمة عن إنجازه الجمالي ، ثم يأتي "رياض الصالح الحسين" شاعراً، ربما من حسن حظنا أن رياض مات مبكراً لأنه ظل نقياً ويصعب البناء على منجزه بالتالي .
** حين كنت صغيراً كنت احلم أن أكون خبيراً روسياً أو صينياً ، وعندما أصبحت في السادسة والعشرين قلت لأصدقائي أريد أن أصبح شاعراً ، كنت وقتها قد تخرجت من كلية الهندسة ، وهكذا وجدت نفسي شاعراً . حتى اللحظة اعتبر جميع ما كتبته مجرد تمرينات أو مسودات بالشكل الذي أرى فيه الشعر بالعربية ، على نفس السياق وجدت أن كثيراً من التجارب الشعرية العربية المشهورة كتجربة أدونيس و محمود درويش متواضعة شعرياً قياساً بذروة المعري التي لم يطالها الكثير من شعر العربية المعاصر، الشعر معرفة ورؤيا كما أراه الآن ، احتفاء بالآني ..
** لا أعرف ما هي الأبدية وأتحسس من الجمل والعبارات الكبيرة ، هنا مثلاً يحضرني مسرح النو الياباني الذي فيه لازمة مكررة تقول بالعربية " جارين عربة ملحنا ، نحيا حياة ما أقصرها ، وما أسرع ما تنقضي " ، ربما هنا تظهر ضرورة الشعر كتعبير عن كلامنا المفقود .
** بقيت لسنوات أحفظ الكثير من قصائد محمود درويش ، وبقيت لعامين أدونيسياً ، ويوم قرأت هولدرلن وتشيخوف وريلكه ويوكوميشيما بالعربية شعرت بالفرق الكبير بين الأدب بالعربية والأدب المكتوب خارج منظومة التفكير بالعربية ، الأدب العربي في كثير من اشتغالاته أدب أساطيح لاينفذ إلى العمق النفسي الذي تجده في الآداب الأخرى ، التقييم هنا ربما يضيء هذا الكلام ، التقييم أدركه في لحظة صفاء ولكن بالمقابل من يطلق الأحكام هم الحمقى وهذا جزء من ضعفي الإنساني ويعيدنا بالتالي لسؤال سقراط وهذه الذروة لا أعرف إن كنت وصلتها ولكنها ذائقةُ الآن قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة .
** بدأ الشعر عندي كمحاولة غواية ، المرأة التي أحبها ليس لديما أقدمه لها سوى الكلام ولكن في لحظات المأساة عليك أن تطلق صرخة..زفرة .. ما نقرأه للمتعة أيضاً ربما يصلنا بقيمة ما وربما يعطينا قوة لمواجهة الحياة وربما لمهادنتها ..كل هذا كان في الزمن الماضي ، اليوم قرأ الجميع عبارة إيميل سوران " المياه كلها بلون الغرق " لهذا كان المتلقي بالنسبة لي غائماً غامض الملامح ولهذا توسمت فيه شبيهي .
** كان لها الأولوية , أشعر مثلاً أن المترجم الكبير وجيه أسعد قدم للعربية أكثر مما قدمته وزارات ثقافة كاملة أياً كانت ، وقد شعرت بكثير من الحزن يوم قرأت خبر رحيله ، أنا مدين له وأعتبره أستاذي وقد فتح لي ولغيري باب معرفة لم يكن ممكناً تخيله لولاه.
الجهة الثانية من التأثير كانت فعل التلقي ، حاجتنا القاهرة لترك أثر في الحياة لها تعبيرات مختلفة كثيراً, أجمل تعبير لها يكمن في الشعر , الجمال , حين نتخيل أن هذه الحياة سوف تنتهي وأن كوكب الأرض سوف ينطفئ أرى هذه الحالة أقل سمواً بكثير من مغادرة أحدنا لهذا العالم.
** أعتقد أن وجودنا ناقص ونحن نعرف أنه ناقص وكل مسعانا لإكماله نعرف أنه لن ينتهي أيضاً , هكذا هو الشعر كالخريف والربيع ,محزن في بلادنا أن تتسطح الحياة والمعاني, تحديداً التسطيح المتعمد ,كلنا يعرف أن الموت موجود ولكنه في الجهة الأخرى ويخص الآخرين ولا يخصنا ، وحده الموت ما يفوق الوصف، تلك الجهة التي لم يزرها أحد وعاد حتى اليوم .
** الهامشي ليس نقيضاً لا للسلطة ولا للمجتمع ولا للحياة أيضاً ، الهامشي يحتفي بالوجود ، بوجوده ، وهو تأكيداً لا يقل جمالاً عن المتن ، مثلاً هل تساءلت بماذا يمكن أن تحلم امرأة عجوز في التسعين من عمرها ؟؟ لأسباب كثيرة لست مدركاً دوافع كتابتي الشعرية عن الهامشي ، تلامسني عبارة الرحابنة حين تحدثوا عن القمر الذي يضيء لكل الناس بينما الناس يتقاتلون ، ربما من نفس المصدر جاء الهامشي الذي لا يقل جمالاً عن أي شيء آخر ، أتذكر هنا فريناندو بيسوا الإسباني المغرم بالهامشي والذي عاد إلى الحياة بعد مئة عام على غيابه والذي قرأته من فترة قريبة لأرى تأكيداً أنه كان من الممكن خلق حياة متخيلة في الشعر ولكن الأجمل كان " لا طمأنينة " أبدية ترافقني.
** أنا لاشيء .. أنا لا أحد
صديقي فريناندو بيسوا
أنت أيضاً تقول تأخر الوقت
تعذب نفسك بما تعرفه أكثر من أي شيء .
يذكر أخيراً أن الشاعر حسين عجيب من مواليد بيت ياشوط 1960 مهندس وكاتب في الشأن الاجتماعي والثقافي والفكري السوري، صدر له ثلاث مجموعات شعرية هي "بيتنا" و "أشباه العزلة" و "نحن لا نتبادل الكلام – دار الينابيع " ويصدر له عن دار الجديد في بيروت قريباً مختارات من أشعاره بعنوان " بيت من زجاج " من اختيار الشاعرة والفنانة التشكيلية اللبنانية سوزان عليوان ، كما يصدر له بداية العام القادم كتاب " ثرثرة " عن نفس الدار، وقد اختيرت مجموعة من قصائده لتقدم ضمن سياق مسلسل " الهروب " الذي أنتجه التلفزيون العربي السوري وقدمه في رمضان الفائت.