يرسم بكلماته الشفافة قصائد تنبع من وجدانه، يطرزها بأدواته المتميزة ويضعها في قافلة الشعر العربي لترسم ملمحاً جديداً للشعر إنه الشاعر "غسان حنا" الذي التقاه موقع eLatakia وكان معه الحوار التالي:
اعتبر أن ما يقدمه الأستاذ غسان هو بحد ذاته مرجعاً للشعر السوري فهو له خطه الواضح السلسل البعيد كل البعد عن باقي التيارات الشعرية السورية وتفرده هذا جعله نقطة لدراستنا في مجال التيارات الشعرية السورية الحديثة
** البدايات ربما لا تختلف بين الشعراء إلا بالظروف التي ينشأ فيها الشاعر، الظروف الاجتماعية والبيئية والعائلية والمدرسية، وربما أساتذتي كان لهم دور في التعرف على موهبتي الشعرية مبكراً باعتبار منذ النشأة ولي نزعة فنية أحب التعامل مع الوجود والحياة وبمجازية معينة وبمغامرة، وبروح المغامرة، وهذه هي الملامح الأساسية لتكوين الشاعر، الحب لم يكن بعيداً بل هو المحرك والمفجر ففي اللاذقية في مدرسة الأرض المقدسة التي نشأت فيها كان لي أستاذان لهما دور كبير في تنمية موهبتي هما "فؤاد اليازجي" و"منح اليازجي"، في الفكر والأدب والشعر ففي المناسبات الاجتماعية كنت أتكلم باسم الطلاب وبعدئذٍ ذهبت إلى جامعة دمشق أكملت الرحلة، في الحقيقة الموهبة تنشأ بالفطرة، بالتكوين، يرثها الإنسان أو بالأحرى تتكون في الدم إن لم يرثها وليس كل آباء الشعراء شعراء، وهذه مسألة هامة أن يبدأ الإنسان مع التراث ومن ثم يتخطاه، وكتبت بعض المقاطع للحب والغزل وبعض المناسبات الوطنية ولكن في دمشق كانت الصدمة الايجابية إذ التقيت شعراء كباراً، وجو العواصم محرض، هذه البئر الثقافية يتفاعل فيها الإنسان مع نوعيات متعددة ومواهب متعددة جامعية وغير جامعية ولا أنسى مهرجان الشعر الكبير عام "1970" على مدرج جامعة دمشق عندما جاء شُعراء الوطن العربي الكبار من "نزار قباني" إلى "بدوي الجبل" و"عمر أبي ريشة" و"مصطفى جمال الدين" و "محمد مهدي الجواهري"، فكانت الثقافة، وكان الشعر مدوياً، وكان قدوم الشاعر احتفالاً بحد ذاته ومن ثم كان للبنان دور كبير في إطلاق الموهبة وتركيبها وبدأت الرؤيا الشعرية تتضح معالمها من ذلك الجو الثقافي المطرب الساطع المتحرك بسرعة قياسية.
** هذه شخصيتي، المسألة تبدأ بشخصية الشاعر، لا بل إن لم تشم عطر الشاعر إذا كان له عطر إن لم تلحظ كيميائيته، إن لم يتميز صوته، فهو إذا تابع، وهو مسودة عن مبيضة شعراء، يعيش ويدور في فلكها، وأشكر الطبيعة والتكوين الفطري الذي ناداني منذ البدء لكي أكوّن تجربتي الخاصة. فأنا ربما أرى في المرأة ما لا يراه غيري، وأرى في الطبيعة ما يراه وما لا يراه غيري، فأتعامل مع اللغة باحترام لميلي الفطري للموسيقا، فاللغة التي أحببتها وأعملت بها يد الخبير، واخترت منها المشرق الجميل الواضح الدال، والأمر الثاني الأمر المجازي الذي وسم شخصيتي منذ البدء، فدائماً أرى ما خلف القمر، وما وراء الغيوم وما بين ذرات التراب، إضافة إلى حسي الموسيقي والشعري سواء اعترفنا بالإيقاعات الخارجية، المتمثلة بالبحور أو بالإيقاعات الداخلية التي تصدر عن هذا التناغم الداخلي، أو في استحضار الوجود للذات الشعرية.
الرمزيون يقولون الموسيقا وحدها مصدر للإيحاء، مصدر كبير للإيحاء وللفسحة الداخلية وللإشراقات الذهنية للسفر الخيالي، فأنا لا أذهب هذا المذهب الجامح ولكنني أعتقد أن الموسيقا عنصر داخلي حتى ولو كان له إيقاع خارجي، إضافة إلى علاقتي الجيدة مع الناس، فظهرت مبكراً وخاطبت الناس بلغتي وأقنعتهم، وبصيغي الشعرية فالروح العقلية التنظيمية تؤثر تأثيراً ايجابياً على عقلية المتلقي فقصيدتي ليست فوضى شعرية.
** أنا من أنصار القصيدة الكلية، فقد سبق للشعراء أن كتبوا عنها ومن خلالها، القصيدة الكلية هي التي تتكلم عن الوجود بشكل متناغم، بتأثير متبادل، فلا تغيب عنك المرأة وأنت في قلب الطبيعة، ولا تغيب عنك السياسة وأنت في قلب المجتمع، ولا يمكن أن تحب بعقلك وبوعيك، وطالما هناك وعي ولا وعي يتبادلان المواقع ويقدمان الخدمات في إطار العمل الفني فهذه الرؤيا الشاملة للوجود نقلتها إلى الشعر، فترى في شعري ملمحاً وطنياً أتسرب منه إلى ملمح ذاتي بعدئذٍ هو يقودني بطواعية إلى موقف تأملي فأنا في شعري قرأت وعرفت، وابنيه على نظرة فكرية فلسفية تأملية، ومنها انطلق إلى تفسير الوجود، أو إلى فهم الوجود الجمالي، وما الفن في الحقيقية إلا نظرة جمالية للوجود وإلا فيكون نظرة علمية نظرة ذات طابع نصي محدد مغلق وهذه الرؤية أن نرى الأشياء على حقيقتها والرؤيا نرى ما وراء الأشياء فأنا من خلال ما أراه إلى ما لا أراه إلا بخيالي وتأملاتي أكتب قصيدتي.
** السؤال هام جداً، هناك من يدعي بأنه يكتب بمعزل عن الناس ويكتب لذاته، هؤلاء كتبوا لذاتهم حتى قتلوا ذاتهم، وقتلوا شعرهم معهم، ولا احد الآن يكترث بهم ولا يكلف نفسه أن يتناول أثراً من آثارهم، أنا لا أستطيع أن أتصور شاعراً يعزل نفسه عما حوله ليكتب شعراً، نعم أنا لا أتصور شاعراً يبيع نفسه للمجتمع يقدم نفسه لقمة سائغة للمستهلك من حوادث الحياة والحوادث العابرة، ولكن علينا أن نحضن هذا المجتمع ولا أخفي بأنني مصاب بلوثة إنسانية لأنني أبكي لأبسط مشهد إنساني ويبكيني الوجع الإنساني ويدميني ويمزقني المعاناة الإنسانية، ومن هنا أقترب من هذا البعد الصوفي التأملي الوجداني الزهدي، ربما في شخصيتي الكثير من الصوفية والزهد، وتمثل الإنسانية المطلقة، وهناك دراسات أخذت هذا العامل بعين الاعتبار، والحمد لله أن الشعراء كل واحد منهم يأخذ غرفة خاصة به كي لا يختنقون جميعاً في غرفة واحدة.
** لي في اتحاد الكتاب حوالي 23 سنة ومنذ خمسة عشر عاماً كنت عضواً في مثل هذه اللجان وأعترف بأن المواهب التي مرت علينا وقومناها وحددنا نقاطها المضيئة ثم انطلقت إلى الأفق والى القيمة الشعرية الفنية والإبداعية قليلة جداً، لأنه ليس لنا دور في ذلك، وأقول للشباب ممن يسألون كيف أصبح شاعراً، بأن السؤال بحد ذاته هو بأنه لن يصبح شاعراً، لأنه في حال كونه شاعراً هو ليس بحاجة إلى سؤال أي أحد ففي ذاته الداخلية يكون هناك لهب ونار تحرقه باستمرار، ويحاول ترجمتها إلى الورق قصائد.
إنما نحن نقوم لبعض الكيفيات من حيث وجود بعض التطويل في مكان ما أو بعض المباشرة في مكان آخر، مع أننا نقع في التجربة نفسها وببعض هذه الأخطاء لأن التجربة الإنسانية معرضة للخطأ، وأكثر الشعراء غطرسة والذين اعتبروا أنهم احترفوا هم معرضون للسقوط في الشيخوخة العقلية والذهنية ويكتبون أشياء رديئة جداً، معتقدين أنهم الآن بلغوا مرحلة النضج وما يكتبون الآن آية خارقة، فلنخش ونتورع عن هذه الدعاية الباطلة فالشاعر لا بد أن يظل هاوياً لأن الشعر ليس احترافاً.
** آخر كتاب شعري ولا أقول مجموعة لأنه كلمة كتاب تشعرني بالاحترام لذاتي وللشعر الذي اقرضه، بعنوان "أناشيد لسمو الزنبقة" وهو كتاب كبير، يضم تجربة مركبة متعددة الأصوات، تجربة لا أقبل أن تكون رؤية ساذجة، وأحاول أن أذهب بها بعيداً، حتى تحقق شيئاً من شخصيتي المتكاملة، وهي آخر مجموعة، وستصدر قريباً وأحب عندما أنجب إبداعاً أن أحتفي به مع الذين يحبون ما أكتب، وأنا راضٍ عن استقبال واحتفال الوسط الأدبي بما أقدم.
ويرى الشاعر "إيلي عمشوق" حول ما يقدمه الشاعر "غسان" بالقول: «للشاعر "غسان حنا" بصمة واضحة في مجال الشعر وهو من أهم أركان الشعر السوري الحديث والذي يستطيع أن يسلبك ما في داخلك من مشاعر بإحساسه المرهف ورؤيته العميقة للنص، أضف إلى هذا أنه يرسم الوجع بأنامل ملساء شفافة تجعلك متقبلاً له بطيب خاطر».
أما الشاعر الشاب "أسامة" فيقول: «اعتبر أن ما يقدمه الأستاذ غسان هو بحد ذاته مرجعاً للشعر السوري فهو له خطه الواضح السلسل البعيد كل البعد عن باقي التيارات الشعرية السورية وتفرده هذا جعله نقطة لدراستنا في مجال التيارات الشعرية السورية الحديثة».
والجدير بالذكر أن للشاعر عدد كبير من الكتب الشعرية منها "توشيح على مقام الليل" و"ما قدرت سميك" و"لأني سأنسى" و"أبجدية التجلي" إضافة إلى مسرحية "مملكة الغبار" ومجموعته القصصية "حافلة التراب".