الشعر ممرها إلى الروح وطريقها إلى الحلم الجميل فهو متنفسها في مجتمع خانق ضيَّق على المرأة وقيّد حرية وجودها وفكرها.
تقول في شعرها إنها تفتقد "باء الحب" وحاء "الحياة" وتَضيعُ في متاهات "ألف المساء" لكنها تخرج من تشاؤمها لتدخل في حالة حبٍ جديدة فتقول إنها بوح الخطا إلى الحكايات وتطلب منه أن يخبئ لها الشعر كي تقول «يا عطراً أنت شذاه... يا نغماً أنت أرقاه... يا عمراً أنت أغلاه...».
يا عطراً أنت شذاه... يا نغماً أنت أرقاه... يا عمراً أنت أغلاه...
موقع eLatakia التقى الشاعرة "دعجاء زينة" وكان الحوار التالي:
** هي ممرات من الروح وفيها، وتؤدي إليها ثم تؤدي إلى دروب أخرى يكتشفها القارئ.
من المفترض أن القصيدة تعطيك أفقاً وهذا الأفق يفعل فعله في الروح والذاكرة والحلم، فالشعر روحي وروحي هي الشعر.
* إلى أين يوصلك شعرك؟
** إلى هدوء داخلي وسكينة أطمح لها في عالم مملوء بالضجيج، الشعر انعتاق إلى عالم أكثر سرمدية، أحياناً يكون الشعر أشبه بهروب لأن كيمياء الدماغ تفعل ذاك الفعل التفاعلي الذي يجعلك أكثر اندماجاً مع الآخر، مع المجتمع ومشاكل المجتمع.
فالشعر قد يؤدي إلى فعل تغيير أو قد يفتح طريق الحلم، وقد يكون المتنفس بشكل أو بآخر.
هناك شيءٌ ما يعمل في الدماغ وفي الروح والعاطفة لا يمكن أن يبقى على حاله جامداً لابد من تحركيه لفعل شيء ما يدعى الشعر.
** نحن نعيش في مجتمع شرقي فيه الكثير من الظلم الاجتماعي والتقييد لحرية المرأة بشكل أو بآخر، والمرأة بحاجة إلى حقوق لأن الكلمة تفعل فعلها كأي أداة حادة، والشعر هو طريقي نحو الحرية الشخصية وحرية المرأة من قيود المجتمع.
** ليست مقصودة بقدر ما هي موضوع فرض نفسه ضمن حالة فرضت نفسها، فالفكرة تخطر ببالي من الشعور الذي يتحرك في داخلي فأخرجها كما هي وأحافظ عليها.
قصائدي عبارة عن ومضة وجدانية تأتي فجأة نتيجة حالةٍ شعورية ما، كما أني لا أحب عمليات التجميل في الشعر لذلك أحافظ على قصائدي كما أتت.
** عندما أكتب القصيدة لا أفكر بموضوعها، الموضوع يأتي نتيجة حالة قد تكون (وطنية، أو حالة حزن، بهجة، أو حالة قلق ما) فالمشاعر تختلف والقصيدة تولد، لكن القصيدة التي تولد لا تنجب قصائد أخرى.
** هو ليس خوفاً على المرأة بقدر ما هو حرص على أن تكون قوية الشخصية، وتعيش بكامل إرادتها وتختار ما تقول بكامل إرادتها، لأنها ولدت حرة ويجب أن تبقى حرة.
** المرأة مازالت تكبل نفسها بنفسها وتمنع نفسها من التمرد، لكن أغلب النساء الشاعرات يتمردن، التمرد مفهوم فضفاض يؤدي إلى عدة مفاهيم قد تكون سلبية وقد تكون إيجابية وهذا الأمر عائد لشخصية كل امرأة أديبة.
طبعاً ليست كل الأديبات صاحبات شعارات في الأدب والثقافة وأرى بعضهن راغبات بالظهور على حساب الأدب والثقافة ولذلك يسقطن بعد زمن قصير من بروزهن.
** البحر بالنسبة لي وسيلة تأمل، وقد تأثرت به كثيراً وهو موجود في شعري ولو بطريقة غير مباشرة، وربما لولا البحر لما استطعت أن أكتب ما كتبته.
كثيراً ما كنت أضع تلك المنضدة في الشرفة البحرية وأكتب الشعر، إلى أن أصبحت من سكان "دمشق" ورحت أتأمل في فضاءاتها وأزقتها وحدائقها الجميلة، لكنني دائماً أشعر بالحنين إلى مدينة البحر "جبلة" لأسير على كورنيشها، أتأمل البحر في كل غروب. عندما أكون في "جبلة" أستيقظ كل صباح لأتأمل البحر قبل أن أعود إلى النوم مرةً أخرى. بالقرب من البحر أستنشق شيئاً لا أعرف ماذا أسميه.
** هي تلك الطاقة التي تكاد تشبه بذرة ضوء تولد فينا وتتكون منذ أن نكون أجنَّةً في رحم الأم إنها بذرة تتكون معنا ثم تتلون بأمر من الشعور ومن اللا شعور.
وبكلام آخر عندما أصعد إلى الجبال وتسحرني هامات الشجر وتلونات الأغصان ورقرقة الينابيع وصوت حفيف الشجر كلها مظاهر تفعل فعلها في تكويناتي التي أحياناً تؤدي إلى شكل من أشكال الكتابة فالطبيعة أفضل ملهمة.
لقد كان أبي أستاذي الأول في التأمل علمني كيف أتفنن في التأمل عندما كان يصحبنا ونحن صغاراً نحو الطبيعة ويلفت انتباهنا إلى جمال الأشياء حولنا من أرض وشجر وطير وجبال وسماء وضباب وغيوم، أبي الذي نمّى في داخلي حب الانتماء للعائلة والأرض والوطن والحلم، علّمنا أن نحب الحاضر والمستقبل وأن نكشف ما في داخلنا من مكنونات، بالمختصر أعطاني ثقة هائلة بالنفس.
التربية الحقيقية هي المنبت الأساسي للإلهام بعد الطاقة التي يمنحنا إياها خالق هذا الكون.
** يمكنني أن أصنع لك مجسماً صغيراً له وجهان أكتب لك على الوجه الأول رياضيات وأكتب لك على الوجه الثاني أدب، إذا هما وجهان لمجسم واحد.
لا أخفيك الرياضيات منحتني بعداً آخر في التفكير كما أعطتني عمقاً جديداً، علمتني الرياضيات التحليل والتركيب بدقة أكثر وربما عندما كنت أبحر في تحليل وتفكيك قصائد "أدونيس" المهمة وأدخل في عوالم جديدة واسعة أصل إلى فضاءات بعيدة فإن ذلك يعود بشكل أو بآخر للرياضيات.
* بداياتك مع الشعر؟
أذكر عندما كنت في الصف السابع رسمت صورة لأرنب ثم لونتها ثم قصصتها ثم ألصقتها على دفتر مذكراتي وعلى جانبي الصفحة كتبت حوارية شعرية بين أرنبين لا أذكر منها شيئاً لأنني فقدت الدفتر.
ثم وجدتني أكتب باهتمام أكبر عندما كنت في الصف العاشر وكم كنت حريصة أن أخبئ ما أكتب بعيداً عن الجميع إلى أن شجعني أحد المختصين وكنت حينها في الجامعة.
قالوا في "دعجاء":
الشاعرة "معينة عبود": «إنه صوت أنثوي له حس جميل، لقد استطاعت تحويل معاناتها إلى صورةٍ شعريةٍ وخصوصاً في ديوانها "ممرات"، إنها تناقش قضايا لها مدلولات مهمة خصوصاً فيما يتعلق بها هي شخصياً».
فيما يقول الفنان "عامر علي": «في شعرها الكثير من الشفافية وهو يأخذك إلى عوالم نحن بحاجتها لأنها تقدم المرأة بصورة مختلفة، ديوانها "ممرات" يعتبر "ممرات" إلى رؤى إبداعية شفافة حالمة، وفيه الكثير من رهافة الحس، لكوني فناناً أرسم الصورة وأتخيلها استطيع القول إن قصائدها لوحات ملونة بأحاسيسها».
بقي أن نذكر أنه من مؤلفات الشاعرة "دعجاء زينة" ديوان "فيء من ضوء" و"ممرات"، وهي تحضر لديوان جديد بعنوان "معنى آخر للرحيل" ومجموعة قصصية بعنوان "فرح لنساء أربع".