حفرة الموت، هوة الموت، هاوية الرعب، ما هي إلا تسميات أطلقها أجدادنا على مجموعة من الحفر أو الفتحات الأرضية المنتشرة في بعض القرى الساحلية، التي كثيراً ما يحكى عن أشخاص دخلوها ولم يخرجوا منها، ما يربطها بحالة من الخوف تارة والتشويق والإثارة تارة أخرى عند الناس.
حتى إن بعض القرى وضع أهلها حجراً ضخماً عند فتحة الهوة لإغلاقها، كأهالي قرية "خرائب سالم" في ريف "جبلة"، حيث يقول العم "معلا إبراهيم" من أهالي القرية الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 حزيران 2014: «لدينا "هاوية" (هوة) في آخر القرية قرب رامة الماء (بركة الماء)، وقد قام آباؤنا بإغلاق فتحتها حتى لا يقع أحد فيها، ويقال إنها كانت عميقة جداً لدرجة أنهم كانوا يرمون فيها الأحجار ولا يسمعون دوي وصولها إلى القاع، حتى بات هناك اعتقاد بين الناس بأنها تصل إلى البحر».
يبدو لي أن الهوات السورية أغنى جمالياً من نظيراتها في الدول الأخرى
إذا سألت أي شخص في قرى الريف الساحلي فإنه سيقول لك: إنها تصل إلى البحر، فهو اعتقاد شائع لدى أغلب الناس في القرى التي أغلقت هواتها. أما تلك التي لاتزال فوهتها مفتوحة أو مغلقة بحجر صغير فإن أهلها لا يولون أهمية لها حتى إن بعضها أصبح مكباً للنفايات، ويقول العم "سليم أحمد": «لم يسبق أن دخلت إليها ولا أذكر أن أحداً دخلها، لكنني أذكر وجود عدد منها في قرى "الدالية، معرين، حرف المسيترة... إلخ"، لكن معظمها ضاعت فتحتها أو ردمت ولم يعد مكانها معلوماً».
حلم الكثيرين بأن يدخلوا إلى هذه الهواة في السابق لكن لم يسجل أن دخلها أحد وقام بتوثيقها من قبل، باستثناء الباحث "إياد السليم" حسب قوله شخصياً.
"السليم" دخل إلى عدد من "الهوات" ورصد ما بداخلها، وقد شرح لمدونة وطن عنها قائلاً: «هي مغارة بئرية عمودية ولها قعر، قد يكون هذا القعر على عمق 10م وقد يكون على عمق 150 متراً، ويكون بعضها مائلاً منحدراً وحتى بتفرعات».
تسميتها بـ"الهوة" آتية من يهوي أو يسقط، وهي متعددة الأشكال حسب قول "السليم": «تصنف عدة أشكال أساسية منها، كالإسطوانية العمودية، ومنها المتشعب، أما النوع الأكثر شيوعاً لدينا في "سورية"، فهو الكروي أو البيضوي، فتجده كصالة كبيرة، أفضل تشبيه لها هو البيضة، وقد يكون فيها ثقب في قشرتها صغير أو كبير، ومسقوفة بالكامل، لتبدو كقمع ضخم في الأرض».
تجد في داخل الهوات تشكيلات رائعة من الصواعد والنوازل وغيرها، إضافة إلى ذلك فإننا: «نجد أحياناً جبالاً من القمامة، وحتى هياكل عظمية، فللأسف مازال الناس ينظرون إلى الهوات بشكل خاطئ، فهم لا يتعاملون معها ككنز جمالي سياحي بل كمنفى أو مكان للتخلص من كل ما يراد رميه».
يبدو أنه وفي إحدى العصور القديمة سكنت الهوات، حيث يقول "السليم": «لفت انتباهي عمار بشري في إحداها، وكأن الفينيقيين قد دخلوها وجعلوا منها استراحة أو موقعاً لطقوس دينية معينة، إلا أنه لا تعيش فيها كائنات حية بالعموم، باستثناء تلك التي وقعت فيها وتأقلمت معها كالسمندل على سبيل المثال».
ورداً على سؤال: هل هذه الهوات مهددة؟ أجاب "السليم": «للأسف بالتأكيد هي مهددة، فكل الهوات التي استكشفتها وخاصة القريبة على مواقع تعمل فيها آليات ثقيلة وجدت فيها تلالاً من الصخور والأتربة، مما ألحق ضرراً كبيراً بها، حتى إن بعض الهوات قد ضاعت، وطمرت واختفت، وبعضها قد أصبح في داخلها جبال من القمامة، وبعضها حول الصرف الصحي إليها، وكذلك معاصر الزيتون، ومنافذ الهوات متصلة بشبكة المياه الجوفية، وبالتالي من الخطأ أن نسمح بتلويثها، وبالتالي علينا أن نصيغ قوانين لحماية المغارات والتشكيلات الطبيعية في "سورية"، وهذا ما نعمل عليه الآن».
تنتشر الهوات في جبال الساحل السوري، حيث نجدها في أعلى القمم، حيث لا نجد أياً من المغارات الأفقية الطبيعية.
وهذه الهوات موجودة في مختلف أرجاء العالم، لكن ليس بالأعداد والكثافة الموجودة في "سورية"، بحسب "السليم" الذي يضيف: «يبدو لي أن الهوات السورية أغنى جمالياً من نظيراتها في الدول الأخرى».
استثمار هذه الهوات في السياحة أمر ممكن كما يقول "السليم"، حيث إن إمكانية النزول إلى بعضها سهلة نسبياً، وبعضها الآخر يمكن تثبيت سلم حلزون فيها أو جانبي لكي يستخدموه، والحقيقة فإن قضاء وقت في جوفها أمر رائع وخاصة عندما يشتد حر الصيف، حيث يمكن أن تكون الهوة مقصداً سياحياً مهماً، والكلام للباحث "السليم".
جدير بالذكر، أنها تسمى "هاوية، أو هوة" بحسب أهل المنطقة الموجودة فيها.