تتربع على عرش الجمال، قرية شعبية جبلية بسيطة بهيكليتها.. كبيرة بأهلها.. ربيعية بطبيعتها الخضراء وزيتونها العتيق، اسمها "جيبول" ولقبها مورد الماء وعروس الطبيعة.
موقع "eSyria" حط رحاله في "جيبول" والتقى أستاذ التاريخ "عزت محمد" ليحدثنا عما تناقله الأجداد وتداوله الأهالي عن هذه القرية حيث قال:
تعتبر القرية مركزاً علمياً وثقافياً وفيها واحدة من أقدم المدارس الثانوية في المنطقة وخرجت العديد من المثقفين والمفكرين، وهي من القرى المتقدمة علمياً على مستوى القطر وأهلها يفخرون بأن كل منزل فيها يحوي خريجاً جامعياً على الأقل، وهم يعتبرون العلم مقدساً مهما كانت الظروف صعبة ومهما قست الحياة على السكان، كما يفخر أهالي القرية بأن لديهم جمعية بيئية تسمى "طبيعة بلا حدود" وهي الجمعية الوحيدة في المنطقة التي تعنى بالطبيعة وتدافع عنها بلا حدود وتفضلها على كل المغريات المضرة بالبيئة
«الرواية التي ورثتها عن الأجداد تقول بأن جذورنا تمتد لقرية جبلية تدعى "قرن حلية" ونتيجة لظروف الماضي قرر أجدادنا الانتقال منها والاستقرار في هذه المنطقة وهذه الحادثة ترجع إلى مئات السنين، والأسباب التي دفعت الأجداد لاختيار هذه المنطقة هي وفرة المياه بكثرة فيها ووفرة الأراضي الخصبة والصالحة للزراعة، فاستقروا بالقرب من الينابيع وبنوا البيوت الترابية القريبة من بعضها البعض كنوع من اللحمة الاجتماعية والتعاون، والمياه الوفيرة شجعت الأهالي على الزراعة فانتشرت أشجار الزيتون والرمان وراجت زراعة التبغ والخضراوات المنزلية، هذه الرواية يؤكدها شجر الزيتون المعمر الموجود في القرية حيث هناك أشجار يتراوح عمرها بين (300 إلى 500) سنة.
ومع مرور الزمن قسمت القرية إلى قسمين قديم وجديد، القسم القديم ارتبط بالمياه ومجاريها وتلاصق مع بعضه واختار من الجهة السفلية للطريق العام مركزاً له، فيما شكل القسم الثاني القرية الجديدة ذات البناء الحديث والواسع والمنفصل والمنتشر في الجهة العلوية للطريق وبعض المناطق المتفرقة من القرية، كما ازداد عدد السكان بشكل لافت ومتوازٍ مع اتساع المساحة المأهولة أو التي تم البناء عليها حديثاً فوصل عدد السكان إلى ما يقارب الثلاثة آلاف نسمة».
لم يكن السكان الحاليون أول من عاشوا في هذه المنطقة فقد سبقهم الرومان في الماضي وسكنوا هنا ومازالت آثارهم فيها حتى اليوم، ويقول الأستاذ "محمد": «الآثار الموجودة في القرية تؤكد أن الرومان عاشوا في هذه القرية، ومن الدلائل على حياتهم هنا وجود ما يسمى "الباطوس" وهي آلة تستخدم في هرس الزيتون، كما توجد مقابر رومانية وبعض القطع النقدية القديمة والنواقير وكهف صخري مازال موجوداً حتى الآن وهو محفور بطريقة رومانية، كما أن طواحين الماء التي كانت موجودة في القرية يقال أنها رومانية الأصل، وفوق كل هذا اسم القرية الروماني فكلمة "جيبول" بالرومانية تعني وادي الإله وهي تُفسر بعد تجزيئها بالطريقة التالية ("جي" تعني "الوادي" و"بـُول" تعني "الإله" بعد الجمع تصبح "جيبول" "وادي الإله").
"جيبول" مثلها مثل معظم القرى تعيش حياة طبيعية هادئة لكن ينقصها بعض الكماليات كما وصفها لنا مختار القرية السيد "محمود فرفور" قائلاً: «تمتلك "جيبول" شبكة طرق جميلة تصلها بكافة بالقرى المجاورة وبالأراضي البعيدة التابعة لها، لكن بعض هذه الطرق غير صالح للسير نظراً لغياب المادة الإسفلتية عنها، ومن الناحية التعليمية ففيها مدرسة ابتدائية وإعدادية أما الثانوية فقد أغلقت مؤخراً بعد سنوات طويلة من العطاء، وفي فصل الصيف تزداد القرية نشاطاً ويزورها السياح من مختلف المناطق وتفتح المطاعم السياحية فيها وتزداد حركة الناس في القرية بعكس فصل الشتاء الذي تكون فيه الحياة روتينية ويقتصر فيه نشاط القرية على بعض المحلات الصغيرة التي توفر حاجيات المواطنين».
كانت "جيبول" عصية على الأعداء والمحتلين ويقول السيد "محفوض حسن" من أهالي القرية في معرض حديثه عنها: «لم يجرؤ الفرنسيون على الدخول للقرية والإقامة بها نظراً لطبيعتها الجغرافية الوعرة وانحدار وديانها وانكشافها على أي هجوم، فكان الفرنسيون يخشون الحصار من قبل الثوار لذا فهم لم يقيموا داخل القرية يوماً، لكنهم كانون بين الحين والآخر يشنون حملات عسكرية عليها تترافق مع نشاطات الثوار، وفي أحد المرات قام الفرنسيون بحرق القرية كرد فعل على الهجمات التي كان يشنها المجاهد الشيخ "صالح العلي" على المناطق العسكرية الفرنسية، وهذه القرية كانت شريكاً مع فصيل من الثوار بقيادة "عبود مرشد" وهو من أهالي قرية "خرائب سالم" وقدمت العديد من المقاتلين وعلى رأسهم الشهيد "عزيز حريبا" الذي قاتل مع الثوار واستشهد معهم، ومن الأسماء التي لمعت في المعارك وبقيت على قيد الحياة البطلان "حبيب عباس وشحادة خازم"، واستمرت القرية في تقديمها للشهداء حتى فترة حرب تشرين عندما قدمت ابنها الشاب الرائد "محمد محمد" شهيداً للوطن».
وتشتهر قرية "جيبول" بزراعة الزيتون والرمان والخضراوات بكل أنواعها ولا تخلو من الأشجار المثمرة بكل أنواعها، لكن زراعتها منزلية وليست إنتاجية عدا زراعة الزيتون فهي تفيض ويتم التجارة بثمارها إلى خارج المنطقة وكذلك زراعة التبغ.
وتحوي القرية مجموعة ينابيع: "نبع جيبول، نبع بيت الخطيب، نبع الشمالي، نبع القنطرة"، وكلها قريبة من بعضها البعض، هذه الينابيع كانت وما زالت ملتقىً لأهالي القرية فهم يجلسون بقربها ويتسامرون ويلعبون المنقلة ويتبادلون الأحاديث فرحاً وحزناً.
ومن الشخصيات التي يفخر أهالي القرية بانتمائه لها فضيلة العلامة الشيخ "محمود سليمان الخطيب" الذي اشتهر بشعره العميق وحكمته بين الناس فكان مرجعاً دينياً وفكرياً لكل أهالي المنطقة وليس فقط لأهالي القرية.
كما التقينا من أهالي القرية الحقوقي "حسان محمد" حيث قال: «تعتبر القرية مركزاً علمياً وثقافياً وفيها واحدة من أقدم المدارس الثانوية في المنطقة وخرجت العديد من المثقفين والمفكرين، وهي من القرى المتقدمة علمياً على مستوى القطر وأهلها يفخرون بأن كل منزل فيها يحوي خريجاً جامعياً على الأقل، وهم يعتبرون العلم مقدساً مهما كانت الظروف صعبة ومهما قست الحياة على السكان، كما يفخر أهالي القرية بأن لديهم جمعية بيئية تسمى "طبيعة بلا حدود" وهي الجمعية الوحيدة في المنطقة التي تعنى بالطبيعة وتدافع عنها بلا حدود وتفضلها على كل المغريات المضرة بالبيئة».
بقي أن نذكر أن قرية "جيبول" تقع على الطريق الممتدة بين "السخابة وخرائب سالم" ويحدها من الغرب قرية "حمام القراحلة" ومن الشرق "دوير بسنديانة" ومن الشمال "بشراغي" ومن الجنوب "بسنة"، وهي تتبع خدمياً لبلدية قرية "حمام القراحلة" المجاورة لها.