تشبه بتمازجها لوحة فنان تشكيلي يهذب الأخضر مع الأزرق ليستهدي إلى صورة جبلية وبحرية متميزة، بنيت على سفح جبل اخضر وكبير، عابق بأريج الصنوبر المياس والسنديان الشامخ والريحان العاطر، وقد أسندت ظهرها على الجبل الأشم تستريح من أعباء ثلاثة آلاف وخمسمئة عام موغلة في كهوف التاريخ، حيث تشرف على حدود البحر الواسع لتختنق بامتداده.
قرية "أم الطيور" قرية ساحلية، زراعية سياحية وبسيطة بكل تكويناتها البشرية والانسانية، تعج صيفاً بألوان المتعة اللا محدودة، فيلتقي في خضمها السياح والزائرون والمصطافون، يقصدون ربوعها وفيافيها طلباً للراحة وإمتاعا للنفس وإراحة للبدن من هموم الحياة وغمومها.
القرية قديمة جدا، تتمتع بتلالها الواسعة التي تحتضن في طياتها أول وأقدم معاصر الزيتون في العالم، يعود تاريخها إلى أيام الفينيقيين الذين كانت لهم مملكة عامرة على مقربة منها، واقصد هنا مملكة أوغاريت التي ظلت مزدهرة حتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ساهم العمران الجديد في محو بعض ملامح القدم فيها إلا أنها ومن خلال بعض البيوت القديمة الموجودة فيها تدل على تاريخها وقدمها
موقع eSyria زار القرية بتاريخ "13/1/2011" والتقى المهندس "ماهر شيخ ابراهيم" رئيس بلدية "العيسوية" والتي تتبع له قرية "ام الطيور" فقال: «تبعد "ام الطيور" 30 كم الى الشمال من مدينة "اللاذقية" ويبلغ طول شاطئها 12 كم من جبل "قوزطرنجة" جنوباً حتى البسيط شمالاً ويحدها على اليابسة الطريق الزراعية طرنجة- العيسيوية- البسيط غرباً، والبحر حتى الحدود الاقليمية.
تتصف المنطقة الشاطئية في الجنوب بساحل رملي تقع فيه "ام الطيور" ثم بشاطئ صخري ذي صخور اندفاعية حتى رأس البسيط، كما تتصف المنطقة بنباتات مميزة لغابة البحر الابيض المتوسط المتدهورة، ويمتاز هذا الشاطئ بالهدوء والطبيعة الخلابة البكر وهو آمن للسباحة للصغار وللكبار، فمياهها صافية وقليلة الارتفاع بالموج.
وأيضاً هناك خاصية غريبة تتصف بها مياه القرية ما يزيد من إقبال الناس إليها ألا وهي عدم انتشار الحشرات بالقرية قبالة الشاطئ مقارنة بباقي الشواطئ، ويعود ذلك لانحصار الشاطئ ما بين جبلين ضخمين يفرضان مساحة ضيقة للمد والجزر في الشاطئ وايضا البلدية تكافح مع بداية كل موسم سياحي الحشرات بالرش المنظم».
يتحدث "عدنان كافي" احد سكان القرية ليقول: «في "أم الطيور" يتميز كل شي، البحر يبدو بأبهى مشاهده، وكذلك الجبل يظهر بكل معاني الجمال والإبداع، تراه بخضرته يعانق فيها البحر في منظر بديع، والحضارة المدنية لم تصل اليه بعد ولا أدري هل هو من سوء الحظ أم من حسنه، بالإضافة إلى أن المطاعم على الشاطئ كثيرة ولكنها ليست فارهة بل هي (مطاعم شعبية)، كما يوجد بها شاليهات صغيره شكلها عادي ولكنها لا ينقصها أي شيء، مؤمنة من كل شيء، وأهلها أصولهم ليست عربية إنهم تركمان ويمتازون بالطيب والكرم».
وعن تسمية القرية بهذا الاسم "أم الطيور"، يتحدث لنا رئيس بلديتها المهندس "شيخ إبراهيم": «ربما لأنها اشتهرت بنزول الطيور المهاجرة الى أوروبا على شواطئها، لذلك أطلق عليها "أم الطيور"، اذكر كيف استطاعت أن تستغلها مؤسسة انتاج سورية في أنتاج مسلسل نهاية رجل شجاع لجمال المنطقة وعفويتها وبساطة المنطقة والتي يقطنها مجموعة كبيرة من التركمان الذين يملكون مطاعم على سواحلها بعد رحلة صيد بحرية يعرضون صيدهم للزبائن، ويقال ايضا بأنها كانت تنادى بـ"طرنجة"، ومعنى هذا المسمى يلوح الى احد انواع الطيور المعروفة في سورية، والطرنجان هو طير شعبي اخضر اللون، صغير الحجم، يتواجد بكثرة في "ام الطيور"، وبعد سنين تحور الاسم وعادت الحياة لام الطيور بمسماها ذاته».
وعن القرية وما هي عليه اليوم، تحدث المهندس "شيخ ابراهيم": «في الوقت الحاضر قرية "أم الطيور" تنقسم إلى قريتين منفصلتين تماماً، تبعد إحداهما عن الأخرى مسافة 2كم أو أكثر، وتتميز الأولى بمسمى القرية القديمة التي بنيت على سفح الجبل والمنازل فيها قديمة يبدو عليها آثار الإهمال وخصوصاً في الصيف.
أما في الشتاء فيحنّ المسنون إليها ويعودون أدراجهم إليها لينعموا بدفء المقاهي والشاي الساخن وحكايا العجائز، وفي هذا القسم نجد الجامع القديم والمقاهي وبعض الدكاكين الصغيرة، أما المدارس (الحلقة الأولى والثانية) فهي تتوسط القريتين معاً وتأخذ لنفسها إلى جانب مخفر الشرطة مكاناً وسط أشجار الصنوبر الباسقة التي ترنو بنظرها نحو الأعلى وكأنها تريد أن تناطح السحائب القادمة من البحر.
أما الجزء الثاني من القرية فهو يمثل القسم الحديث الذي بني منذ زمن ليس ببعيد لا يتجاوز عشرين عاماً، أسس على عجل على شاطىء البحر، ويتسع يوماً بعد يوم، وهذا القسم يتسم بطابع السياحي والتجاري، والبيوت (الشاليهات) تتألف فيه من طابقين أو ثلاثة، كما تمتد على شاطئ رملي جميل مسافة 3كم من مخفر الموانئ إلى رأس غاريس، يوجد فيها الجامع الجديد الذي يتألف من ثلاثة طوابق ويحوي مصلى للنساء ومكاناً للتعزية.
بلغ عدد سكان البلدة ككل بشقيها حوالي ألفي نسمة، يعملون في الصيد والزراعة والسياحة، ومن أهم العائلات التي تسكن فيها: بيت موسى، بيت أمّت، بيت يريق، بيت إسماعيل، بيت ملا حسن، بيت النعمان».
تاريخياً، بحثنا عن القرية الموغلة في القدم، فتوجهنا إلى مدير دائرة آثار "اللاذقية" الأستاذ "جمال حيدر" ليقول: «القرية قديمة جدا، تتمتع بتلالها الواسعة التي تحتضن في طياتها أول وأقدم معاصر الزيتون في العالم، يعود تاريخها إلى أيام الفينيقيين الذين كانت لهم مملكة عامرة على مقربة منها، واقصد هنا مملكة أوغاريت التي ظلت مزدهرة حتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ساهم العمران الجديد في محو بعض ملامح القدم فيها إلا أنها ومن خلال بعض البيوت القديمة الموجودة فيها تدل على تاريخها وقدمها».
"محمد ملا حسن" احد سكانها قال لموقعنا: «يأتينا الزوار من كل فج عميق، من داخل القطر وخارجه، من المحافظات والبلدات والبلدان، فتمتزج فيها الألوان والأشكال والروائح لتشكل لوحة فسيفسائية زاهية صيفاً، في حين شتاءً ترى الناس منتشرين في الحقول والبساتين والمزارع يبتغون فضلاً من الله ونعمة، يدندنون أغاني تركمانية جميلة وراء قطعانهم ومواشيهم، وترى شبابها في عرض البحر كل يوم يصارعون الأمواج العاتية يصيدون ما تيسر من أنواع السمك اللذيذ، ليبيعوه عند عودتهم للمطاعم المنتشرة بكثرة على حرف الشاطئ، أراضيها خصبة يزرع فيها الليمون والزيتون والرمان واللوز».