تتآخى القلوب وتتسامى النفوس في مكان يملك القدسية والأصالة المتجددة.

كنيسة القديس مار نيقولاس من أقدم كنائس المدينة وأكثرها غنى تاريخي وديني، تحكي أقواسها المتعانقة حكاية الإنسان في هذا الوطن حيث يبوح ماضيها بسر الحياة.

تقع الكنيسة وسط مدينة اللاذقية قريبة من حي القلعة، وهي بناء قديم من الحجر الرملي والواضح أنه بني على عدة مراحل ويصفها الباحث جمال حيدر في كتابة "اللاذقية وأهم المعالم الأثرية والسياحية" بأنها "عبارة عن بهوين مسقوفين بمجموعة من القبوات المتقاطعة المشيدة من الحجر الرملي، يوجد فيها ايقونستاس من الخشب المشغول جيداً ويقال أنه جلب خصيصاً من روسيا.

الايقونستاس الخشبي

جرى ترميم الكنيسة في عام (1722)م، بعد سقوط الجدارين الشمالي والغربي من الكنيسة، ومن ثم دمجت مع كنيسة مار موسى، الملاصقة لها بعد أن تهدمت نتيجة زلزال".

eLatakia زارت الكنيسة التي كانت تخضع لترميم جزئي في جدارها الغربي، والتقت الأب نقولا الذي حدثنا عن الكنيسة وأهم معالمها.

احد الايقونات الاثرية

يقول الأب نقولا: "بنيت الكنيسة في القرن الخامس الميلادي من قبل السوريين أبناء المنطقة وكانت الكنيسة في السابق أكبر مما هي عليه في الوقت الحالي من حيث مساحة الأرض، فقد كانت الكنيسة الكبرى في المدينة ولذلك كانت تعتبر بحسب التسمية الكنسية كاتدرائية مدينة اللاذقية وهي كنيسة المطرانية الأولى كونها مجاورة لدار المطران، ثم بدأت مساحتها تتقلص نتيجة التوسع العمراني في المدينة ولا توجد وثائق تاريخية عن تطور الكنيسة، لكن توجد هناك دلائل كبيرة تدل على أنها كانت حقاً مؤلفة من كنيستين دمجتا سوية، ولكن بهيكلين وهي مبنية على أنقاض عدة كنائس هدمت ثم بنيت حتى أخذت وضعها الحالي".

كما تحدث الأب نقولا عن ترميم الجدار الغربي من الكنيسة حيث قال: "بما أن الكنيسة أثرية فقد فضلنا مع مديرية الآثار بأن نعيد لها هويتها القديمة فأزلنا الجدار البيتوني ونحن الآن نعيد بناء جدار حجري يتوافق مع هوية الكنيسة، وهذا الترميم يأتي بعد آخر ترميم حدث للكنيسة في العام 1975م.

لهذه الكنيسة قيم أثرية هامة، كما أنها تحتوي على أيقونات أثرية قديمة جداً، يوجد فيها حوالي (42) أيقونة أثرية، ذات أهمية فنية ودينية، القيمة الفنية تكمن بأن الأيقونات مرسومة وفق أربع مدارس هي المدرسة الحلبية، والمدرسة الأورشليمية، والمدرسة الأنطاكية، والمدرسة اليونانية، وكل مدرسة من هذه المدارس تملك نمط معين يميزها، لكن أشهرها هي أيقونات المدرسة الحلبية.

وأضاف الأب نقولا: "نحن في الكنيسة توقفنا عن اقتناء الأيقونات الحديثة، فالأيقونات القديمة كثيرة العدد والكنيسة تحمل طابع تاريخي نفضل أن نحافظ عليه وهذه الأيقونات بحاجة للترميم، وكانت ترمم أو تنظف بين الحين والآخر، لكن منذ فترة طويلة لم نقم بترميم أي منها، ولذلك هي بحاجة فعلاً للترميم أوالتنظيف وهذا يتطلب حملة لهذا الغرض حيث نستعين بموافقة مديرية الآثار على ذلك وهي غير مقصرة بهذا الخصوص".

أشار الأب نقولا أن الكنيسة تحوي على سبع مقابر للمطارنة الذين كانوا يقومون عليها، كما تحدث عن القديس مار نقولاس الذي سميت الكنيسة باسمه قائلاً: "كان القديس مار نقولاس إنساناً تقياً منذ طفولته، عاش في مدينة ميرا، في آسيا الوسطى المعروفة بتركيا حالياً، وكان مدافع عن الكنيسة، وقد اشتهر بمساعدته للمحتاجين دون آن يعلموا بذلك وإن رآه أحد فكان يطلب منه أن لا يخبر أحداً باسمه، وهكذا انتقلت قصته إلى أوروبا حيث استوحيت حكاية "بابا نويل" الذي يوزع الهدايا في عيد الميلاد".