في نكسة حزيران عام 1967، نزح "حاتم علي" ابن السنوات الخمس محمولاً على أكتاف ذويه، ولم تغب عن ذاكرته رحلة القهر والعذاب والبعد عن الديار قسراً، طموحه كان أكبر بكثير من طموحاتِ شاب نشأ في بيئة فقيرة متواضعة، وأخذ يشقُّ طريقه بشغفٍ كأنما يسابق الزمن، إلى أن أنتج أعمالاً خالدةً تصلح كأيقونات فنية لم يتخلَ فيها عن الأصالة والهوية الثقافية الوطنية المتجذرة في وجداننا وفكرنا.
يقول "عبد الكريم العمر" ابن "الجولان" مدير ثقافة "القنيطرة" سابقاً إن منزل أهل الراحل الكبير بناه والده بجوار منزل شقيقته، أي شقيقة "العمر" الكبرى في الحي الجديد بمدينة "فيق" شرق مطحنة "دار شهاب الحمد" أول طريق "الياقوصة" و"الرجم"، وأن نبوغه بدأ مبكراً، إذ لا يعلم الكثيرون أن "حاتم علي" أدهش متابعيهِ وهو في الصف الحادي عشر الأدبي في ثانوية "بوابة الميدان" عندما اختير عرضه المسرحي الأول بعنوان "المهرج" للأديب الكبير "محمد الماغوط" والذي تم عرضه في ثانوية "التوحيدي" في منطقة "الميدان" لوجود الباحة والمصطبة، وكان "حاتم" يومها يؤدي أدواراً بين المصطبة والجمهور بصوته وحركاته الواثقة.
عندما كلفت بإدارةِ الجانب الثقافي في محافظةِ "القنيطرة" من مقر مؤقت بمساكن برزة في العاصمة "دمشق"، كان الراحل "حاتم علي" قد حصل على الشهادة الثانوية والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فنظمنا له بموافقة الجهات المعنية آنذاك عقد عمل على أساس الثانوية، وتم تجهيز مسرح في قبو ثانوية الشهيد "رشيد محي الدين" لتنفيذ العديد من العروض المسرحية، ولدى وسائل الإعلام عشرات الصور لهذه الأنشطة في بداية الثمانينيات، وساعد في ذلك إشراف اتحاد عمال المحافظة على فرقة يقودها الفنان "زيناتي قدسية" وأشرف على جهوزية المسرح الأستاذ "خالد الكريدي" في حين تابع الفنان الراحل مهمة تنفيذ عروضٍ لفرقةٍ شكلها للمسرحِ الجوال نفذت عروضها في القرى الأمامية من قرية "حضر" شمالاً حتى قرية "صيدا الجولان" جنوباً، وعندما أصدرنا النشرة الثقافية "الجولان الثقافي" عام 1986 للتعريف بالأدب والفن في محافظة "القنيطرة" كانت حصة "حاتم علي" رحمهُ الله قصة "ذوو الياقات البيض ـ الزنزانة هي الزنزانة". لقد كان الراحل "حاتم علي" بحق خلال سنتين من عملهِ في ثقافة "القنيطرة" وجمعية أصدقاء المركز الثقافي بـ"مساكن برزة" ركناً أساسياً من أركانِ صعود الحركة الثقافية في "الجولان"، والجدير بالذكر أنه انتقل إلى المعهد العالي مدرساً ومعيداً فور تخرجه ليبدأ بثبات مشوار النجومية الوطنية والعربية والإنسانية
يتابع "العمر": «عندما كلفت بإدارةِ الجانب الثقافي في محافظةِ "القنيطرة" من مقر مؤقت بمساكن برزة في العاصمة "دمشق"، كان الراحل "حاتم علي" قد حصل على الشهادة الثانوية والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فنظمنا له بموافقة الجهات المعنية آنذاك عقد عمل على أساس الثانوية، وتم تجهيز مسرح في قبو ثانوية الشهيد "رشيد محي الدين" لتنفيذ العديد من العروض المسرحية، ولدى وسائل الإعلام عشرات الصور لهذه الأنشطة في بداية الثمانينيات، وساعد في ذلك إشراف اتحاد عمال المحافظة على فرقة يقودها الفنان "زيناتي قدسية" وأشرف على جهوزية المسرح الأستاذ "خالد الكريدي" في حين تابع الفنان الراحل مهمة تنفيذ عروضٍ لفرقةٍ شكلها للمسرحِ الجوال نفذت عروضها في القرى الأمامية من قرية "حضر" شمالاً حتى قرية "صيدا الجولان" جنوباً، وعندما أصدرنا النشرة الثقافية "الجولان الثقافي" عام 1986 للتعريف بالأدب والفن في محافظة "القنيطرة" كانت حصة "حاتم علي" رحمهُ الله قصة "ذوو الياقات البيض ـ الزنزانة هي الزنزانة".
لقد كان الراحل "حاتم علي" بحق خلال سنتين من عملهِ في ثقافة "القنيطرة" وجمعية أصدقاء المركز الثقافي بـ"مساكن برزة" ركناً أساسياً من أركانِ صعود الحركة الثقافية في "الجولان"، والجدير بالذكر أنه انتقل إلى المعهد العالي مدرساً ومعيداً فور تخرجه ليبدأ بثبات مشوار النجومية الوطنية والعربية والإنسانية».
بدوره الباحث "محمود مفلح البكر" يقول: «بعد حزيران 1967، استقرت عائلة "حاتم علي" في منطقة "الحجر الأسود" في "دمشق"، مع كثير من النازحينِ، ومن هناك بدأ "حاتم" مراحلهِ الدراسية بجدٍ، ذاتَ يومٍ زرتُ والدهُ، وكانَ "حاتمٌ" في الصفِ العاشرِ، ووجدتهُ مهتماً بالمطالعةِ، ولديهِ محاولات مميزة في الكتابة، وتحدثنا ساعةً فأيقنتُ أنني أمامَ مشروع كاتبٍ، ولم تمر سنوات حتى قرأتُ لهُ خاطرة في مجلةِ "الثقافة" لصاحبها المرحوم "مدحت عكاش"، التي كانت منبراً للشباب، ثم راح ينشرُ بعضَ قصصهِ في الدورياتِ، لكنَّ التمثيل كان يأخذُ أغلبَ وقتهِ.
تمكنَ "حاتمٌ" بصبرهِ وثقافتهِ وجلدهِ أن يشقّ شرنقةَ "الحجرِ الأسود"، ويعلو على الانتماءاتِ الضيقة، والحزبيات المتشنجة، وهو في بدايةِ حياتهِ الفنية بعد أن أصبحَ واحداً من نُخبة الممثلين الشباب، وقد جمعتهُ بالصديقِ الممثل الفذ "زيناتي قدسية" علاقة طيبة، و"زيناتي" ليس مجرد ممثل، فهو مثقف دؤوب متوقد الروح الوطنية وذو تفكير ناقد.
وكان يكفي "حاتم" أن يعود مساء إلى "الحجر الأسود" ليشعر بجرحِ حُزيرانَ ما زال يحفرُ الأخاديدَ في أرواحِ البشر ووجوههم، وأي مصادفة أن يصبحَ تجمع "نازحي الجولان" بجانبِ "مخيم اليرموك" الذي أصبحَ مع طول الممارسة محطة ثقافية ساخنة، يعج بالفدائيين والمناضلين والمثقفين، وفي هذا المشغل نضج "حاتم" مبكراً، فازداد إقداماً وتمسكاً بالقضايا الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتقول حكمة: "التلميذ يساوي الأستاذ زائد الزمن"، فكيف إذا كان التلميذُ شعلة ذكاء وإرادة ومخزون ثقافة مثل "حاتم"؟ ويحملُ بين جوانحهِ آلام أمة وأحلامها وطموحاتها؟
ولفت انتباهي ذات مرة عشقه للفنان الشيخ "إمام" وأسمعني أغنية "سلاطين الفول والزيت" ولهذا الاهتمام المبكر بالقضايا الكبرى دلالته، ومن هذا المناخ المشدود مثل وتر قوس، ضرب "حاتم" عصاه يشق الغبار في رحلةِ الفنِ الهادف المسؤول، تمثيلاً وإخراجاً ، فأتحفنا بأعمالٍ خالدةٍ».
الفنان "يوسف المقبل" يقول إن الحديث عن الصديق "حاتم علي" يدعوني للعودةِ إلى البدايات، بداياتنا معاً عندما شكلنا فرقة "القنيطرة" المسرحية في بداية الثمانينيات وعملنا سويةً في المسرحِ وكان ما يزال طالباً في الثانوية ولفت الأنظار إليه من فنانين ونقاد مسرحيين، وعندما تخرّج من المعهدِ العالي للفنونِ المسرحية أخرجَ للفرقةِ أول عرض لهُ، كان شاباً مختلفاً منذُ البداية، شغوفاً بالقراءةِ والمعرفة، فشكلَ ذلكَ شخصيته في المستقبلِ، الفرق بين "حاتم" وكل مخرجي الوطن العربي أنهُ كانَ يهتمُ كثيراً بما سيقدم على صعيد الفكرةِ أولاً.
ورغم نجاح أعمالهِ، كانَ دائماً غير راض عمَّا يقدمهُ، وكانَ يقولُ: كانَ من الممكنِ أن يكونَ أفضلَ، لم يكنْ ينتظرُ فرصةَ عملٍ كغيرهِ من المخرجين، بل كانَ يرفضُ الكثيرَ من الأعمالِ التي لا تُلبي ما يفكرُ بهِ وكانَ يقول: ليست الأعمال التي ينفذها هي من تصنعُ مجده فقط، بلْ أيضًا الأعمال التي يقول لها لا.
أعتقدُ بأنَ أعمال المرحوم "حاتم علي" سواءً التاريخية منها أم المعاصرة ستبقى أيقونة للفنِ العربي لعشراتِ السنين القادمة خسارتنا كبيرة بفقدِ مبدعٍ كبيرٍ كـ"حاتم علي" لروحه الرحمة والمغفرة والسلام.
من الجدير بالذكر أنَّ الفنان الراحل "حاتم علي" ولد في قرية "عيون" بمنطقة "الزوية" في "الجولانِ" السوري المحتل عام 1962، توفي في "مصر" "القاهرة" بتاريخ 29 كانون الأول 2020 عن عمرٍ يناهز 58 عاماً إثر نوبةٍ قلبية.
تمّ اللقاء بتاريخ 1 كانون الثاني 2021.