الفن الشعبي الشركسي متمثلا بالغناء والرقص أخذ على عاتقه دور سفر التاريخ وصار هو التاريخ بحد ذاته وبات كالتحفة الفنية الثرية، كلما ازداد عمرها وقدمها زادت قيمتها الجمالية والمعنوية بما تحمله من روح الماضي العريق، روح الأجداد..
موقع eQunatyra التقى الأستاذ "أنزور زكريا تسي" مدير فرقة "أزماف" الشركسية بمحافظة "القنيطرة" ليحدثنا عن الرقص الشركسي وتميزه عن رقصات الشعوب الأخرى قائلاً: «سرد الرقص الشركسي الحياة الاجتماعية بكافة جوانبها، ففيه ترى الجانب الديني متمثلا بعبادة وتقديس الآلهة المختلفة التي كان يؤمن بها الشراكسة وفيه نرى الشخصية الحربية للشركسي متمثلة بحركات الفروسية العنيفة وإيماءاته في استخدامه للأسلحة المختلفة.
"نور محمود خوطج" عازف على آلة (أكرديون) و"عمر يسع" آلة (فلوت)، "ينال شورهي" و"محمد غولفج" آلة (بربان)، "أسيل إسحق خواج" آلة (بختشش)
ونجد أيضا الجانب الإنساني للرقص الشركسي، فهو يعجب ويحب ويعبر بكل إحساسه ووجدانه عن ذلك بأسلوب بسيط وصادق، كما نرى تأثير الطبيعة على الإنسان الشركسي فيقتبس الرقص من /البحر/ و/النسر/ و/الحصان/ وغيرها من مظاهر الطبيعة ونرى أيضا صوراً من الحياة اليومية لأسلافنا من زراعة وحصاد وحياكة، حيث امتاز الرقص الشركسي عن كثير من رقصات الشعوب الأخرى حيث تناول جميع مظاهر حياة الإنسان الشركسي وحس جوانبه الشخصية.
وفي رقصة "القافا" مثلا نرى الجانب الأرستقراطي من هذه الشخصية ونلحظ الكبرياء وعزة النفس أما رقصات أخرى كرقصة /الإسلامية/ و/الزغالات/ نرى /العنفوان/ و/القوة الجسدية/ و/التحمل/ فالشركسي كان دائم التنقل على جوداه متمنطقا سلاحه الذي لا يفارقه متحفزاً دائما للهجوم والدفاع، فحتى في لحظات السلم كان يؤكد جاهزيته الحربية وفروسيته ولياقته الجسدية عن طريق مثل هذه الأنواع من الرقصات..».
أما عن تأسيس فرقة "أزماف" الشركسية فقال: «كانت الفرقة عبارة عن مجموعة من الشباب والشابات النشيطين الراغبين بتعلم الرقص، تحت إشرافي وبرعاية من الجمعية الخيرية الشركسية فرع "القنيطرة" وما لبث أن تطور الموضوع وأصبح بجدية أكبر تم دعوة الأستاذ "ربيع خواج" والتحاور معه لإقامة فرقة ممثلة لأهالي الجولان فبدأت تدريباتها بتاريخ 26/7/2007 بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع وذلك بالتنسيق مع الجمعية الخيرية الشركسية فرع "القنيطرة" برئاسة الأستاذ "بسام سليم قات".
وبعد ثلاثة أسابيع تقريبا من التمرين طلب السيد "نافع زكريا" إقامة حفل صغير في مدرسة "بئر عجم" بمحافظة "القنيطرة"، كان أول عرض للفرقة بتاريخ 9/9/2007 حيث طُلِبَ من الفرقة تقديم عرض في جمعية "قدسيا" بدمشق بالتعاون مع نادي "البريقة" الرياضي ولم يكن اللباس جاهزا في ذلك الوقت فتم تقديم العرض بألبسة تم استعارتها من الشباب المحبين والمشجعين لهذا الفلكلور العريق.
بعد هذا العرض اجتمع مجلس إدارة الفرقة وقرروا إطلاق اسم لهذه الفرقة، فرقة "أزماف" ثم انتقلت تدريباتها إلى نادي "البريقة" الرياضي "بالقنيطرة".
بعدها دعيت الفرقة من قبل السيد "نارت جموق" للمشاركة في حفل إصدار الألبوم الغنائي الشركسي الأول في سورية وذلك بتاريخ 14/3/2008 على خشبة مسرح فندق الشام».
وتابع السيد "أنزور" بتعريف عن إداريي فرقة "أزماف" بالقول: «الأستاذ المهندس "نافع زكريا تسي" والأستاذ "بسام سليم قات"، مدير العلاقات الخارجية الأستاذ "تنال سطاس"، مسؤول عن تشكيل اللوحات العامة للرقص، المدرب "ربيع خواج" تدريب على حركات الرقص، المدرب "نسيم خواج تديب"».
أما عن لباس الشركسي للفرقة فقال: «للشركس لباسهم الخاص الذي صمموه بما يتناسب مع ظروف معيشتهم وطبيعة بلادهم، فللرجل لباسه الخاص الذي صمم للفارس والمقاتل والذي يتألف من الرداء الخارجي الذي يصنع من قماش سميك ذي لون واحد سكري أو أسود أو خمري وينتقى اللون الأسود للمحاربين ويصل إلى ما تحت الركبة وهو مفتوح من الأمام ويزرر عند الخصر بأزرار قماشية من اللون نفسه.
أما الأكمام فطويلة حتى الركبة ولكنها كانت ترفع حتى المرفق وهي مفتوحة من الأسفل والداخل ثم القميص بنوعيه السميك والرقيق ثم السروال والقلبق والزنار مع الخنجر والحذاء الجليدي ذي الرقبة الطويلة أو القصيرة دون كعب ويضاف إلى ذلك غطاء الرأس الذي كان يرتديه كبار السن على الغالب.
أما لباس النساء: فتم انتقاؤه بشكل مكمل للباس الرجال ومبرزاً لجمال الإناث وخصوصاً الفتيات اللاتي يصبحن فيه رشيقات أنيقات ويتألف اللباس من الرداء الخارجي المفتوح من الأمام والمزرر عند الخاصرة ومن الأمام بثلاثة أزرار ذهبية أو فضية والأكمام ضيقة حتى المرفق ثم تبدأ بالتوسع والطول حتى ما تحت الركبة مفتوحة من الطرفين من الأسفل ومغطاة بنقوش ذهبية أو فضية غاية في الفن والجمال والذوق.
والرداء طويل ويكاد يلامس الأرض وتحته القميص الشتوي أو الصيفي الموشى بالنقوش الذهبية أو الفضية لأنها ستظهر من خلال فتحة الرداء الخارجي ثم الثوب الذي يلبس تحت القميص ويمكن أن يستعاض عنه بتنورة طويلة مزركشة ثم القبعة وغطاء الرأس، ثم الزنار الذي يصنع من المعدن المغطى بنقوش ذهبية أو فضية جميلة وأخيراً الحذاء صناعة يدوية لفرقة "أزماف")».
الشاب "جاتا تسي" عازف آلة (أكرديون) بفرقة "أزماف" حدثنا عن (الموسيقا الشركسية) وعن الآلات التي يتم استخدامها للعزف قائلاً: «تميزت الآلات الشركسية عن الآلات الشرقية والغربية سواء أكانت من ناحية العزف أم صوتها أم شكل الآلة، فقديماً كانت تستخدم عدداً من الآلات منها: آلة (القامل) وهو عبارة عن آلة صوتية هوائية تواتر أصواتها /442/MHz يشبه آلة الفلوت تقريباً.
آلة (شتشه بشنة) عبارة عن آلة وترية أوتارها مصنوعة من شعر الخيل، آلة تشبه الكمان.
أما آلة (بشنة) فهي آلة وترية تشبة الغيتار. آلة (الربان) هي آلة إيقاعية مصنوعة من جلد الغزال وهي تعبر عن إيقاع الجبال، والآلات الجديدة التي تمت أضافتها هي: آلة (الكلارينيت) وهي آلة صوتية وآلة (الأكورديون) تسمى (البشنة) وقديماً كانت الفتيات تعزف عليها».
وتابع "جاتا" عن العازفين بالفرقة: «"نور محمود خوطج" عازف على آلة (أكرديون) و"عمر يسع" آلة (فلوت)، "ينال شورهي" و"محمد غولفج" آلة (بربان)، "أسيل إسحق خواج" آلة (بختشش)».
أما عن أشكال ونماذج مختلفة للرقصات الشركسية فتحدث مدرب ومصمم تشكيل اللوحات العامة للفرقة السيد "ربيع خواج" فقال: «إن الرقصات الشركسية التي تشاهد وتمارس في الأعراس والمناسبات إلى يومنا هذا سواء في القفقاس أو في المهجر هي: /قافا/ و/زفاكؤ/ و/إسلامية/ و/زغالات/ و/تلباتشأس/ و/ودج/ وهذه ليست كل الرقصات التي كانت تمارس من قبل الأجداد فهناك الكثير منها صار منسياً أو نادراً وقسم منها هو عبارة عن أشكال ونماذج مختلفة لرقصات معروفة فمثلا رقصات /قاشوا/ و/يلياش/ و/حاكواتش/ هي أشكال ونماذج مختلفة لرقصة /الزفاكؤ/ وكذلك من الرقصات النادرة: /الغواشه/ و/غاسه/ و/غواشه/ و/مافا/ و/تلبارقا/، إن جميع هذه الرقصات التي ذكرناها بشكل عام لها محتوى وجوهر وجداني واحد، فابتداء من /الزفاكؤ/ أو /القافا/ وفي كل رقصة تلالية نلاحظ تطور وتفاعل متتابع في العلاقة العاطفية المتبادلة بين الشاب والفتاة المؤدين للرقصة، تبعا لتلك العلاقة الوجدانية المتطورة تم تحديد تعاقب وتسلسل منطقي لتلك الرقصات الشركسية الشعبية في الدجاغو (حلبة الرقص) فالرقص يبدأ /بالقافا/ أو /الزفاكؤ/ وتتبعه إسلامية فالزغالات، وينتهي الرقص (بالودج) هذا التسلسل ليس عبثا بل يراد به الإشارة على التدرج المنطقي للعاطفة التي تتولد بين شاب وفتاة في الحياة العادية.
فعند اللقاء الأول بينهما تكون لتلك العاطفة شكلا خجولا واختباري وعندما تزداد معرفتهما ببعض تأخذ تلك العاطفة شكلا آخر وعندما يصلان إلى قمة الوفاق تصل تلك العاطفة على أوجها..».
وتابع "ربيع" حديثه بالقول: «كل رقصة من الرقصات الشركسية تعبر عن مرحلة من مراحل العلاقة العاطفية التي يمر بها الشاب والفتاة لذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن تتعاقب الرقصات الشركسية في /الدجاغو/ على الشكل الذي ذكرناه
اللقاء الأول:
إن /الجاغو/ الشركسي يبدأ برقصة /القافا/ أو /الزفاكؤ/، وهما تسميتان مختلفتان لرقصة واحدة و/القافة/ من أكثر الرقصات الشركسية انتشارا وأقربها إلى قلوب الشراكسة وتؤدى بوتيرة معتدلة وتميل للسرعة قليلا أحيانا، تلك الرقصة مبنية على خطوات بدائية كالمشي الطبيعي، يشاهد الشاب في /القافا/ الفتاة لأول مرة فتسمى "رقصة اللقاء الأول" هو معجب بها ويدعوها وقبل البدء بالرقص يدور الشاب والفتاة حول بعضهما بعضاً بحيث يكون كل منهما على يسار الآخر وهذه إشارة أنه لا يحق لأحد بأن يقاطع الشاب أثناء رقصه مع الفتاة فهي تحت حمايته وعهدته، ويبدأ الحوار الراقص ولا نبالغ إذا سمينا /القافا/ حورا ويأخذ كل منهما مكانه ضمن حلبة (الدجاغو) ذلك المكان الذي يحمل الكثير من المعاني من الناحية الفلسفية /للقافا/ وهو بالنسبة للشاب رمز لموقعه في الحياة والمجتمع، هو تجريد لمنزله ولمكان عمله لموقعه ضمن أهله وأقاربه وأصدقائه إنه مكانته ومنزلته وسط مجتمعه فكل هذه الأمور مجتمعة تدل على شرفه وكرامته على كبريائه وعزته لذلك كان لزاما على الشاب في (الدجاغو) ضمن المكان الذي يقف فيه والذي يحمل كل تلك المعاني السامية أن يبدي كل ما لديه من جمال النفس والروح والجسد فهو برقصه ضمن هذه البقعة المحددة يحدث الفتاة عن نفسه ومكانته ضمن قومه ومجتمعه ويريها الطريقة التي يسلكها وسط مجتمعه.
كذلك الأمر بالنسبة للمكان الذي تحتله الفتاة في حلبة الرقص فهو أيضا يرمز لموقعها ضمن أهلها ومجتمعها وهي برقصها في حدود هذا الموقع تحدث الشاب عن نفسها عن حياتها في بيتها عن الاحترام والتقدير الذي تحظى به من قبل محيطها وهي لذلك تحاول أيضا أن تظهر بأبهى وأجمل صورة، يبدي كل منهما للآخر أجمل ما لديه وبنفس الوقت يعير جل اهتمامه للآخر فالشاب لا يحيد بعينيه عن الفتاة بالمقابل تبدي له الفتاة بذلك خجلاً لأنها بعكس الشاب لا تنظر إلى عينيه بشكل مباشر بل بشكل متواضع وبالحياء الذي يجب أن تتمتع به الفتاة، ويستمر ذلك الاختيار والاستعراض عن بعد من كلا الطرفين لفترة زمنية معينة (ثلاث حركات من القافا في المكان) ينتقل بعدها الطرفان إلى المرحلة الثانية وفيها يدعو الشاب الفتاة لأن تلقي نظرة عن كثب على موقعه الذي يحتله في المجتمع لتتحرى وتتأكد بنفسها من حقيقة ما حدثها به عن نفسه وبعد ذلك يرافق الشاب الفتاة إلى مكانها حيث يقوم هو بإلقاء نظرة عليها ضمن محيطها الذي تحيا به ليرى بنفسه عن كثب المكانة والمنزلة التي تحظى بها في هذا المحيط.. ومن ثم تبدأ المرحلة الأهم وفيها يتبادل كل من الشاب والفتاة المكان الذي يحتله كل منهما ما الذي تريد أن تقوله لنا (القافا) بهذا التبادل من الأمكنة؟ إن كل شاب يريد أن يقترن بفتاة وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة تتبادر إلى ذهنه مسألة هامة وهي: كيف سيكون تصرف وسلوك شريكة المستقبل عندما تصبح في بيتي أمام أهلي وأقاربي، أمام أصدقائي ومجتمعي وبالمقابل كيف ستكون علاقتي بأهلها ومجتمعها (عندما يأخذ الشاب الفتاة مكان الرقص) هل سيكون كل منا جدير بالآخر؟ هل ستكون أهلا لبيتي وتصونه؟.. بعد كل ذلك التبادل يعود كل منهما إلى مكانه ويستمر الحوار كما كان في الفترة الأولى وتنتهي الرقصة التي تتميز بتماسك العاطفة فيها على الرغم من غناها وعمقها وهي ميزة أساسية للشخصية الشركسية بشكل عام.
رقصة النسر :
إن العتبة التالية في التدرج العاطفي بعد /القافا/ هي رقصة الإسلامية تلك الرقصة الوجدانية الجميلة والشائعة بين الشراكسة والتي تؤدى بسرعة معتدلة.. عند الانتقال إلى الإسلامية يكون كل من الشاب والفتاة قد تكونت لديه فكرة عن الآخر ويكون قد توصل إلى معرفة الآخر، وذلك من خلال /القافا/.. في الإسلامية الشاب يلاقي الفتاة بفرح وسعادة ويرافقها في الدائرة ولا يحدثها الشاب هنا عن نفسه وعن ماهيته، الحوار الراقص يأخذ منحى أكثر جرأة فيحدثها عما يكنه لها من مشاعر وأحاسيس، إن البنية الشكلية الإسلامية مبنية على الرقص في دائرة تكون كبيرة في البداية وتأخذ التنسيق تدريجيا إلى أن يلتقي الراقصان في منتصف الدائرة ويبتعدان ثانية لتعاد الكرة.
تقول الأسطورة الشركسية إن شابا اسمه إسلام أحب فتاة وفي إحدى مرات خلوته بنفسه في الجبال كان مستلقيا على الأرض ووجهه للسماء وقد استغرق في التفكير بمحبوبته شاهد زوجا من النسور يدومان في غزل شاعري في دائرة كبيرة كانت تصغر تدريجيا ومنها استقى الشاب تلك الرقصة ليعبر لمحبوبته عن مشاعره وأصبحت تسمى تلك الرقصة باسمه وأحيانا "رقصة النسر" وأحيانا الرقصة الدائرية.
رقصة الحب:
عن الرقصة التالية للإسلامية هي رقصة الزغالات المتداخلة مع رقصة أخرى قريبة منها هي /التلباتشأس/ إن تلك الرقصة منتشرة بين الشراكسة شمال غرب القفقاس على التحديد بل من أسرع رقصات القفقاس كله يشعر الشاب في الزغالات بانتعاش وهيجان روحي فهو يبحث عن كافة السبل والطرق للتعبير عما يجول في نفسه وذلك التنوع بأساليب التعبير نراه جليا في تنوع الحركات والخطوات فتارة نرى الشاب يرقص بسرعة ضمن محيط (الدجاغو) وتارة نراه ينتقل في خطوات جانبية ومن ثم يرقص في المكان وبعدها يقترب من الفتاة ومن ثم يبعد عنها وهو خلال ذلك كله يحاول أن يري محبوبته مهاراته وحذاقته في الرقص أما الفتاة فهي أكثر تماسكا في عاطفتها غير أنها مسرورة وراضية لدأب وإلحاح ذلك العاشق كل حركاتها متناسقة وبانسجام مع تحركات الشاب.
إنها رقصة الحب بكل معنى الكلمة وهي أصعب الرقصات واعقدها من حيث التقنية والسرعة والجهد الذي يبذله الراقص للقيام بتلك الحركات السريعة كاستخدام رؤوس الأصابع والوقوف عليها وطرق الأرض بها كما أنها تعتبر حسب الأسطورة من أقدم الرقصات.
رقصة الوفاق:
بعد أن يتعرف كل من الشاب والفتاة على الآخر من خلال /القافا/ ويعبران عن أحاسيسهما ومشاعرهما من خلال الإسلامية ويبديان حبهما وهيامهما وإعجابهما من خلال الزغالات و/التلباتشأس/ تأتي ذروة تلك الهرم العاطفي لتتوج برقصة /الودج/ التي تعبر عن الوفاق التام والتفاهم الكامل بينهما حتى سميت تلك الرقصة وبحق رقصة الوفاق وفي كل الرقصات الشعبية الشركسية لا يسمح للشاب ولا بأي شكل من الأشكال لمس الفتاة ولو عن طريق الصدفة بل يعتبر من المعيب جدا فعل ذلك أو حتى لمس طرف ثوبها وكذلك يحرم عليه التكلم معها فالحديث هنا حديث الروح من خلال الجسد أما /الودج/ فهي الرقصة الوحيدة التي يسمح بها بمسك يد الفتاة والتحدث معها مباشرة والخروج عن قواعد الأدب والأتيكيت الشركسي المعروف.
إن /الودج/ عبارة عن مجموعة من الرقصات وله أنواع كثيرة وتعد من أقدم الرقصات الشركسية وكانت تقوم بشكلها البدئي بوظائف طقسية دينية مكرسة لعبادة وتقديس الآلهة الممثلة لقوى الطبيعة واجتماعية ومهنية وفيها تمثيل للحياة الاقتصادية التي كان يمارسها الشراكسة.. الجانب الديني /للودج/ يتكل في أنواع منه "سبله ودج" (رقصة الرعد) المكرس لتقديس إله الرعد والبرق، /تحاشخوا ودج/ (رقصة كبير الآلهة) أما الجانب الوظيفي /للودج/ فتراه في رقصات مثل /الودج خشت/ الذي هو عبارة عن تمثيل لعملية الدراسة وفصل القمح عن السنابل وكذلك /الودج بوخ/ الذي يمثل فصل النعاج والمهور عن القطيع ومع مرور الزمن أصبح /الودج/ يفقد معناه الديني والوظيفي ويأخذ طابعا عاطفيا ووجدانيا.
وهكذا ينتهي (الدجاغو) برقصة /الودج/ تلك الخاتمة التي تعبر عن الوفاق الذي يتوصل إليه كل من الشاب والفتاة بشكل حضاري بعد حوار ومحاكاة لطيفة وكل ذلك ضمن الأعراف والتقاليد الشركسية الأصيلة التي تنم عن أدب رقيق ونبل عميق.
نذكر أن فرقة أزماف الشركسية التي تتألف من أربع وعشرين راقصاً وراقصة بمعدل 12 ذكوراً و12 إناثاً، قدمت عدة عروض في المحافظات السورية منها بتاريخ 5/8/2008 عرضا على خشبة مسرح الكندي في محافظة "حمص".
وبتاريخ 8/8/2008 قدمت الفرقة عرضاً على خشبة مسرح المركز الثقافي العربي بمحافظة "القنيطرة" وأيضاً قدمت الفرقة بتاريخ 19/8/2008 قدمت الفرقة عرضاً مميزاً على خشبة مسرح صالة معاوية في محافظة "حلب"، وكان ختام صيف 2008 بدعوة من إدارة الفرقة التركية "يلوة" للمشاركة معها ضمن فعاليات مهرجان معرض دمشق الدولي لمدة ثلاث أيام (26-27-28 آب).