"جمال بوستان" هو ابن محافظة "القنيطرة" الذي غادرها ليسكن في مكان قصي عند خاصرة "دمشق" ليزاول فنه وأشواقه وحنينه فوضع حجر أساس آخر له في عاصمة الأمويين وعمل على تكريس حضوره كفنان سوري وعربي وتشهد له المحافل الدولية. فراح "بوستان" يمارس في محترفه كل طقوس الحنين لجولانه العربي، ويبدع ألواناً وخطوطاً كانت هويته للعبور إلى عالم الفن والإبداع.
موقع eQunaytra التقى الفنان "جمال بوستان" وكان معه الحوار التالي:
"جمال بوستان" فنان مبدع بكل ما تعنيه الكلمة، حيث كرس حياته لإنتاج العمل الإبداعي من خلال تطويع الخط والحرف العربي لأن يكون لوحة تنضج بالجمال والرؤية الخاصة كبحث خاص من خلاله يطل على فن حفر الغرافيك باقتدار وتميز، كما يطل على التصوير الزيتي والمائي بمهارة ورؤية صوفية يمتاز بها عن غيره من الفنانين التشكيلين المعاصرين، بالإضافة إلى تميزه في مجال كتابة الخطوط المعروفة وأكبر دلالة على ذلك أن وقع عليه الاختيار في "دبي" لكتابة نسخة متميزة للقرآن الكريم وقد نال عدة جوائز لانجاز هذا العمل
** درست المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس "القنيطرة" وتعد هذه المرحلة مهمة في حياتي الشخصية فعندما كنت في الصف الرابع الابتدائي كان لحصة الجغرافية أثر كبير في نفسي ورسخت بدايات تعلم الخط العربي من خلال مدرس المادة الذي يعد فنان عندما كان يرسم على السبورة بعض الخرائط ويبدأ بتلوينها خطوة بخطوة إلى أن يصل إلى شاطئ البحر فيلونه بالأزرق المتدرج ويتابع كتابة تسميات المدن بخط رائع ومتميز وخصوصاً عندما يكتب البحر الأبيض المتوسط وبهذه اللحظات كنت أنظر إليه كالمسحور.
وبعدها أصبح الخط العربي محور اهتمامي وتفكيري حيث كرست له حياتي وبدأت تعلمه بتقليد بعض الخطوط في المجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها مجلة "طبيبك" الذي كان يكتب فيها المرحوم "بدوي الديراني"، وفي عام 1958م عملت في مكتب هندسة "القنيطرة" التابع لإدارة الأشغال العسكرية بصفة خطاط مخططات، وفي عام 1960 ظهرت كراسة "هاشم البغدادي" التي كانت تعنى بأنواع الخط وقواعده وبدأت بتعلم الخط وقواعده باحتراف وتعلم الخط العربي يحتاج إلى معلم يشرف على تعليمه، وفي عام 1965م عملت في إدارة المساحة العسكرية في وحدة الكارتوغرافية وهذا العمل له دور كبير في حياتي حيث تمكنت من كتابة الخط العربي وبعدها بدأت بكتابة اللوحات وحفظها.
** أغلب الأحيان أقوم بعمل اللوحة دون دراسة مسبقة وأترك تكوينها لما بعد الخطوة الأولى وهي تحكم ما تحتاجه من ألوان، ولكن في نفس الوقت هناك بعض اللوحات يتم دراسة تكوين اللوحة على ورق ويتم التركيز فيها على بناء اللوحة العام الذي يعد بالنسبة لي شيء مهم جداً لعمل اللوحة وخصوصاً عند استخدام الخط الكوفي الذي كنت أضف له لمسة خاصة بي حيث تكون قريبة للتصوير الزيتي ويتم أعطاء العمل قيمة التصوير والخط بشكل متوازي.
** أكثر الخطوط استخداماً الخط الكوفي الذي وجدت فيه المتعة حيث أضفت لمسة خاصة بي على أشكال ونوعية الخط الكوفي مع الحفاظ على قواعده العامة، كما استخدمت الخط النسخ للكتابات العادية المستهلكة، والخط الفارسي للأعمال الفنية الجميلة لما له من حساسية ورونق رائع.
** أنا أنفذ أعمالي بتقانات لونية مختلفة وبصيغة حروفيّة تتماهى فيها الأصول الكلاسيكية للخط العربي بالحداثة التشكيلية التجريدية. حيث أجمع في معمار لوحتي بين رشاقة التشكيلات الحروفية والمساحات اللونية الشفيفة المطرزة بوحدات زخرفية هندسية تتوافق وتنسجم مع روح الحرف العربي وجمالياته التي تغرد سعيدة معبّرة في فضاء التجريد هي الأخرى، فأنا أفتخر بأني أبدع في جماليات الخط العربي الذي عبر "بيكاسو" عنه قائلا : "إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن التصوير وجدت الخط لعربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد ".
** أستطيع القول بأن الخط في مقاماته المتنوعة هو فن رفيع المستوى يرقى إلى المثل الأعلى في الفن فهو كالموسيقا يستطيع التعبير عن أرفع ما يهز قلب الإنسان من فرح أو حزن وعن كيفية تحقيق الترابط والتوحد بين اللون والحرف.
** بعد أن تركت العمل في جريدة البعث عام 1996م اتجهت لكتابة الخط الكلاسيكي وكلفت من إحدى دور النشر في دمشق لكتابة القرآن الكريم وبعد البدء بالعمل أخبرني دار النشر أن هناك جهة خارج سورية تطلب عروضا لكتابة القرآن كريم فتقدمت بعرضي وبعد شهر تمت الموافقة من قبل دائرة أوقاف "دبي" وبدأت بالعمل والكتابة على قطع بحجم /50×70/ سم وأنجز العمل خلال سنة رغم صعوبة العمل ودقته والتفرغ الكامل والإطلاع على الرسم العثماني القديم، وتم الاستلام من قبل دائرة أوقاف "دبي" وبعد الاستلام تم التعاقد مع نفس الجهة لإعطاء العمل طابعا خاص ومميز من خلال العمل على توحيد حروف الهاء والميم وأقمت في "دبي" /5/ سنوات وتم إنجاز العمل بشكل جيد، وأنا اعتبر هذا العمل أهم عمل في حياتي.
** الخط العربي هو وسيلة لتدوين الأفكار سواء كانت دينية أو أدبية وغيرها، حيث كان الخطاطين القدماء الأتراك يختصرون كتاباتهم بآيات وأحاديث إسلامية، ولكن في وقتنا الحالي يجب على الفنان إظهار جمالية التراث الأدبي من شعر وأسطورة حتى من المترجمات عن الغرب، بحيث يتم توثيق هذه الكلمات بطريقة فنية وإبداعية تصويرية وهذا ما أسعى أليه في جميع لوحاتي.
** خلق الفن لخدمة الإنسان والجمال والغاية من الفن هي مجموعة من القيم الأخلاقية والتي تريد إيصال معلومة ما أو فلسفة معينة أو حكمة من خلال الخط العربي.
** بعد دخول الحاسب عالم الغرافيك وتطوره تركت هذه التقنية الحديثة أثراً كبيراً على الخطاط في سورية ولم يعد له وجود، ولكن أنا مع هذا التطور ويجب على الفنان الاستفادة واستثمار هذا التطور في خدمتها كخطاط ومهما تطورت استخدامات الخط في الكمبيوتر فيبقى للخط العربي أهميته الخاصة.
وحول أعمال الفنان "جمال بوستان" يقول الفنان التشكيلي "نعيم شلش" الرئيس السابق لفرع نقابة الفنون الجميلة "بالقنيطرة": «"جمال بوستان" فنان مبدع بكل ما تعنيه الكلمة، حيث كرس حياته لإنتاج العمل الإبداعي من خلال تطويع الخط والحرف العربي لأن يكون لوحة تنضج بالجمال والرؤية الخاصة كبحث خاص من خلاله يطل على فن حفر الغرافيك باقتدار وتميز، كما يطل على التصوير الزيتي والمائي بمهارة ورؤية صوفية يمتاز بها عن غيره من الفنانين التشكيلين المعاصرين، بالإضافة إلى تميزه في مجال كتابة الخطوط المعروفة وأكبر دلالة على ذلك أن وقع عليه الاختيار في "دبي" لكتابة نسخة متميزة للقرآن الكريم وقد نال عدة جوائز لانجاز هذا العمل».
والجدير ذكره أن الفنان "جمال بوستان" من مواليد محافظة "القنيطرة" عام 1942م، عضو نقابة الفنون الجميلة، عضو جمعية أصدقاء الفن، عمل سابقاً رئيساً لقسم الخط في المؤسسة العامة للمساحة، صمم العديد من الشعارات وأغلفة الكتب والمجلات، عمل خطاط ومخرج في صحيفة البعث 1975- 1996م، شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية، نال شرف كتابة مصحف الشيخ مكتوم 1997- 2002م، وله أعمال مقتناه في وزارة الثقافة والمتحف الوطني وفي العديد من البلدان العربية والأجنبية، كما أقام معرض فردي في المريديان بدمشق عام 1992م، ومعرض في المركز الثقافي الأسباني، وله ما يقارب /50/ لوحة.