كرس السنوات العديدة لدراسة منطقة "الجولان" التي هي مسقط رأسه وموطنه، وقدم صورتها بشكل مدهش تظهر جميع تفاصيلها وعناصرها الطبيعية بكل مكوناتها الباهرة كريشة فنان مبدع، إنه الأب الروحي للدارسين والباحثين في تاريخ "الجولان" الحديث الدكتور المرحوم "أديب سليمان باغ" هذا المفكر والباحث الذي قدم دراسة جغرافية إقليمية للجولان ما تزال مرجعاً دائماً لكل المهتمين وأصحاب الاختصاص.
ولعل من المدهش حقاً أن يقوم الدكتور "باغ" بدراسته العبقرية هذه قبل احتلال "الجولان" بما يقارب عشر سنوات، ما يجعل هذه الدراسة حافظة تاريخية للكثير من المعالم التي قد تضيع بفعل الاحتلال الغاشم ومحاولات التزوير التي ينتهجها باستمرار دون أي رادع دولي أو قانوني، لقد أبدع الدكتور "باغ" في وصف أدق التفاصيل الجغرافية من تضاريس ونبات ومناخ وغيرها، بالإضافة إلى السكان وتنوعهم البشري وطرائق معيشتهم ودياناتهم ومذاهبهم والزراعة والآثار التاريخية، فكان هذا العمل كنزاً معرفياً حقيقياً يحفظ بماء الذهب للأجيال القادمة، وقد قدم الدكتور "باغ" هذه الدراسة عام 1958م إلى جامعة "السوربون" في "باريس" لنيل شهادة الدكتوراه.
إن العمل الذي أنجزه "أديب باغ" حي وأخاذ أتبع فيه الطرق العلمية المرعية في دراسة الجغرافية الإقليمية، وهو بعمله يسهم بدور مهم في ميدان البحث الجغرافي في "سورية" وقد تناول فيه منطقة لم تسبق دراستها بهذه الدرجة من الاتساع والتخصص المستقل، حيث كرس "أديب باغ" سنوات عديدة لدراسة منطقة "الجولان" التي هي مسقط رأسه وموطنه ولذا فقد جاء عمله في هذا الكتاب ثمرة لخبرة شخصية، أما الأصالة في بحث "باغ" فتتجلى في النتائج التي توصل إليها من دراسة منطقة معقدة من الناحية الطبيعية ووقوعها بين الشيخ الرطب وسهول حوران ذات المناخ الشبه جاف والأمطار القليلة، وتتضمن هذه الدراسة مادة علمية غنية نتعلم منها بل إنها تقدم نتائج واضحة محسوسة ومحددة تساهم وتساعد على رسم الطريق للعمل على تحسين شروط المعيشة عند السكان والمساعدة على اندماج المنطقة بشكل أكثر فعالية في اقتصاد البلاد
وعن هذه الدراسة يتحدث الدكتور "ج. دريش" من جامعة السوربون بالقول: «إن العمل الذي أنجزه "أديب باغ" حي وأخاذ أتبع فيه الطرق العلمية المرعية في دراسة الجغرافية الإقليمية، وهو بعمله يسهم بدور مهم في ميدان البحث الجغرافي في "سورية" وقد تناول فيه منطقة لم تسبق دراستها بهذه الدرجة من الاتساع والتخصص المستقل، حيث كرس "أديب باغ" سنوات عديدة لدراسة منطقة "الجولان" التي هي مسقط رأسه وموطنه ولذا فقد جاء عمله في هذا الكتاب ثمرة لخبرة شخصية، أما الأصالة في بحث "باغ" فتتجلى في النتائج التي توصل إليها من دراسة منطقة معقدة من الناحية الطبيعية ووقوعها بين الشيخ الرطب وسهول حوران ذات المناخ الشبه جاف والأمطار القليلة، وتتضمن هذه الدراسة مادة علمية غنية نتعلم منها بل إنها تقدم نتائج واضحة محسوسة ومحددة تساهم وتساعد على رسم الطريق للعمل على تحسين شروط المعيشة عند السكان والمساعدة على اندماج المنطقة بشكل أكثر فعالية في اقتصاد البلاد».
وحول ولادة وحياة الدكتور "أديب باغ" يقول الأستاذ "عدنان محمد مصطفى قبرطاي" الباحث في تاريخ "الجولان": «ولد الدكتور "أديب سليمان باغ" في قرية "الجويزة" الشركسية عام 1928م من قرى محافظة "القنيطرة" في "الجولان" السوري المحتل، دخل عام 1936م المدرسة الابتدائية في قريته وحصل الشهادة في مدينة "حمص" عام 1941م، ثم قبل في مدرسة التجهيز الأولى "بدمشق" طالباً داخلياً ونال الشهادة المتوسطة عام 1944م بدرجة جيدة، وتابع الدراسة في "دمشق" حيث حصل على الشهادة الثانوية عام 1947م، وفي عام 1951م نال إجازة الليسانس في الآداب متخصصاً في الجغرافية من جامعة "دمشق" ثم دبلوم التربية، عمل بعدها مدرساً لمادة الجغرافية في المدارس الثانوية "بدمشق" بين عامي 1951م - 1954م، وفي 11/10/1954م أوفد إلى باريس لتحضير شهادة الجغرافيا العامة والحصول على شهادة الدكتوراه في الآداب، فتقدم بأطروحته عن إقليم "الجولان" إلى اللجنة الفاحصة في جامعة "السوربون" وحاز بعدها لقب دكتور دولة في الآداب وذلك بتاريخ 15/11/1958م، عاد بعدها إلى الوطن ليصدر القرار رقم /80/ والقاضي بتعيينه مدرساً في كلية الآداب "بدمشق" في 16/12/1958م، وعرف بأخلاقه العالية ومثابرته العلمية وحرصه الشديد على تشجيع أبناء "الجولان" على اكتساب المعرفة ومتابعة الدراسة الجامعية ما جعله محبوباً من طلابه وزملائه».
أما عن إنتاجه العلمي يقول "قبرطاي": «كان إنتاجه العلمي غزيراً ومتنوعاً رغم حياته القصيرة فقد أعد باللغة الفرنسية التي كان يتقنها مؤلفين:
"الصناعة في سورية بين 1928- 1958".
"إقليم الجولان، دراسة في الجغرافية الإقليمية" والذي ترجم إلى العربية بعد مضي عشرين عاماً على وفاته. وترجم الدكتور "باغ" إلى العربية من الفرنسية بالاشتراك مع الدكتور "يوسف خوري" كتاب "المدخل إلى علم الجيولوجيا" تأليف "شارل كومبالوزية" وكان هذا العمل خاتمة إنتاجه العلمي، أما بالعربية فقد ألف المؤلفات التالية: "جغرافية أمريكا"، "البيئات"، "الحيوية والتراب"، "جغرافية استراليا"، "جغرافية آسية"، بالإضافة إلى غيرها من المؤلفات المشتركة مع كتاب آخرين من أساتذة الجامعات السورية من أمثال الدكتور "صلاح الدين عمر باشا" والأستاذ "داوود صليبا" والأستاذ "عمر الحكيم" والأستاذ "محمد كرد علي".
وقد استمر هذا العبقري مثابراً على نشاطه العلمي الخصب في التأليف والتدريس في جامعتي "دمشق" و"عمان" إلى أن توفاه الله صبيحة يوم السبت الواقع في 21 آذار عام 1964م قبل احتلال الجولان السوري الحبيب بثلاث سنوات بعد مرض لم يمهله إلا أسبوعاً واحداً ليدفن في قريته "الجويزة" التي أحبها كثيراً حيث كانت جنازته أكبر جنازة شهدها الجولان، مخلفاً أسرته وأبناءه الأربعة وتلاميذه الكثر وزملاءه وأصدقاءه الذين فاجأهم نعيه الخاطف».