في كل كلمة شعر كان يخطها بيراعه، تجد اسم الجولان يسكنها، تلك التي قضى فيها أجمل سنوات حياته، يمضي بك إلى أقصى حدود التمرد.. ليفاجئك بخجله وتواضعه، ينقل جمر الحالات الصارخة من حالة الاشتعال إلى حالة البوح الهادئ، ويشتد ساعد الإنتماء كلما أوغلَ في شتات صرخته.. إنه الشاعر "جابر أبو حسين".
ولد الشاعر "جابر أبو حسين" في الجولان العربي السوري عام 1970م وعاش طفولته بين "حضر" و"مجدل شمس" المحتلة التي تقع على السفح الجنوبي الشرقي لجبل الشيخ، شمال نهر "صعار" وشرق قرية "جباتا الزيت"، على بعد /21/ كم شمال غرب مدينة القنيطرة. موقع eQunaytra التقى الشاعر "جابر أبو حسين" وكان له الحوار التالي:
** درست الابتدائية والإعدادية في مدارس "حضر" وحصلت على الشهادة الثانوية الفرع العلمي في دمشق عام 1989م ، وقد اجتزت هذه المراحل بتفوق وحصلت على الإجازة في الهندسة البترولية عام 2000م، حيث اضطررت لأسباب العيش القاسية وظروفي الصعبة التي مررت بها إلى إيقاف تسجيلي أكثر من مرة ولكن كنت في كل مرة مصمماً على بلوغ الهدف حتى وصلت رغم كل الصعوبات وفي هذه الأثناء وخلال إقامتي في محافظة "حمص" محافظة الشعر والفكر والثقافة تبلورت شخصيتي الأدبية وبدأت تثبت موقعها على خريطة الشعر في سورية، وفي عام 2007م حصلت على الإجازة في الآداب/ قسم اللغة العربية/ من جامعة دمشق.
** لا أعرف نقطة البداية التي شكلت محور انعطافي نحو الأدب، هو ليس اهتمام فحسب إنما هو على ما أعتقد موجود في خريطتي الصبغية ومتدفق مع أول نبضٍٍ جنينيّ لي، لذلك لا أسباب واضحة ومحددة لهذه الثورة الجمالية التي ولدت مع ولادتي، إذ تذكر أمي أنها عادت من البيادر لتعلن أني قادم مع القمح ومع أشعة الشمس الساطعة.
** كما قلت لك الطبيعة هي التي اختارت، فوجدت نفسي تصعد درج القصيدة وتفتش مقاعد العشاق وشجر الغابات وقطارات الغيوم، وجدتها هكذا ولكن هذا لم يمنعني أن أجرب القصة والرواية والنقد الأدبي ومما شجعني أن أستمر في هذه التجربة أن القصة الأولى التي كتبتها نالت الجائزة الأولى في إحدى المسابقات الأدبية السورية.
** كان عنوانها (ستشهد مرتين) وهي تتحدث عن فنان من مجدل شمس المحتلة وتدخل في حالات المقاومة المتعددة لأهالي القرى السورية في الجولان المحتل وهي تتابع مشاعر نحات نحت من صخر الجولان نصباً تذكارياً لمجموعة من الثوار والمناضلين ومعهم أم تحضن ولدها الشهيد الذي يستشهد مرة ثانية وهو رمز في هذا العمل النحتي الفني بعد استهداف قوات الاحتلال له.
** ثمة شاعرٌ هو الجمال، كنت أتتبع آثار هذا الجمال في كل ما قرأت للشعراء من هوميروس وامرئ القيس إلى قيس بن الملوح إلى المتنبي والمعري وابن زيدون إلى غوته ولامارتين ولوركا ورامبو وبابلو نيرودا إلى سميح القاسم ومحمود درويش وأدونيس... رأيت شعاع الضوء الذي يربط هذه القمم.
** لن يخرج جوابي هنا عن النسق الذي ذكرته سابقاً، كثر ما قلت ولم أدوِّن وكثر ما دوّنت ثم مزقت أوراقي وفي أرشيف الذاكرة الكثير من ذلك البسيط العفوي البريء البكر، مثلاً هذه الأبيات:
أدثـِّــــرُ ليلـيَ العاري/ بمنديــــلٍ من النـــــارِ
وأجلس قرب مرقده ألــمّ شـــــــتات أفكاري
فأطبق صمت وردتنا/ سأشرب نخب أشعاري.
* أين الجولان في شعرك؟
** الجولان هو مركز الدائرة الشعرية في كل ما كتبت وهذا طبيعي لأنني ابن هذه الأرض وهي أمي التي أرضعتني وعلمتني ودثرتني بجمالها وهي التي كحلتني بوقارها وخلعت عليّ تاج شموخها، أحمل منديلها المعطر أينما ذهبت وأفخر أني مهما ابتعدت أعود كل يوم لأنام في حضنها، إذاً الجولان حاضر في شعري بروحه وله الكثير من قصائدي التي تتأرجح بين الخطابي المباشر والموحي العميق ومن هذه القصائد: "الصرخة" و"القلادة" و"حبنا الأول"، ومن قصيدة "حبنا الأول":
دمعٌ على المجـدلْ / في غيمِهِ ســــجنانْ
يا صبحُ كمْ تحمـلْ / عطراً من الخـــلانْ
يا قلبَنـــــا الأجملْ / يا أطيبَ الأوطـــانْ
يا حبّنـــــــا الأوّلْ / يا سيّدي الجـــولانْ.
** ليس لديّ أيّ اعتراض على الزيّ الذي تخرج به القصيدة طالما كان جميلاً بنسيجه وتصميمه وفي ما يظهر أو يخفي أنا مع القصيدة التي تظهر فتنتها العالية وتخفي أسرارها ولا تسلم مفاتيح جسدها إلا للذين يفيضون سحراً وعذوبة ويتقنون فحولة الحياة والفكر.
** أنا لا أحب شرح المفردات كثيراً ولكن باختصار، الأول هو أصل كل شيء والنبض هو الحياة والحركة والقمح رمز للخصب وهذا العنوان خيط يربط نسيج النصوص المختلفة المؤتلفة في هذه المجموعة.
* ما طقوسك أثناء الكتابة؟
** لا طقوس مصطنعة يفرضها الشاعر على القصيدة أو حالة الكتابة أو الحالة الشعرية، إنما القصيدة تأتي ومعها طقسها الخاص أستطيع أن أقول فقط إن حالة الشعر حالة علوية لا تشبهها أي حالة أخرى، إذ يكون فيها شجر اللذة مطروحاً على كتف السماء منتظراً إعلان المطر عن ولادة نص جديد.
** يرى الكثير من النقاد اليوم أن ثمة أزمة في الشارع الثقافي العربي بشكل عام وفي منابر الأدب والثقافة بشكل خاص، وأنا أرى إذا كان هناك من أزمة فعلاً فمردها لسببين أوّلهما الأزمة التي تفرض على الجمهور العربي بسبب محاصرة (الاستهلاكي) له وهذه يتحمل وزرها الأكبر الإعلام والسبب الثاني هو سيطرة الذهنية المتخلفة والناس البعيدين عن الثقافة والفكر والأدب على الكثير من المؤسسات الثقافية الرسمية في الوطن العربي!!.
أما مصطلح القصيدة (الجولانية) فإذا كنت تعني القصيدة التي كتبت للجولان فهناك كثير من الشعر الرائع الذي كتب للجولان وهناك أسماء كبيرة في الشعر السوري والعربي تغنت بالجولان الشجاع الجميل ومن هذه الأسماء "نزار قباني" و"زكي قنصل" و"نازك الملائكة"، أما إذا قصدت القصيدة التي كتبها أبناء الجولان فثمة قصائد كثيرة مهمة وتؤسس لظاهرة أدبية مختلفة هنا وهناك شعراء متمكنون من أدواتهم بالطبع وفي المقابل وليس في الجولان فقط إنما في كل مكان، هناك من (يتعدى على الكار) وهؤلاء يسيئون إلى أنفسهم وإلى الجولان وإلى الذوق العام وإلى الشعر حتماً، الجولان يستحق شعراً حقيقياً، الجولان يستحق أكثر.
** الكتابة غير الناضجة أو الساذجة تسيء للشعر الحقيقي فينا، والهلوسات الكتابية ورصف الكلمات البدائي يطفئ وهج الأدب الراقي.. طبعاً هناك تجارب مهمة وحقيقية ومبدعة لا يمكن لنا إلا أن نحترمها.
** منحني الشعر قيمته وفكره ورقته وبدوري منحته عمري.
** منح بعض الجوائز مهم ويمكن أن يقرر أشياء كثيرة وبعضها لا يمكن أن تعتمد عليه البتة في إصدار حكم قيمة على الشاعر أو النص.
** حصلت على جائزة اتحاد الكتاب العرب عامي 1995 و1996، وجائزة المسابقة الأدبية المركزية للشبيبة عام 1997م. كما حصلت على جائزة مهرجان الشباب العربي التاسع الذي نظمته جامعة الدول العربية عام 1998م في الإسكندرية / مصر، وجائزة المزرعة للإبداع الأدبي والفني عام 2002م. وجائزة نادي أبها الأدبي/ المملكة العربية السعودية عام 2002م. وجائزة المعري 2002م، وجائزة عكاظ عام 2004م. وجائزة الجولان للإبداع الأدبي أعوام 2001– 2008– 2009م.
والجدير بالذكر أن الشاعر "جابر أبو حسين" يشغل منصب معاون رئيس دائرة العمليات في الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية، بالإضافة إلى أنه مدير تحرير جريدة الجولان التي تصدر عن محافظة القنيطرة، ومقيم في قرية "حضر".