كان لمكتبتهم المنزلية الضخمة واهتمام والدها بالثقافة والأدب جل الأثر في زرع بذور المعرفة عند الأديبة "عفاف الرشيد"، تلك البذور التي أينعت وازدهرت في رياض الموهبة التي صقلتها بالثقافة وحب الاطلاع. لتأتي قضايا الناس وهمومهم اليومية لتكون حاضرة في أغلب كتاباتها القصصية إلى جانب النثر الذي انطلقت منه بتلات موهبتها الأولى.
وللحديث أكثر عن التجربة الأدبية للأديبة المحامية "عفاف الرشيد" كان حوارنا معها في موقع eAleppo والذي بدأناه من البدايات فقالت:
** بدأتْ محاولاتي في الكتابة منذ المرحلة الابتدائية عن طريق بعض النصوص النثرية التي كنت أعكف على كتابتها بين الفينة والأخرى، ولعل ذلك استند إلى الاهتمام الكبير الذي كان يولينا إياه والدي لما يحمله في داخله من حب للغة العربية وآدابها. بالإضافة إلى مكتبتنا المنزلية التي كنت أنهل من معارفها العديد من العلوم اللغوية والثقافة، حيث كان لتلك المكتبة دور مهم في صقل موهبتي الأدبية ووضعي على الطريق السليم عبر رصيد ثقافي متنوع.
هذه العوامل كانت بمثابة الأساس الذي انطلقت منه في كتاباتي الأدبية والتي كانت بدايتها في النثر. ونظرا لظروف الدراسة ومن ثم العمل في مهنة المحاماة لم أتفرغ كثيرا للأدب إلى أن بدأت بتجميع كتاباتي ونشرها، فكانت أولى مجموعاتي النثرية في العام 2000 بعنوان (رحيل في فضاء الروح)، ومن ثم (وجهك وطني) عام 2004، أما أولى مجموعاتي القصصية فنشرت في العام 2005 بعنوان (فراشة الليلك)، ولدي الآن مجموعة قصصية تحت الطبع تحمل عنوان (حزمة الورد الأزرق).
** ولادتي كانت في مدينة "فيق" على ضاف "بحيرة طبرية"، هذه البحيرة التي تسكن خيالي أوحت لي بالعديد من الأفكار، ففيها كتبت "من سلال الذاكرة"، كتبت أشياء كثيرة مستوحاة من بحيرة طبرية ستضمها مجموعة قصصية أو رواية إن شاء الله. "الجولان" بكل ما فيه حاضر في الذاكرة والأمل والتوق للتحرير. ففيه الذاكرة التي أستند إليها والأمل الذي أنطلقُ نحوه. و"الجولان" ليس حاضرا فقط في قلوب الجولانيين بل في قلب وضمير وعقل كل سوري وعربي.
** قصيدة النثر صنف من أصناف الأدب الموجودة، ومهما اعترض على كيانها بعض الأدباء فهي موجودة. قد يعتبر البعض أنها لا ترقى إلى مستوى القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة ومع افتراض هذا الشيء فهو لا يقلل من قيمتها الأدبية. ومن لا يعترف بقصيدة النثر فهذا شأنه، لأنها أثبتت وجودها كنص أدبي مبدع، ومع هذا فليس كل من كتب النثر أبدع فيه كما أنه ليس كل من كتب العمودي والتفعيلة أبدع فيه. فهناك الكثير من الذي كتبوا النثر ولم يبدعوا فيه وأنا لا أنكر هذا الشيء.
** أنا أرى خلاف ذلك، لقصيدة النثر شروط يجب الاعتماد عليها ففي قصيدة النثر لا يمكن تكرار القافية أو تكرار الجمل كما هو في التفعيلة والعمودية، لأن التكرار في قصيدة النثر يضعفها، كما أنها بحاجة إلى اختزال واختصار في الجمل والأفكار والابتعاد عن الحشو والتكرار. وبرأيي لا يستطيع أي كاتب اتقان قصيدة النثر فهي بحاجة إلى لغة مميزة، وسر جمال قصيدة النثر يكمن في تمكن الكاتب من الفكرة وأداة التعبير، واتقان الكاتب لاستخدام اللغة والخيال والتشابيه والصور البيانية وبهذا يكمن الإبداع. وعلى الرغم من عدم وجود أي وزن فلابد من وجود موسيقا شعرية في قصيدة النثر، هذه الموسيقا تأتي من خلال استخدام الكلمات والتعابير وانسجامها مع مخارج الحروف.
وبالتأكيد ليس كل من كتب جمل متتالية يمكن ان نطلق عليه قصيدة نثرية، وكرأي شخصي أعتقد أنه ليس كل من كتب النثر هم بالسوية الجيدة، فهناك العديد من الأصوات في الساحة الأدبية تجامل مجاملة لمجرد الحضور فقط. ولهذا أدعو إلى أن يكون هناك كتب ودراسات مرجعية يستند إليها كتاب النثر لكي لا تبقى الساحة النثرية بلا ضوابط.
** الحالة الإنسانية هي الأساس في ولادة أي نص أدبي، والإنسان يتأثر بكل ما حوله من أمور اجتماعية ووطنية طالما أنه يعبر عن مشاعره ومواقفه من خلال ما يكتب، فكل حالة وطنية أو اجتماعية أو شخصية تدفعه لكي يكتب.
أما عن عملي في مهنة المحاماة فقد كان لها دور كبير في ميولي نحو كتابة القصة القصيرة، فمشاهدتي لقصص الناس ومشاكلهم وهمومهم كونت لدي غزارة في الأفكار، فكتبت العديد من القصص المستوحاة من هذه المشاهدات، وربما تؤسس لمشروع تحت مسمى "يوميات محامي". وبالمقابل لا يمكن لي ككاتبة أن أحول كل هذه المشاهدات إلى نصوص أدبية، فعليها دخول الخيال والتعامل مع مفردات اللغة لخدمة الفكرة أو القصة، وبالتالي ضرورة وجود حالة إبداعية مؤازرة لهذه الفكرة.
** الحالة الإنسانية لا يمكن تجزئتها إلى ذكورية وأنثوية. هي حالة إنسانية واحدة قد يختلف الطرف المتلقي لها وتفاعله معها إن كان رجلا أو امرأة. وبالتالي لا يمكن أن نطلق هذا التصنيف على كل ما يتعلق بالحلة الإنسانية.
** للأسف لا أرى أن المرأة قد أخذت دورها في هذا المضمار بالشكل الأمثل الذي نطمح إليه. فالساحة الأدبية تحتاج إلى مزيد من القامات الادبية، وهن لسن موجودات، هناك بعض الأديبات المتميزات إن كان في "حلب" أو محافظات أخرى لكن كحالة عامة مازلنا بحاجة إلى الكثير، وهذا الأمر يرتبط بالعديد من الأسباب كغياب التشجيع والدعم من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية وفعاليات المجتمع المدني. وانا أرى أن الأندية والفعاليات الثقافية لم تؤدّ دورها بالشكل الأمثل فهي التزمت بالخطط السنوية والشهرية بغض النظر عن الفوائد والنتائج الإيجابية التي يجب ان تتحقق. والوقع خير دليل على ذلك.
** لا أعتقد أنني قدمت الشيء الذي يترك بصمة مميزة على الساحة الأدبية. لدي إحساس بالتقصير في هذا المجال ولعل طبيعة عملي هي أحد أسباب التقصير، واتمنى في قادمات الأيام أن استطيع تأدية الرسالة الإنسانية التي كلفنا بها الله سبحانه وتعالى.
وبالنسبة للمشاريع المستقبلية فأنا أحضر لإطلاق نادي "الجولان" الثقافي الذي أطمح من خلاله للمساهمة في تنشيط الحركة الأدبية واستقطاب المواهب الشابة وتنميتها، والمحافظة على الأدب الراقي.
بقي أن نذكر أن الأديبة "عفاف الرشيد" من مواليد "فيق" في الجولان السوري المحتل، ومن سكان مدينة "حلب"، تخرجت في كلية الحقوق بجامعة "حلب" في العام 1988م، تعمل في مجال المحاماة. تكتب النثر والقصة القصيرة ولها مجموعتان نثريتان مطبوعتان وهما (رحيل في فضاء الروح) عام 2000، (وجهك وطني) عام 2004، ومجموعة قصصية بعنوان (فراشة الليلك) عام 2005، ومجموعة قصصية تحت الطبع تحمل عنوان (حزمة الورد الأزرق).