في اليوم الثاني من مهرجان الشعر العربي الرابع في الرقة 8/4 وعند السابعة مساءً، بدأت القراءات الشعرية لهذا اليوم, وشارك فيها: الشاعر الليبي صالح قادربوه، والشاعرة التركية عائشة غوترغان, والشاعر السعودي أحمد الزهراني, والشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي, والشاعر ياسر الأطرش, والشاعر المصري عزت الطيري.
صالح قادربوه: ليس غريباً إلى هذا الحد
قرأ الشاعر الليبي صالح قادربوه أربعة قصائد هي: الغريب, والمشبوهون, واسمك, ولا شيء يشبهك, ففي قصيدته «الغريب» ستدرك أن الغريب الذي يتحدث عنه الشاعر، شمل كل أنواع الغرباء القادمين من الخارج أو القادمين من الداخل, وهم يشملون أنواع الغربة، كلها من الغربة المستثمرة والسائحة، إلى الغربة الباحثة عن عمل, أو الغربة النفسية داخل الوطن نفسه, فالذي يبحث عن عمل، تلتف حوله القطط عندما يأكل, والبعوض إذا همّ بالنوم, كما تلتف حوله النظرات القاسية, وتلتف حوله غربته كربطة عنقه البالية, والغريب المستثمر والسائح، تلتف حوله واجهات الفنادق, وصائدات العابرين, أما من يعانون من الغربة الداخلية، فيشملون الذي تلتف حوله مداخل الشوارع والذكريات الطيبة, والأغنيات الشرسة المؤثرة, والأصوات المقلية على نار نابية!!... هذا الغريب الذي يلتف حوله كل هؤلاء، ليس غريباً إلى هذا الحد!!...
وفي قصيدته «اسمك» ينتقم الشاعر ممن يضطهده، بجعل اسمه موضع سخرية الآخرين, فيشده من أذنه ويلقيه في حلبة الثيران لتنهشه القرون الحاقدة، وينقشه على رمال الشاطئ لتلتهمه موجة جائعة، ويكتبه في المناشير السرية ليمزقه المخبرون، ويجعله اسم دخوله في موقع «ياهو» ليطلق القراصنة فيروساتهم عليه: سأعلقه على عمود حديدي ليصعقه البرق في الشتاء/ سأرفعه علماً ليحرقه الثوار والغوغاء/ سأثقبه كناي ليملأه النافخون برذاذ حلوقهم/ هذا ما سأفعله باسمك.../ سأرسله غزالاً في غابة ليقتنصه الرماة/ أو تفترسه الوحوش/ سأجعله ثقباً في حائط الغرفة، لتسكنه الصراصير/ لكن اسمك سيظل يطاردني/ إلى أن ينفجر كرصاصة في جسدي ليقتلني/ إذ لن أستطيع الهروب من اسمك حتى لو مت!!...
عائشة غوترغان و«الحياة الجديدة»
وقرأت الشاعرة التركية عائشة غوترغان قصيدة واحدة ترجمت فكرتها، ولم يترجم النص، حيث تقول فكرة القصيدة التي عنوانها «الطريق»: إن الحياة المحافظة والحياة التقليدية، لم تعد تساعد أحداً على أن يتمتع بحياته، لقد ملَّ الإنسان من تلك الحياة الرتيبة، ويريد جديداً، فهناك أشكال أخرى كثيرة للحياة.
وتطالب الشاعرة، لتحقيق الجديد، بالعودة إلى الطفولة لاكتشاف تلك الحياة المختلفة، بل إنها ترى أن الحب نفسه يجب ألاّ يكون عادياً، بل يجب أن يكون استثنائياً حتى يمكن أن يُعاش!!...
أحمد الزهراني و«وشاية الغربة»
قرأ الشاعر السعودي أحمد الزهراني ثلاث قصائد هي: وشاية الغربة، والسيد عربي والقصيدة، ففي قصيدته «وشاية الغربة» نلمح الغرباء يمرون في كل آن من هنا، وهم موشومون بالحمى، ولهم صوت الخريف، فيرتلون قصائد الموتى وقدّاس الحياة:
مروا على جسر الغياب/ وضاجعوا رمل الطريق/ محملين بوزرهم/ كانوا حفاة/ مروا على باب المدينة/ ليتهم قرؤوا جفاف الطين/ أشرعة القوارب حينما يتعانق العشاق/ لوحات الأساطير الرديئة/ سحنة السمار حين تباعدت/ خطواتهم نحو الغشاوة يرفلون/ ثيابهم ورقاً من الشجر المحنط بالوصية/ ها هنا مروا.../ وغنوا للصبايا الفاتنات وأوجزوا...
وفي قصيدة «السيد عربي» يكاد يكون مباشراً، فالسيد عربي - والاسم وحده كافٍ للدلالة - يسأل بارتياب: أين وجهي من الماء لما يُراق؟!... وهل يبقى وجهة إن غاب وجه الرفاق؟!... فأجاب الشاعر جواباً مرتبكاً: بأن وجهك الآن ما بين وعي سقيم وحلم معاق، وجهك الطاعن الآن يا صاحبي، صفحة سواد العراق.
نزار بريك هنيدي: «لا وقت إلاّ للحياة»
وقرأ الشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي عدة قصائد منها: «لا وقت إلاّ للحياة» بالإضافة إلى «منمنمات» وهي قصائد قصيرة، ومنها: «إلى الآن»: إلى الآن أنفخ في قصب الروح/ من دون أن تستجيب البراري/ بترجيع الناي/ إلى الآن أنشر فوق حبال الليالي غسيل صباي/ إلى الآن أمشي وأمشي ولا يحفظ الرمل آثار ظلي/ ولا وقع خطوي ولا قطرات دماي.
وفي «الذي كان» يقول: رغم أن الذي كان كان/ لا تزال رؤياي على عهدها/ تحتفي بالذي لم يكن، وتعلقه فوق صدر الزمان/ رغم أن الذي كان كان.
وفي قصيدته «لا وقت إلاّ للحياة» يقول: لا وقت كي تستحضر الوقت الذي رسمت أصابعه ملامحنا/ على مرآة ريح لم تزل تجتاحنا في كل وقت/ كي تذكرنا بما كنا عليه.../ مضى الكثير من المياه على رمال دروبنا/ ونشيدنا مازال مطوياً ببطن زجاجة/ تلهو بها الأمواج من تيه إلى تيه...
عزت الطيري و«ولد يقرأ في جريدة»
قرأ الشاعر المصري عزت الطيري عدة قصائد، وهي قصائد مختلفة على نحو ما، إنها تنفتح على الطرائق والغرائب، وتقوم على الاختلاف، فالولد الذي يقرأ الجريدة يقرأها بالمقلوب، فلماذا يفعل ذلك لا بد من سبب فلنعرف السبب: في أعلى الصفحة /صورة رجل مات/ في أسفلها/ صورة راقصة.. ساخنة/ راسخة كالأهرامات/ أمتعني الولد/ وقلب جريدته/ فارتطمت راقصة الوطن الأولى/ بالرجل الميت /فصحا/ أيقظه العطر/ فغنى للراقصة الوطن نشيداً/ مرتعش الخطوات/ حاشية: لم تكن الراقصة الأولى/ كالأهرامات فقط/ بل كانت معجزة كبرى/ تحيي الأموات/ من ساعتها.. قد قرر هذا الولد المنكوب/ أن يقرأ كل جرائدنا بالمقلوب!!..
وفي قصيدته «مريم» يستفيد من قدسية الولادة الربانية لمريم، ليحكي أن قصة مريم الحاضر تختلف عن تلك الحكاية، إنها غارقة في الحرام بينما الأولى غارقة في القدسية.
وكما القصص القصيرة جداً، فإن الطيري يكتب قصائد قصيرة جداً، أو لنقل إنها أقاصيص، مثل تلك المعنونة بـ«فيروز» حيث يقول: فيروز سيدة من أرض القدس/ تضم جراح الزوج/تغني: أعطني الناي وغنّ، فالدما سر الوجود/ ولهيب النار يبقى/ طالما.../ يبقى اليهود... ومثلها: غرناطة ضاعت/ وفلسطين وبغداد/ ولم يتبق/ غير نشيد مهترئ/ يصرخ كالكلب الأجرب/ في المذياع المعتاد/ أمجاد.. يا عرب أمجاد.