في الجلسة النقدية الثالثة، تحدث الدكتور غسان غنيم عن «حركة القصيدة الجديدة ـ تطور الشعر السوري المعاصر» فقال: حاولت أن أقسم حركة القصيدة في سورية إلى ثلاثة أقسام زمنياً، تبدأ تلك الأقسام مما بعد الحرب العالمية الثانية ولا تنتهي حتى الآن.
بدأت حركة الحداثة في سورية بُعيد حركة الحداثة في العراق ولبنان، وكان لبنان سبق الأقطار العربية في هذا لانفتاحه أكثر على التجارب الغربية، والخطوات التي مرت فيها مصر والعراق شعرياً، هي نفسها التي مرت فيها سورية، وقد أسهمت مجلة شعر في تطور الحركة الشعرية العربية كلها، ومن التف حول المجلة: السياب والخال وحاوي وأدونيس، وبعد أن تم طرح قصيدة التفعيلة، فإن قصيدة النثر جاءت مع مجلة شعر وأنسي الحاج وأدونيس، كانت قصيدة التفعيلة قد أثبتت ذاتها في بداية الستينيات، وكان الشعراء اللبنانيون والسوريون قد مضوا بها إلى الأمام، ولم يكفوا عن ترسيخها وهم ينطلقون من التحرر من الوزن والمفردات الجزلة المعجمية، مؤثرين الكلمات الحية وبساطة اللغة، مقتربين بتلك البساطة إلى حدود الخطابية والشعاراتية.
وأضاف غنيم: ساهم في ذلك المد الثوري في الخمسينيات والستينيات، ومع بروز التيارات الثورية، فإن الهم الفني ظل حاضراً في شعر الرواد: السياب وحاوي وأدونيس، حيث كانت الأسطورة من أهم الأدوات الفنية التي ساهمت في تطوير القصيدة، وكان التأثير من الاحتكاك بالغرب، ومن أبرز المهتمين بالأسطورة: إليوت، وانتقال التأثير إلى العربية يعود لأسباب متعددة، منها أسباب فنية ومنها أسباب إيديولوجية.
وتابع غنيم قائلاً: سيطرت قصيدة التفعيلة سيطرة تامة قبيل وبعد هزيمة حزيران، ومن لا يناصرها فإنه متخلف، أما من يحتفل بها فهو طليعي وتقدمي... وفي مرحلة النصف الثاني من الستينيات حدثت هزيمة حزيران، وانتقل الانكسار السياسي إلى قلوب الشعراء وقصائدهم، فأخذت الطاقة الانفعالية دور الصورة، وأصبح من أولويات القصيدة أن تتواصل مع الآخرين، وتوصل رسالتها المعرفية والاجتماعية... أما مرحلة السبعينيات فقد سادتها حيرة فكرية وفنية في أنماط الشعر، لكن قصيدة النثر تقدمت كثيراً، وإن لم تستلم الساحة، لكن حضورها كان قوياً، وخاصة عند الماغوط، أبرز ممثليها في سورية.
وبيّن غنيم أن غالبية «السبعينيين» توقفوا إذ لم يجدوا من يهتم بهم، باستثناء نزار بريك هنيدي وعبد القادر الحصني، أما في الثمانينيات والتسعينيات، فقد ظهر شعراء جدد، منهم صقر عليشي.
اختلف أغلب المتداخلين مع الدكتور غنيم، وخاصة فيما يتعلق بعدم وضوح منهجه، حيث ينتقل من المجتمع والسياسة إلى الآليات الفنية، وبشكل متكرر وغير مؤرخ بدقة، ومما زاد في الطنبور نغماً أنه كان يقرأ محاضرته ثم يشرحها، مما ضاعف وقتها دون جدوى، وكذلك فإن حديثه عن شعراء السبعينيات واقتصاره على تناول د. نزار بريك هنيدي وعبد القادر الحصني، لم يكن منصفاً للآخرين، وكذلك الأمر حين ذكر شعراء الثمانينيات والتسعينيات.
التحولات الجمالية في الحداثة الشعرية وخطاب الحب
وعند التاسعة مساءً، انعقدت محاضرة الساعة الثامنة والنصف، متأخرة نصف ساعة عن التوقيت السائد للمحاضرات، وبدلاً من المحاضر الواحد، كما هي العادة، كان هناك محاضران أولهما د. هايل طالب، الذي تحدث عن «خطاب الحب في الشعر الأنثوي والذكوري» إلاّ أنه ركز على الجزء الأول من العنوان، أي خطاب الشاعرات فقط، تاركاً خطاب الشعراء إلى فرصة أخرى، فهل استطاعت الشاعرات إخراج خطاب الحب من القديم إلى الجديد؟!.. ويجيب بأن الشاعرات بقين في السياق الثقافي والاجتماعي، فيما نحا الشعراء نحو أسطرة الأنوثة كقيمة فنية، ثم يتحدث عن أنماط قصيدة الحب عن الشعراء، وهي: النمط القائم على الحب اليومي، والنمط القائم على الغنج، وقصيدة التعمية واللعب اللغوي، هي النمط الثالث، والنمط الرابع: قصيدة الصدى، والنمط الخامس قصيدة البوح.
وتحدث ثاني المحاضرين، الدكتور سعد الدين كليب عن «التحولات الجمالية في الحداثة الشعرية في سورية» فقال: دعونا نؤكد أولاً أن السمة في الحداثة الشعرية العربية هي سمة التحول، فلا يمكن الحديث عن حداثة واحدة، وهي تنتقل من مرحلة إلى أخرى.
وأضاف كليب: لقد اختارت الحداثة مفهوم الحرية لتبني مفهومها للجمال، ولم تبنِ أنموذجاً واحداً للحداثة، إنما بنت ثلاثة نماذج حداثية: الأول: النموذج البطولي، والثاني: النموذج العذابي، والثالث: النموذج الحيوي، فالنموذج الأول احتوى الإيديولوجية الثورية الشمولية، وقد توزع هذا النموذج الاستثنائي على نمطين: البطل المخلّص لا منتمياً «مهيار الدمشقي» والبطل الفرد المنتمي «بو علي شاهين لمحمد عمران»، أما النموذج الثاني فهو: العذابي المغترب «نزيه أبو عفش» فيما النموذج الثالث: الحيوي «صقر عليشي» واختتمت الندوة بالحوار الذي أعقب المحاضرتين.