«يقول باحث علم الاجتماع الإنكليزي "كروس": إن للغنائية، كقاعدة عامة، صفة الأثرة المتفردة، فالشاعر يغني أفراحه وألامه الشخصية، ولا يتكلم عن مصير أقرانه إلا نادراً، فالبحث عن اتصاف الفن بالصفة الاجتماعية ينبغي طلب ذلك بالصفة الجمعية لتنظيمه الباطني، لتقنيته، أوإذا شئنا، للعواطف الجمالية بالمعنى الصحيح التي ينبع منها، لقد ابتدع الفنان التشكيلي "جورج شمعون" عالماً بصرياً غريباًَ بأشكال دخانية، وخطوطٍ هلامية ساكنة سكون النواميس وهادئة هدوء الحق، تبعث في نفسك راحةً لتصغي لموسيقا دواخلك، تدعوك للولوج فيها مدركاً غنى مفرداتها المستقاة من الأساطير السورية القديمة، والرقش العربي وانسياب الخط بحرية تامة، وانزياحات لونية لتغدو شكلاً من أشكال الخطوط، التي تذكرنا بمرونة الخط العربي، لقد موسق "جورج شمعون"، لوحته تماماً مثلما فعل "هنري دي تولوز لوتريك"»، هذا ما قاله الفنان التشكيلي "سموقان" بتاريخ (29/10/2008) لموقع eRaqqa، لدى سؤاله عن تجربة الفنان "جورج شمعون".
أما الدكتور "أحمد العيسى" المهتم بالحركة التشكيلية السورية، فقد قال: «يعتمد الفنان "جورج شمعون" اللون الأبيض في شخوصه، وهذا ما يتفق مع المرحلة التأثيرية في فن التصوير الأوروبي، لأننا مثلما نعرف أن اكتشاف ألوان الطيف أوصل علماء الألوان إلى قناعة بأن اللون الأبيض هو المعادل السحري لبقية الألوان، فهو بهذا النهج استطاع التحرر من الثوابت اللونية للمدرسة الكلاسيكية، كما استطاع توظيف اللون الأبيض كمعادل يتماهى ويحرك إيقاع بقية الألوان، ونجده يصل إلى حد من التروحن الفني لأنه يقدم عناية خاصة بالاشتغال في فضاءات التفاصيل الصغيرة، التي تضفي ديناميكية خاصة على البناء المشهدي الصارم في ظاهره، المتنوع في تفاصيل أبعاده وهذا بالذات نراه في أغلب أعماله فهو يضبط البناء الأول دون فذلكة وتخبُّط، ثم يبدأ في اشتغالاته المفتوحة المموسقة على انسيابية الخط وتفاصيل التفاصيل، مما يحيل بعض أعماله الجزئية جداً في موضوعاتها، إلى مدهشات بصرية وجمالية، يقال أن الفنان التشكيلي الجيد هو الفنان الذي يمتلك أدواته، لكني أرى أن الفنان "جورج شمعون"، كان أكثر استغراقاً في تدريب يديه على حساسية الملامسة لسطح اللوح، فهو بذلك يستدعي الحواس البصرية ممعناً في الاستماع إلى موسيقا الوجود، الأكثر شمولاً من موسيقا السماع الاعتيادي، فهو بذلك يستنفذ دربة الجسد والروح معاً، ذاهباً إلى عوالم الخيالات الجامحة، مماهياً بين الحرص والتحرر المرئي واللامرئي، بل المعقول والممكن افتراضياً، وحتى نوضح معنى موسيقا الوجود مثلما وردت على لسان الدكتور "عمر عبد العزيز" حيث يقول: «موسيقا الوجود هي ذلك النبع الشامل للمعادل البصري المتوازن للفن، بوصفه مقاربة ابداعية تمايث الموجود وتنزاح بالقلوب والأفئدة صوب المدى المفتوح، والبرزخ هو الجامع بين الثنائيات التي تبدو متباعدة، لكنها في الحقيقة تتحرك ضمن معادلتي الانفصال والاتصال، المحكومتين بالبرزخ اللامرئي أو بتلك القوة الغامضة، التي تجعل من الاثنين واحداً، والاثنين جمعاً فمن لا يرى في الواحد جمعاً، يكون قد اختصر نفسه في حدود قدراته الظاهرة البسيطة، ومن يستجلي الكلي من خلال الجزئي، منحه الله بصيرة نافذة وقدرة على إدراك التنوع في الواحدية والثنائية».
في الحقيقة لقد أنهيت معرضاً ثنائياً أنا والفنان التشكيلي المتميز "علي الأسد" سنقوم بعرضه في مدينة "الرقة" و"حلب" و"دمشق" والإمارات العربية، والآن أنجز معرضاً فردياً، أستلهم أفكاره على مبدأ علم الجمال المقارن، من أشعار "أدونيس" والشاعر الدكتور "إبراهيم الجرادي" والشاعر الدكتور "أحمد الحافظ"، و"ابراهيم الخليل"، وسيعرض هذا المعرض في جميع المحافظات السورية، وسيطبع في كتاب مترجم لأكثر من لغة
فلقد استطاع "ابن حزم الأندلسي" أن يؤلف من كلمة باب، مخطوطاً كاملاً في حالات السلوان والبين والضنى....الخ، وكذلك الشاعر اللبناني "جوزيف حرب" الذي استخرج من كلمة باب في مجموعته الشعرية أكثر من ألف حالة، أما "جورج شمعون" فاستطاع أن يقيم معرضاً فردياً، عنوانه أبواب عرض في صالة "الخانجي للفنون" لعام/2003/ فازت إحدى لوحاته بالجائزة في معرض الـ "موفي آرت" في ايطاليا عام/2003/ فالموسيقا الكلية والبرازخ المعنوية الدلالية لها شأن هام في لوحة الفنان "جورج شمعون" كما أن الفراغ عنده لا يقل شأناً عن ذلك».
ولدى سؤال الفنان "شمعون" عن اهتمامه بالفراغ في اللوحة التشكيلية، أجاب: «إن الفراغ رديف التأمل بالمفهوم البوذي، ورديف الامتلاء بالمعنى "التاوي" الصيني، ورديف الترقِّي بالمعنى الغنوصي المسيحي والصوفي الإسلامي، وكل توصيف سابق يستحق وقفة حتى نرى أهمية الفراغ بوصفه معادلاً لا مرئياً في الفنون البصرية، ففي التراث المسيحي والإسلامي، حِفْظُ الكتب السماوية على ظهر قلب، يفتح فراغاً لاستيعاب المعلومة والماء والهواء تلك العناصر الأثيرية النبيلة، التي يحرص التصوير الصيني على إعطائها هامشاً واسعاً في اللوحة، ليس لكونها تعبرعن الامتلاء الحقيقي فحسب، بل لأنها تفسح المجال لإظهار جماليات العناصر الطبيعية الأخرى، وهنا أتذكر ما قرأته في كتاب قسطنطين باوستوفسكي، عن الفنان التشكيلي "ليفيتيان" بأن معلمه "سافرا سوف" ظل أكثر من عشر سنوات يوبخه عن أعماله بأنها خالية من الهواء، فاللوحة تحتاج دائماً إلى متنفس هو الهواء، بقي أن أختم مع الناقد الفرنسي "شارل لالو" في كتابه الفن والحياة الاجتماعية، بأنه من الوهم الكبير الاعتقاد بأن التخيُّل العفوي للشعب يجعله يعنى بذاته وبحياته المميزة، وإنما ترمي الحاجة الأولى والوظيفة الطبيعية لهذا التخيل ـ على العكس ـ إلى انتزاع الشعب حياته اليومية التافهة وحمله إلى عالم آخر مغاير فاتن قدر المستطاع، فالجمهور الشعبي لا يدهش عادة إلا من الرسوم أو القصص التي تحدثه عن عالم يعرفه أقل معرفة».
وعن نشاطاته المستقبلية تحدَّث الفنان "شمعون" قائلاً: «في الحقيقة لقد أنهيت معرضاً ثنائياً أنا والفنان التشكيلي المتميز "علي الأسد" سنقوم بعرضه في مدينة "الرقة" و"حلب" و"دمشق" والإمارات العربية، والآن أنجز معرضاً فردياً، أستلهم أفكاره على مبدأ علم الجمال المقارن، من أشعار "أدونيس" والشاعر الدكتور "إبراهيم الجرادي" والشاعر الدكتور "أحمد الحافظ"، و"ابراهيم الخليل"، وسيعرض هذا المعرض في جميع المحافظات السورية، وسيطبع في كتاب مترجم لأكثر من لغة».
ويذكر أن الفنان التشكيلي "جورج شمعون" ولد في مدينة "رأس العين" التابعة لمحافظة "الحسكة" عام /1957/، وانتقل عام/1972/ ليعيش هو وأسرته في مدينة "الرقة" كما أقام لمدة سبع سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية والسويد والدانمرك من عام /1988/ إلى عام /1994/، ثم عاد إلى مدينة "الرقة"، ومن المحطات المهمة في مسيرة حياته الفنية اقتناء متحف "آرت إنستيوت" في أمريكا لوحة زيتية من لوحاته عام /1990/، والمتحف فيه مقتنيات لمشاهير الفن في العالم مثل" بيكاسو" و"غوغان" و"فان كوخ"، ومعظم أعماله مقتناة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبارغواي والسويد والدانمرك وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واستراليا وكوريا، إضافة للعديد من الدول العربية.
بقي أن نشير إلى أن الفنان "جورج شمعون" عضو تجمع فناني "الرقة" عام /1979/، وعضو نقابة الفنون الجميلة عام 1983، وعضو مجلس إدارة نقابة الفنون الجميلة- فرع "الرقة" عام /1984/، وأقام المعارض التالية: معرض فردي في "الرقة" عام 1979، ومعرض ثنائي مع الفنان "زاهي عيسى" صاحب غاليري جاك (إيطاليا)، ومعرض تحية للندوة الدولية لتاريخ الرقة وإحياء آثارها عام /1981/، ومعسكر فناني القطر في مدينة الثورة عام /1984/، ومعرض تحية لانطلاقة الثورة الفلسطينية "دمشق" عام /1984/ ومعرض فردي في الولايات المتحدة الأمريكية "شيكاغو" عام /1989/، و"لوس أنجلوس" عام /1990/، وفردي في "الرقة" / 1994/، ومعسكر فناني "الرقة" في ثقافي "الرقة" عام /2000/، ومعرض فردي مجازر الأرمن في مدينتي "الرقة" و"الثورة" عام /2001/، معرض فردي (نصوص إبراهيم الخليل) في "الرقة" و"الثورة" عام 2002، ومعرض فردي (أبواب) في "حلب" و"الرقة" و"الثورة" عام /2003/، ومعرض فردي نصوص مختارة في "الرقة" و"الثورة" عام /2004/، ومعرض فردي (كيف تبتدئ القصيدة لونها الراعش) في "حمص" و"الرقة" و"الثورة" عام /2005/، ومعرض فردي في مدينة "السلمية" عام /2006/، ومعرض فردي في مدينة "شيكاغو" عام /2006/، وهو مشارك دائم في جميع معارض متحف "طه الطه".