«يعدُّ الفنان "محمود غزال" واحد من الفنانين الرقيين الذين استطاعوا أن يجدوا لهم موطئ قدم في ساحة الفن التشكيلي السوري، وذلك من خلال امتلاكه للعديد من العناصر الفنية الفريدة، فهو فنان لديه خاصية في استخدام اللون تميزه عن غيره من الفنانين، كما أن معظم الموضوعات التي تناولها في أعماله، تخلق حالة من الروحانية لدى المتلقي.
سيما وأن النزعة الصوفية التأملية تطغى على جلِّ أعماله الفنية، وقد جسدها من خلال لوحاته الأخيرة، التي ركزت على رقصة "المولوية"، حيث تناولها بشفافية لونية آسرة، تعكس حالة من الروحانية التي تفيض جلالاً».
اخترتُ الفن كامرأةٍ اخترتُها لذاتها، وليس للمهر الذي ستجلبه معها
هذا ما قاله الفنان التشكيلي "محمد العكلة"، في معرض حديثه عن تجربة الفنان "محمود غزال".
موقع eRaqqa وبتاريخ (12/9/2009)، زار الفنان "غزال" في محترفه الخاص، وأجرى معه الحوار التالي:
** لا بد لكل مشتغلٍ جادٍ في مجال الفن التشكيلي أن يمر بمراحل عديدة، ومنها الدراسة الأكاديمية لتقويم النظر والخط على الأسلوب الكلاسيكي، ثم تأتي مرحلة الواقعية التسجيلية، والواقعية الانطباعية، وعلاقتها باللون الذي اختمر في ذاكرة الفنان خلال بضعة سنوات، وفي مرحلة متقدمة يتأثر الفنان بالتعبيرية والرمزية وقد يشتغل عليها، ويتأثر بالسريالية والعديد من المدارس كالدادائية والتكعيبية، وأنا شخصياً وخلال عملي الفني، مررت بكافة هذه المراحل، عدا المدارس الثلاث الأخيرة.
** في البداية كأي هاوٍ تأثرت بالانطباعية و"التنقيطية"، ورسخت في ذاكرتي أسماء عديدة، كـ"بول سيزان"، و"مانيه"، و"بيسارو"، و"فان غوخ". أما عن سرُّ تأثري الكبير بهذه المدارس، أولاً لأن الانطباعية أقرب إلى النفس، من حيث جمالية الشكل وتمازج اللون، ثانياً "التنقيطية" هي بداخلنا منذ الأزل، وقد نسبها الأوروبيون لأنفسهم، وأحدثوا لها تسمية جديدة، وهي نفسها الفسيفساء العربية، الموجودة منذ الألف الثالث قبل الميلاد، حيث اكتشِفَ جزء منها في "تل البيعة" في محافظة "الرقة".
هذا على مستوى المؤثرات البعيدة، أو لنقل المرئية، من خلال الصور الفوتوغرافية، والقراءات التاريخية، أما المؤثرات القريبة، فهي البيئة التي أعيش فيها، فالطبيعة الفراتية شيء لا يوصف، وقد أصبح هناك عشق روحاني بيني وبين النهر، الذي أبوح له بكل أسراري، فيمنحني عظمة اللون بعد أن أستأذن سنابل القمح التي تتمايل طرباً لنسيم الصبح، الذي يحمل رائحة "الهال" لعمق الوادي، فتستيقظ قبل خيوط الشمس.
يحدثني النهر في كل جلسة عشق عن حضارة جديدة، تغفو على ضفاف "الفرات"، ويحثني على إظهارها، وربط جذورها بالحاضر، من أجل التواصل والاستمرار، وإيصال الرسالة الإنسانية بقوة تجابه كل الأسلحة.
** إن التجمعات الفنية ظاهرة حضارية، وتجمع "توتول" كان تجمعاً ناجحاً حقق حركة نشطة، وحافزاً لبعض الشباب الذي تكاسل فترة من الزمن، وفتح آفاقاً وآمالاً جديدة لدى بعض هواة الفن التشكيلي، وأتمنى من كل قلبي أن يستمر هذا التجمع، وأن يكون دافعاً لخلق تجمعات أخرى، لكي يكون هناك تنافس حضاري بين هذه المجموعات التي تعمل على إيصال رسالة الفن الإنسانية السامية، وأودُّ أن أشير هنا إلى أن تسمية "توتول"، هي الاسم القديم لمدينة "الرقة"، والذي يعني "الأرض المعطاء".
** اللوحة البيضاء صدمة للوهلة الأولى، وهي في كل مرة امتحان جديد لطالب مجتهد، هذا يعني أن القلق والتردد يساور الفنان في كل لحظة أمام هذه الهالة البيضاء الرهيبة، لماذا؟ لأن اللون الأبيض هو أنقى الألوان، وهو يمتزج مع كل الألوان، لذلك يكون شفافاً لأبعد الحدود، وهذه الشفافية لا تستطيع أن تخترقها أو تغير من لونها، إلا إذا أفرزت فكرة ولوناً أقوى من الأبيض، وبذلك تكون المعادلة أنك تتمتع بشفافية اللون الأبيض، وهذه هي الحقيقة، لأن الإنسان مخلوق من الروحانية، ولا يمكن أن يمتزج اللون الأبيض لهذه الروحانية، إلا إذا امتزج فيه نَفَسٌ إنسانيٌّ.
** هذا المقولة صحيحة، لأنه لا يمكن مقارنة المادة بالروح، فإذا امتزجت المادة بالروح فسدت الروح، وأصبحت أقرب إلى الدونية من العلو والتسامي، وأنا اخترت الفن لأنه يهذب نفسي، ويجعلني أتعامل مع الآخرين بشفافية عالية، فكيف إذا كان نظيرك، وهو النصف الآخر المكمل لأحاسيسك ومشاعرك، وأبوح لكم بسر، وهو أن إنجاز اللوحة الفنية، وإتمامها على أكمل وجه، يمنح الفنان لذة روحية لا توصف، وهي أمتع من لذة الجسد بآلاف المرات.
** إن أي متتبع لأمور الفن يستطيع أن يقرأ المشهد الفني التشكيلي في محافظة "الرقة" على أنه مشهد حقيقي مفعم بالحيوية والنشاط، متميز بإنتاجه الكمي والنوعي، قادرٌ على إثبات وجوده في الساحة الفنية التشكيلية، لكنه يحتاج لدعم من الإعلام، وتسليط الضوء على فعالياته ليكون موازياً للأدب والشعر والموسيقى، وغيرها من الفنون.
أما لناحية تطويره، فالتطوير إما أن يكون فردياً، وذلك يتم تلقائياً من خلال متابعة الفنان البحث العلمي والتجريب، وإما أن يكون جماعياً أو عاماً، وذلك هو الأفضل، وهو دور مناط بمديرية الثقافة ونقابة الفنون الجميلة في المحافظة، فمثلاً يمكن إقامة المعارض بشكل دائم، من خلال جعلها تترافق مع جميع الفعاليات الأدبية والفنية والعلمية التي تقيمها مديرية الثقافة، سيما وأن جميع الفنون من أدب وشعر وموسيقى وغيرها، تشكل فيما بينها وحدة متكاملة، وتسعى لتقديم كل ما هو جديد للارتقاء بالإنسان نحو حياة مليئة بالحب، قريبة من نقاء الروح تعمل على أنسنة كل شيء.
بالإضافة لاقتناء بعض أعمال الفنانين المميزة، من قبل الجهات المسؤولة، ونشرها في جميع دوائر الدولة، وهذا يعطي دفعاً للفنان ويشعره بالتواصل، ويحثه على تقديم الأفضل، كما يخلق حالة من التنافس الفني، الأمر الذي يؤدي ـ دون أدنى شك ـ إلى وصول الفنان لمرحلة الإبداع والخلق.
والجدير ذكره أن الفنان "محمود غزال" من مواليد "حلب" عام /1967/م، تخرج من مركز الفنون التشكيلية في "الرقة" عام/1984/م، وهو عضو نقابة الفنون الجميلة في سورية، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، عضو مؤسس لجمعية الخط العربي، والأعمال الفنية الشرقية في "الرقة"، عضو مؤسس لتجمع "توتول"، عضو الاتحاد الرياضي العام، وأمين سر اللجنة الفرعية لرياضة المعوقين في "الرقة"، أقام /11/ معرضاً فردياً في مختلف المحافظات السورية، وشارك في العديد من المعارض الجماعية، ولديه مجموعة كبيرة من اللوحات المقتناة في العديد من دول العالم.