«قيل إن الصورة تعبر عن ألف كلمة..، هذه هي القاعدة التي يتكأ عليها رسام الكاريكاتير الذي يستطيع من خلال رسوماته تكثيف أفكاره ووجهات نظره ليخاطب بها أكبر شريحة من الجمهور، على اختلاف أطيافه وثقافاته وميوله، في الوقت الذي قد تعجز فيه المقالة عن تحقيق هذه المعادلة الصعبة، فبساطة لوحة الكاريكاتير، وعمق دلالتها وخفة ظلها، جعلت هذا الفن من أكثر الفنون قرباً لنفس المتلقي وأكثرها تعبيراً عن نبض الشارع».
هذا ما قاله رسام الكاريكاتير الرَّقي "مصباح دروبي" لموقع eRaqqa بتاريخ (15/10/2009)، والذي راح يحدثنا عن بداياته الفنية وتجربته الرائدة في فن الكاريكاتير، خاصة وأنه يعتبر أول من تخصص في هذا النوع من الفن في مدينة "الرقة"، حيث يقول: «أعتقد أن تجربتي مع الكاريكاتير لم تأتِ صدفة، بل مرَّت بمراحل عدة، فإذا كان لكل فنان أسلوبه الخاص، والذي ربما يتبدل نتيجة لحدث طارئ، فأنا أعتبر التبدل الحقيقي كان في عام / 1997/م حينما اقترح عليَّ صديقي الفنان النحات "أيمن ناصر" أن أرسم لوحة كاريكاتير على أن يقوم هو باقتراح فكرتها، واتفقنا على أن نعرضها في معرض فناني "الرقة" الذي أقيم في نفس العام، وبالفعل فقد شاركت بلوحة بعنوان "المستخدم"، وقد لقيت استحسان الجمهور، الأمر الذي شجعني على نشرها في أكثر من مجلة ودورية عربية، وتتالت بعدها الأعمال منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.
إن فن الكاريكاتير يعتبر عندي قيمة جمالية، لأنه يعتمد على الحركة والخط المرسوم بدقة والفكرة، ويجب أن يكون هناك توافق بين الشكل والمضمون، والحقيقة أن رسام الكاريكاتير يشبه بأعماله المخرج الذي يكون بارعاً في توزيع الأدوار على الممثلين، ويعجبني هنا رأي لرسام الكاريكاتير المصري المعروف "مصطفى حسين" عندما سُألَ عن فن الكاريكاتير حيث قال: «الكاريكاتير هو وسيلة نقد فنية أشبهها بالمضاد الحيوي، صغيرة الحجم وتحتوي على مفعول قوي جداً، يمكن أن يصل إلى المثقف والشخص ذو التعليم البسيط، كما أنه لا يستغرق وقتاً في عصر القراءات المهولة الذي نعيشه، فهو مثل الكبسولة الفعالة، ويزيد عليها أنه مبتسم
بيد أن البدايات الأولى تعود بجذورها إلى عام /1980/م، حيث كنت آنذاك أكتب بعض القصص القصيرة للأطفال، والتي تم نشرها في أكثر من مجلة للأطفال، وقد سحرتني الرسومات التي كان يقدمها الفنان الكبير "ممتاز البحرة" في مجلة "أسامة"، وكانت البداية عندما بدأت أقلد رسوماته ورسومات غيره من الفنانين، أمثال الفنان "علي فرزات"، والشهيد "ناجي العلي" وغيرهم، حتى كان عام /1994/م عندما انتسبت لمركز الفنون التشكيلية بـ"الرقة"، وقد أشرف على تعليمي كلاً من الفنانين "فواز اليونس" و"أيمن ناصر" الصديق الذي شجعني للمضي قدماً في هذا الفن، والذي فتح لي قلبه قبل مرسمه، له مني جزيل الشكر والمحبة.
فيما بعد سافرت إلى مدينة "دمشق"، وهناك نشرت معظم أعمالي في الصحف التي تصدر فيها، كما جمعتني علاقة صداقة مع عدد كبير من الفنانين، وعلى رأسهم رسام الكاريكاتير "ياسين الخليل"، الذي شجعني بدوره على مراسلة الصحف العربية، وهكذا أصبح الكاريكاتير صديقي الدائم، ولا أنسى أبداً أن أشكر مدينتي "الرقة"، التي عشت وترعرعت وتعلمت فيها، والتي احتضنت أعمالي الأولى عبر جريدتها "الرافقة" وكذلك جريدة "الفرات"».
وعن رؤيته الخاصة لهذا النوع من الفن، يتحدث الـ"دروبي" قائلاً: «إن فن الكاريكاتير يعتبر عندي قيمة جمالية، لأنه يعتمد على الحركة والخط المرسوم بدقة والفكرة، ويجب أن يكون هناك توافق بين الشكل والمضمون، والحقيقة أن رسام الكاريكاتير يشبه بأعماله المخرج الذي يكون بارعاً في توزيع الأدوار على الممثلين، ويعجبني هنا رأي لرسام الكاريكاتير المصري المعروف "مصطفى حسين" عندما سُألَ عن فن الكاريكاتير حيث قال: «الكاريكاتير هو وسيلة نقد فنية أشبهها بالمضاد الحيوي، صغيرة الحجم وتحتوي على مفعول قوي جداً، يمكن أن يصل إلى المثقف والشخص ذو التعليم البسيط، كما أنه لا يستغرق وقتاً في عصر القراءات المهولة الذي نعيشه، فهو مثل الكبسولة الفعالة، ويزيد عليها أنه مبتسم».
وأنا شخصياً أسعى جاهداً لكي أصل بأفكاري لجميع الناس، ويسعدني كثيراً لقائي بعضهم وهو يتحدثون عن أعمالي، ويناقشوني فيما أقدمه من لوحات، فالهموم واحدة، وعلى الفنان أن يمتلك القدرة على التعبير عن هموم أكبر شريحة من الناس، وأن لا يُحكم بنمطية و سلوكية معينة، وأن يتعاطى مع الحاضر والمستقبل بواقعية أكبر.
أتذكر أنني شاهدت رسماً أسعدني لفنان كاريكاتير انكليزي، فقد كان واقعياً وشجاعاً حينما رسم رئيس الوزراء الإسرائيلي المجرم "شارون" وهو يلتهم طفلاً فلسطينياً بشراسة، فتابعت أعماله في صحيفة "الإندبندنت" فكان بحق رسام منصف، وقف مع القضية الفلسطينية موقف رجل شجاع، رغم عداء ومحاربة الجمعيات اليهودية له، والأمر نفسه تكرر مع رسام الكاريكاتير البرازيلي "لاتوف"، الذي ساند من خلال لوحات عديدة الشعب الفلسطيني في "غزة"».
وبسؤاله عن المقومات التي يجب توافرها في رسام الكاريكاتير الناجح، يحدثنا الـ"دروبي" بقوله: «برأيي أن هناك عدة شروط يجب أن تكون مجتمعة في شخص رسام الكاريكاتير كي تقوده في النهاية إلى النجاح، ولا يمكن الاستغناء عن شرط منها في أي حال من الأحوال، وفي مقدمتها تأتي الثقافة والإطلاع على تجارب الآخرين، فالرسام الذي يودُّ مخاطبة كافة شرائح المجتمع، سواء أكانت هذه الشريحة مثقفة أو غير ذلك، يجب أن يكون مسلحاً بذخيرة ثقافية كبيرة، تساعده على تجسيد أفكاره التي يود التعبير عنها، سيما وأن عنصر الإسقاط التاريخي أو الأسطوري من أهم دعائم هذا النوع من الفن، كما أن الرسام غير المثقف سيأتي عليه حين من الزمن، يجد فيه أنه قد استنفد كل ما في جعبته من أفكار، وسيضطر لاجترار نفسه، وسيقع أخيراً في مطب السطحية والسخافة.
أما الشرط الثاني فهو امتلاك موهبة الرسم والتي تعتبر هي الحامل أو الوعاء لما لدى الرسام من أفكار، فالأفكار كما يقال على قارعة الطريق، لكن الأهم من ذلك هو القدرة على تجسيد هذه الأفكار في صيغة جميلة ومقنعة وتحترم ذوق المتلقي، وهذا الشرط لا يتأتى إلا بالدراسة العلمية لفن الرسم.
أما الشرط الثالث ـ وهو تحصيل حاصل ـ فيجب على رسام الكاريكاتير أن يكون متابعاً جيداً لكلِّ ما يدور حوله في هذا العالم من أحداث وقضايا، وخاصة تلك التي تمس مجتمعه، وأن يمتلك كذلك مواقف ثابتة يدافع عنها، كما يجب أن يكون لديه قدرة هائلة على رصد نبض الشارع وانفعالاته».
والجدير ذكره أن الفنان "مصباح دروبي" من مواليد مدينة "دير الزور" عام /1970/م، وهو يعيش في مدينة "الرقة" منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين. وقد عمل رساماً للكاريكاتير في العديد من الصحف المحلية والعربية وأهمها: جريدة "الهدف" الفلسطينية، وجريدة "شبابيك" التي تصدر في "مالطا"، وجريدة "النضال الرياضي"، وجريدة "الاتحاد الرياضي"، وجريدة "الأسبوع الرياضي"، وجريدة "فوانيس" الصادرة في "لندن"، ومجلة "القارئ" الصادرة في كندا، وجريدة "الاتجاه الآخر" التي تصدر في هولندا.
وهو عضو اتحاد الصحفيين في "دمشق"، وعضو هيئة تحرير في جريدة "النضال" الصادرة في دمشق وعضو هيئة تحرير جريدة "فوانيس".