شهدت محافظة "الرقة" في سبعينيات القرن العشرين نهضة ثقافية متميزة، أفرزت أسماء كبيرة، سجلت حضوراً لافتاً في المشهد الثقافي السوري، وبرزت أسماء "سامي حمزة"، و"إبراهيم الخليل"، و"خليل جاسم الحميدي"، و"عبد الله أبو هيف" في القصة والرواية، وفي الشعر برز اسم "إبراهيم الجرادي"، وعلى صعيد الفن التشكيلي برزت أسماء "طلال معلا"، و"عنايت عطار"، و"أحمد معلا"، و"عبد الحميد فياض".
وسجل المسرح هو الآخر حضوراً هاماً أثرى المشهد الثقافي السوري، وبرزت أسماء مثل "منير الحافظ"، و"خليل الرز"، و"نجم عليان"، و"راتب الغوثاني"، و"مصطفى الحاج"، الذين كانت تعرض أعمالهم في "الرقة"، وتنتقل إلى المحافظات الأخرى للمشاركة في المهرجانات واللقاءات الفنية.
الإخراج المسرحي يعطيني فضاءً مسرحياً أوسع وأشمل، وارى نفسي ملكاً مسيطراً على مقدرات هذا الفضاء المتجلي فوق خشبة المسرح.. التمثيل نقطة في بحر الإخراج، وبرأيي يجب أن يكون المخرج المسرحي ممتلكاً لموهبة التمثيل قبل كل شيء
في هذا الجو الثقافي، المشحون بالنشاط، والمفعم بالحيوية، برز اسم "نجم عليان"، كأحد أهم المسرحيين في "الرقة"، على صعيد التمثيل والإخراج، وللتعرف على المزيد من ملامح هذه الشخصية الفنية، التقاه موقع eRaqqa بتاريخ (1/7/2009)، فتحدث بداية عن طفولته، وولعه بالمسرح الذي بدأ مبكراً، قائلاً: «ولدت في مدينة "الرقة"، عام /1957/، ودرست في مدارسها، وبدأ ولعي بالمسرح مبكراً، وكانت أول مشاركة لي مع شبيبة الثورة في عام /1969/، وكنت أحد العناصر البارزين في مسرحية "مجلس عدل"، من تأليف الكاتب الكبير "توفيق الحكيم".
بعد ذلك استهوتني المسألة كثيراً، وأصبح المسرح يشكل هاجساً كبيراً في حياتي، بحيث أصبحت أعتقد أنني جزء رئيسي من المسرح، إلى حد أنه أبعدني عن أهلي أيضاً، وعن أترابي في الحي أو المدرسة. ثم بدأت كل قطعة من المسرح تحاكي فيّ جانياً من حياتي، وتشكل معنىً جديداً لحياة جديدة، وفضاء أكثر اتساعاً..
باختصار المسرح هو حب من نوع آخر، يضاهي حب الرجل للمرأة.. المسرح هو الرابط الأكثر حياة وحيوية بالنسبة لي، حيث تلغى الحدود، وتلتقي فضاءات النفس التائهة، وتتحرر الذات من الغواية..».
وعن نظرته إلى المسرح بين اليوم والأمس، يقول "عليان: «رغم توفر كل التقنيات الحديثة حالياً، والتي تساعد على إبراز أدق التفاصيل، فقد ظل المسرح سابقاً أرقى منه حالياً من الناحيتين الأدبية والتعبيرية، وأيضاً كان ما يميز العمل المسرحي هذا التواشج الموجود بين فريق العمل من ممثلين ومؤلف ومخرج وعمال إضاءة وصوت، وكان الصدق والعفوية ما يميز هذه العلاقات، التي تشكل عنصراً هاماً في نجاح العمل المسرحي. أضف إلى ذلك ما تحمله الكتابات من مصداقية، تريد فتح الأبواب الموصدة، عبر فضاءات مفتوحة على الآخر.
ولابد من الإشارة إلى الدور السلبي الذي لعبه التطور التقني الذي شهده العالم مؤخراً في مجال الاتصالات والانترنيت والفضائيات التي غزت البيوت، وهي تحمل ثقافة مستوردة، غير أصيلة، إضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي، ما ساهم في إبعاد الناس عن القراءة أولاً، ثم عن ارتياد المسارح ودور العرض السينمائية، والتي كانت تشكل هاجساً ملحاً للإنسان المثقف، وما يحمله من هموم، يحاول عبر الوسائل المتاحة تجاوزها، وليس الالتفاف عليها، كما يحصل في الوقت الراهن».
ويتحدث "عليان" عن مستقبل المسرح، قائلاً: «أتمنى أن يستعيد المسرح بتكوينه الجديد، مكانته السابقة، ونظرته إلى المفاهيم والقضايا الإنسانية بحيادية، وطرحها بشكل صادق، وبذلك يستعيد شيئاً من بريقه وتألقه، وتأكيد هيبة له في المشهد الثقافي.
وبنظرة جدية ترى بأن الناس متعطشون للمسرح، وهذا ما لمسناه من خلال إطلاق مهرجان "الرقة" المسرحي، حيث شهد حضوراً كبيراً تجاوز المتوقع، كما أن الجلسات النقدية التي أعقبت العروض المسرحية، والتي شهدت إقبالاً لافتاً، أكدت بأن الشارع الثقافي في "الرقة"، يمتلك الأدوات اللازمة لفهم العروض، وآلية تقديمها، وما تحمله النصوص من هواجس وآمال».
وعن نظرته للعمل المسرحي كمخرج، وعلاقته بالمؤلف، يقول "عليان: «أعتبر المخرج المسرحي مؤلف ثانٍ للنص الأدبي، لابد أن تتوفر لديه سمات إبداعية، تبرز العناصر الرئيسية وجزئيات النص، والإضافة الإبداعية تتمثل في إعادة تشكيل النص من جديد، ليكون نصاً جديداً يضاهي ما يجري في الحياة. وهذا يتجلّى أيضاً من خلال الاستفادة من حركات الممثلين، وتعابيرهم، وطبقات الصوت، وتنفيذ الإضاءة، وأعمال الديكور، والموسيقى التصويرية».
وعن الفرق بين التمثيل والإخراج، يقول: «الإخراج المسرحي يعطيني فضاءً مسرحياً أوسع وأشمل، وارى نفسي ملكاً مسيطراً على مقدرات هذا الفضاء المتجلي فوق خشبة المسرح.. التمثيل نقطة في بحر الإخراج، وبرأيي يجب أن يكون المخرج المسرحي ممتلكاً لموهبة التمثيل قبل كل شيء».
وعن مسيرته الإبداعية، يتحدث "عليان"، قائلاً: «منذ عام /1971/ بدأت تتجلّى مسيرتي الإبداعية، ومن أشهر الأعمال التي قمت بأداء أدوار البطولة فيها، مسرحية "عراة على بلاج السياسة"، لـ"منير الحافظ"، و"حمار الشاهر" للأديب السوداني "الطيب صالح"، و"عذابات طائر الرعد" لـ"محمد خير الدين مراكشي"، و"التأرجح" لـ"سامي حمزة"، و"طائر الخرافة" لـ"رياض عصمت".
ومنذ عام /1980/ انتظمت بالعمل في الإخراج المسرحي، إضافة للتمثيل، وتدخلي بأدق تفاصيل الإضاءة والموسيقى، والديكور، وأول أعمالي كان مسرحية "الجمجمة" من تأليف "ناظم حكمت"، ثم تلاه "إدارة عموم الزير" لـ"سامي حمزة"، و"السيمفونية الهادئة" لـ"وليد فاضل". وآخر أعمالي المسرحية إخراج مسرحية "الأغبش" من تأليف مصطفى صمودي، وقدمت في العام الماضي /2008/ ضمن فعاليات مهرجان "الرقة" المسرحي في دورته الرابعة».
مسرح العائلة، هو آخر تجليات الفنان "نجم عليان"، وعن ذلك يقول: «أسست شركة جديدة، حملت اسم "الرقة" للإنتاج التلفزيوني والفني، وهي تتبنى تنفيذ الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، إضافة لتنفيذ أعمال الفيديو كليب لفناني محافظة "الرقة"، وباكورة أعمالها بدءاً من العام الحالي /2009/ تقديم مسرحية الأطفال "الليلة نلعب".
ومسرح العائلة، هو حالة فنية إلى جانب العديد من الحالات الفنية التي تعمل على تنفيذها شركة "الرقة"، ويتوجه مسرح العائلة للأطفال والكبار بنفس الوقت، ومن خلال هذا العمل سنحاول استقطاب الطاقات الفنية، وأصحاب الكفاءات والخبرات السابقة في مجال العمل الفني، ورفدهم بالعناصر والمواهب الشابة، وفي برامجنا مستقبلاً تقديم أعمال جديدة تحاكي عوالم الطفولة، وسنحاول الاتصال بالشركات والمؤسسات الصناعية، للمساهمة برعاية هذا البرنامج».