عندما أزفت ساعة الانطلاق باتجاه "ماري" تخيلت نفسها الأميرة "شبتو" بنت "يارليم" ملك "يمحاض" (حلب) وهي تزف لـ"زمرليم" ملك "ماري"، وعندما اعتلت ظهر القارب البدائي وهو يتهادى على صفحة ماء "الفرات"، استيقظت في داخلها الربة "عشتار"، فكتبت عملها الروائي التوثيقي "قارب عشتار".. انطلق القارب يمخر عباب "الفرات" وهو يحمل أحلام "شبتو" ومحبة "عشتار" وألقها الإلهي، لكن هذه المرة بروح وجسد "فوزية المرعي".
موقع eRaqqa التقى الأديبة الرقية "فوزية المرعي" للتعرف على أبرز محطات حياتها، فتبدأ بحكايتها مع الأدب، وتقول في ذلك: «بدأت الكتابة متأخرة في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، فقد وجدت نفسي فجأة وحيدة، أحمل القلم لأخط على بياض الورقة ما يؤجج داخلي من احتراق، ولتتحول القصائد والقصص إلى أبناء لي، أكرّس جل وقتي في رعايتهم.. هكذا وببساطة شديدة دخلت عالم الأدب من أوسع أبوابه، أتابع نشر قصصي وقصائدي، وأشارك في الأمسيات والندوات الأدبية، وأطبع كتبي على نفقتي الخاصة.. لقد صنعت نفسي بنفسي، وبإرادة قوية مكنتني من وضع قدمي في المكان الصحيح».
بدأت الكتابة متأخرة في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، فقد وجدت نفسي فجأة وحيدة، أحمل القلم لأخط على بياض الورقة ما يؤجج داخلي من احتراق، ولتتحول القصائد والقصص إلى أبناء لي، أكرّس جل وقتي في رعايتهم.. هكذا وببساطة شديدة دخلت عالم الأدب من أوسع أبوابه، أتابع نشر قصصي وقصائدي، وأشارك في الأمسيات والندوات الأدبية، وأطبع كتبي على نفقتي الخاصة.. لقد صنعت نفسي بنفسي، وبإرادة قوية مكنتني من وضع قدمي في المكان الصحيح
الأديبة فوزية المرعي لم تكتفِ باختراق عالم الشعر والقصة والرواية، واحترافه، بل حددت معالم لثيمة لم تكن مطروقة في عالم "الرقة"، فقد صممت على إنشاء منتدى أدبي، لم تطرقه قبل امرأة تعيش في منطقة "الفرات" و"الجزيرة"، وحول تجربتها في إنشاء المنتدى الأدبي، تقول: «يعود تاريخ افتتاح المنتدى إلى عام /2005/، وكان النشاط الأول له عن الصالونات الأدبية في الشرق والغرب. وتلته أنشطة عدة تناولت محاور لم تكن لتطرح إلاّ أمام جمهور نخبوي..
المنتدى حالة من الوعي المتقدم، مكمل للعمل الثقافي المؤسساتي، لكن بخاصية محدودة، فالجمهور نخبوي من المثقفين والمهتمين، والأدباء والنقاد، تجمعهم أواصر الصداقة، والاختلاف الحضاري، فأغلب الأنشطة التي أقيمت في المنتدى أعقبها حوارات عميقة أثرت المشهد الثقافي في المحافظة، ولم يقتصر النشاط على مفكري وأدباء "الرقة" بل تعداها بدعوة كبار الكتاب العرب والسوريين.
أهم الشخصيات التي تناولها المنتدى: تكريم عدد من الشخصيات الاعتبارية في محافظة "الرقة" ومنهم: "عبد الفتاح الصطاف" وزوجته "أديبة الحكيم" أول مربية في "الرقة". و"عيسى العاكوب" المترجم والباحث، عضو مجمع اللغة العربية، والأستاذ في عدد من الجامعات العربية. والشاعر "ممدوح عدوان". وقراءة في عدد من الروايات والمجموعات الشعرية والقصصية، ومنها رواية "سورين" للأديب "محمد رشيد رويلي". ومحاضرة عن الشاعر "محمود درويش"، وعن الشاعرة العراقية "نازك الملائكة"، والشاعر "نزار قباني"، وندوة عن الأبطال الشهداء وعلى رأسهم "جول جمال". وندوة تضامنية عن المناضل العربي "عزمي بشارة"، وعن عيد الجلاء، وندوات تراثية، منها ندوة حول اللهجات الفراتية للباحث "عباس طبال"، وندوة للباحث "محمد الموسى الحومد" حول الموليا الرقية، وندوة تضامنية مع "غزة" أثناء القصف الإسرائيلي العدواني عليها، وأخرى عن المفكر العربي "عبد الوهاب المسيري".
وكان آخر نشاط للمنتدى تكريم الشهيد "جواد آنزور" في نادي "الجمعية الشركسية" في "دمشق"، وقمت بتسليم درع المنتدى للمخرج السينمائي المعروف "نجدت آنزور"، وقدمت محاضرة عن الشركس، وتاريخهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وأسباب تهجيرهم».
أما الشاعر "عبد الناصر حداد"، فيقول:
«هي امرأة أمة من مياه يديها تكون الحياة.
هي امرأة الشجرات لها أخضر الوقت، كينونة الثمرات، هي امرأة أمة من أيادي يديها تفيض الحياة.
على مقعد الريح، أمّارة الريح: كوني على وردة كالحرير على صخرة الموت إعصار نار، على مقعد الماء.
إمارة الماء:
كن شجراً في القفار، على الطين حارس روح أمين، ويأيها الضوء أبحر طويلاً.
هي امرأة تستحق الرحيل إلى غابة النار في موكب من جلال مهيب.
لها الماء
كم أثمرت فوق هذا الخراب
لها الماء.
كم قمر نام في ظلها.. ولها الماء
لا ترتقوا هيكل الطين فيضوا قليلاً
هي امرأة تستحق الرحيل إلى غابة الماء في موكب من شجر».
المحطة الثالثة في حياة "فوزية المرعي"، هي مشاركتها في الرحلة النهرية السنوية "من توتول إلى ماري"، والتي يشارك فيها مجموعة من الأدباء والمفكرين والإعلاميين لرصد الحياة النهرية لوادي "الفرات"، وزيارة المواقع الأثرية، وإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات في محطات عدّة من الرحلة، وعن ذلك تقول: «أجمل شيء في الطبيعة مناغاة النهر للشجر، والشجر للطيور، والطيور للشمس، والشمس للقمر، ما جعلنا نحلق وننسى الألم، ونحتفي بعالم جديد لوادي "الفرات" العظيم، ويظل السؤال يلح: هل ترتقي مسألة حماية النهر إلى مستوى أحلامنا؟ لأن ما أحزنني أننا ننسى أن هذا النهر هو نفسه نهر "الفرات" الذي نراه كل يوم، ونكحل عيوننا به صباحاً ومساءً، لدرجة أنني اعتقدت أني غادرت إلى إحدى المناطق الاستوائية، أو بلاد "الأمازون" بأنهارها وتضاريسها التي نراها بالسينما أو التلفزيون.
"الفرات" مسيج بأساور من شجر، وهذا الشجر تسكنه العصافير والطيور والبلابل الغريبة الأشكال، والليل في "الفرات" جميل ورائع.. والهواء نقي يشفي كل عليل، "الفرات" عالم من السحر والجمال.. يعالج كل شيء، ويضفي الحالة الجمالية على الوجود.. ويمنح الماء الحياة لكل الكائنات الحية ليس فقط للإنسان، لأن "الفرات" رمز العطاء والمحبة، لأنه أينما وجدت قطرة ماء فهناك حياة، وأينما وجدت الحياة يجب أن تتضمن الحرية، لأن الحياة أساسها الحرية، وغير ذلك لا توجد حياة.
في الفرات أشعر بأنني تائهة وسط "حويجة"، "الحويجة" ضمن حوائج أخرى، أتلفت لأجد مساحة فارغة، ولكني لا أجد إلا اللونين الأزرق والأخضر، الأزرق قادم من السماء الذي يعكس تفاصيله على صفحة النهر، والأخضر قادم من الشجر، واللونين يندمجان معاً ليعطيا تفاوتاً مذهلاً من الألوان، التي تشكل هالة من الأفق المفتوح على كل الأشياء.
أمام عظمة الأوابد التاريخية، أكتشف العالم القديم واستدعي قصصه بروعتها، بالقرب من "ماري"، هذه المملكة العظيمة التي شهدت زيارة ملك "أوغاريت" لها، وأيضاً عرس الأميرة "شبتو" بنت "يارليم" ملك "حلب" إلى عريسها الأمير "زمرليم" ملك "ماري"، ولم تقبل الزواج إلى أن شيد لها قصراً عظيماً في مملكة "ماري"، ووفق شروط عدّة.
هي بلدي التي أكتشفها لأول مرة، أكتشف هذا الجمال، الذي يجب أن يلقى الاهتمام الزائد من كل السلطات، وأن يتألق، لأن هذا الجمال مثل جوهرة مدفونة تحت التراب، إذا لم تخرجها، وتنظفها من الغبار، وتعلقها على صدرك، حتى تمنحك جماليتها، وتعرف سرها».
وللتعرف على صوت "فوزية المرعي" الشعري اخترنا لها من قصيدتها "على مقــــام الوجــــد"، التي تقول:
عيناك َمرجان ِمن سندس ٍورفٍ/ كمرتع الشجو يهذي النسكُ بالغزل ِ
وللرئام بُغـامُ كلمــا اقتربــت/ من رعشة الهُدبِ مخضوباً بلا كحل ِ
يا روضُ لو وهـفت صحراؤنا ألقاً/ لانثال منها شذىً من سالف الأزل ِ
آنســتُ عينيكَ محرابـاً ألـوذ بــه/ لو مسّني ضررٌ من خطبه الجلـل.
ومن قصيدة لها كتبتها باللغة الإنكليزية، وترجمتها بنفسها، وحملت عنوان "الحب"، كتبت تقول:
أنـا أفتقـدك..أرغـب رؤيتـك في كل الأوقـات
خاصة عند غروب الشمس.. أو عند شروقها..
أجـدك بيـن قطـرات المـاء.. أو فـي الخمــر
عزيــــــــــــــزي
أعلم أنك حلمــــــي
خاصة عندما يرسم الله وجهك على صفحة السماء..
أو عندمـا تأتلـق كشـمعة بيــن النجــوم والقمـــر...
يذكر أن الأديبة "فوزية المرعي" من مواليد مدينة "الرقة" /1948/، وهي عضو اتحاد الكتاب العرب، وأمينة سر جمعية العاديات في "الرقة"، وعضو في لجنة إحياء المدينة القديمة، تكتب في القصة القصيرة، والشعر، والرواية والبحوث والدراسات الأدبية.