«تتميز تجربة القاص والروائي "محمد الظاهر" بأنها بنيت على أسس إبداعية وجمالية واعية، والوعي هنا يأخذ شكلاً آخر عند "الظاهر"، من خلال بحثه الدائم عن التفرد في طريقة الكتابة، هذه الطريقة الممزوجة بثقافته الواضحة المعالم في أغلب أعماله، وهو روائي جاد في رصده للوقائع وتوظيفها في سردياتها الروائية، وهو يحاول أن يستفرد تجربته بصناعة رؤية تجسد الواقع بدراما روائية وشبكة من الحوارات الدرامية في بنية النص، حيث يلتحم مع البيئة الفراتية في سياق درامي متماسك، يجعل عنصر الأصالة يطفو على سطح أعماله». هذا ما قاله الناقد "خلف المجدَّمي"، في معرض سؤاله عن تجربة "الظاهر" الأدبية.
موقع eRaqqa وبتاريخ (18/10/2008) التقى القاص والروائي "محمد الظاهر" وكان الحوار التالي:
** في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، بدأت أحاول الكتابة وأنا تلميذ في الثانوي، حاولت أن أكتب الشعر تحت تأثري بما قرأت من الشعر العربي القديم والحديث، لكني أدركت أن طريق الكتابة الشعرية لن يوصلني، فقد أدركت بحس خاص أن الرداءة هي الطابع العام لما كنت أكتب، كانت الرغبة في الكتابة تراودني بقوة، بدوافع داخلية وأخرى خارجية، الدوافع الداخلية غير مفسرة، والدوافع الخارجية تعود إلى أنني كنت أحيا وحيداً، أستشعر فراغاً كبيراً في حياتي، لا أملكه إلا بالقراءة، والقراءة في هذه المرحلة لم تكن موجهة من قبل أحد، لذلك كنت أقرأ كل ما يصل إلى يدي من كتب.
وفي منتصف التسعينيات، بدأت قراءاتي تتجه نحو التراث الأدبي والفكري العربي، والأدب العربي الحديث، ومترجمات الأدب العالمي، أعجبت بقصص الراحل الكبير الدكتور "عبد السلام العجيلي" و"يوسف إدريس" وقرأت كل أعمال "نجيب محفوظ" التي كان قد نشرها، وما كتب حولها من نقد، كما قرأت الأدبيات الوجودية والماركسية والكثير من مترجمات الأدب العالمي، وفي هذه المرحلة كتبت قصصاً قصيرة، ونشرت أول مجموعة قصصية وكانت بعنوان (عرس ليلة هادئة)، أما دخولي إلى العالم الروائي فقد جاء متأخراً، حيث كتبت رواية بعنوان (مأساة رجل محترم)، وذلك في عام /2007/، لذلك أقول دائماً للجميع، إنني قد أتيت إلى الكتابة من القراءة، وبعبارة أخرى، لقد تعلمت الكتابة من القراءة.
** ليس من حقي أن أفسر ما قام به الآخرون تجاه أعمالي من مواكبة نقدية، أو احتفاء بشخصي، فهم الأجدر بأن يجيبوا عن هذا السؤال، أما من جانبي، فأنا لم أحرض أحداً على أن يكتب عن عمل من أعمالي، ولم أسعَ يوماً إلى الجوائز، إيماناً مني بأن الجوائز هي التي تأتي إلى الكاتب وليس هو من يسعى إليها، ولم أدفع بجهة من الجهات الثقافية إلى تكريمي، فأنا غارق في مشاريعي الأدبية، ولست ممن يكتبون ويروجون بالدعاية لأعمالهم، إنني بالمناسبة، أشكر تلك الجهات لجهودها الجبارة في تنشيط الحركة الثقافية والأدبية والفنية في محافظة "الرقة"، وأخص بالشكر الأستاذ "حمود الموسى" مدير الثقافة في "الرقة"، الذي له أيادٍ بيضاء على الحركة الثقافية في محافظة "الرقة"، سيظل أثرها باقٍ لأجيال كثيرة.
** لا أهتم كثيراً بمقارنة نصوصي بنصوص أخرى، إنني أرى نصوصي تتشكل أثناء الكتابة، وهي تحمل بلا شك شيئاً من تأثيرات النصوص التي قرأتها سابقاً، وهذا أمر لا مفر منه، لكنني لا أستطيع تصنيفها وأترك هذه المهمة للآخرين، إنما رأيي الشخصي فيها، أنها تحمل من خصائص النص الحديث ما تمليه طبيعة التقنيات الكتابية المستخدمة لكل نص، وهذا أمر يرتبط بباقي أجزاء الرواية ويشكل معها الشكل النهائي لها، فالرواية لا تكفُّ أن تكون أسلوباً يملي اشتراطاته البنائية والفنية.
** في هذه المقولة تعالٍ كبير عن الواقع، فمازالت المضامين التي استخدمتها في روايتي الأخيرة ذات حضور اجتماعي يستطيع أن يدركه كل من ينظر إلى الواقع الحالي، ومن خلال تلك المضامين استطعت أن أشير إلى شبكة من العلاقات المتنوعة التي لا تحتاج إلى كثير من العناء لفهم دلالاتها الإيحائية في النص، ثم أن الموضوع لا يكون مستهلكاً ما لم يتم تناوله بنفس الرؤية لمرات تصلح إلى إطلاق حكم الاستهلاك عليه.
** ليس صحيحاً أنني قد قطعت صلتي بكتابة القصة القصيرة، فهذا الجنس الأدبي القائم على اللحظة، والتكثيف، والشاعرية، يظل دوماً جنساً أدبياً له قدرته على التقاط تفاصيل الحياة اليومية، وقدرته على ربط الصلة بالقارئ، من خلال النشر في الجرائد والمجلات، صحيح أنني انشغلت بكتابة ثلاث روايات في السنوات الأخيرة، لكني مازلت أجد في كتابة القصة القصيرة ذلك الافتنان القديم، ومازلت أخبر إمكاناتها التعبيرية والجمالية، ثم أن كتاب عالميين جمعوا بين هذين الجنسين الأدبيين، كما فعل الروائي العالمي "أرنست همنغواي". والأمر ليس مفاضلة بينهما، فلكل منهما حدوده ووسائطه في التعبير.
ومن الجدير ذكره أن الروائي والقاص "محمد الظاهر"، ولد في مدينة "الرقة" عام /1967/، وهو عضو نقابة المحامين في سورية، له العديد من الروايات والمجموعات القصصية، ومن رواياته، مأساة رجل محترم، وتل الزهور، أما مجموعاته القصصية فهي، عرس ليلة هادئة، وسنابل الصيف المحترقة، ولعل السماء تمطر فرحاً، ولديه قيد الطبع مجموعة قصصية بعنوان: وداعاً يا "بغداد"، وكتاب بعنوان النبوءة والشهوة، وهو دراسة تتحدث عن الأهداف اليهودية في المنطقة والعالم.