"خلف المجدمي" باحث وناقد، يشتغل في حقل النقد أكثر من اشتغاله في حقل السرد، وعليه يمكن أن نقول عنه ناقدٌ جداً وساردٌ أحياناً، وهو نفسه يعترف بهذا، له الكثير من المقالات والمقاربات، والقراءات النقدية حول الكثير من المتون السردية السورية والعربية، كما صدر له كتاب نقدي بعنوان "جماليات الشعر، دراسة نقدية"، موقع eRaqqa وبتاريخ (16/11/2008)، كان له مع الناقد "المجدمي" الحوار التالي، ليحدثنا فيه عن رؤيته الخاصة، لجماليات الشعر:
** الفن حاجة داخلية أولاً وأخيراً، وهو التعبير الحقيقي عن الأحاسيس الداخلية التي تراكمت، وشكلت عبر تراكمها الكمي أحاسيسَ جديدةً غير المتراكمة، وفي هذه الأخيرة يكمن سر الإبداع الفني، يبدو لي أن هذا القول يتفق والمقولة الماركسية، التي تقول: إن التراكم الكمي يؤدي إلى زيادة في الكيف، وعليه فإن هذا الفن يضيف رؤية إبداعية جديدة، تعطي الحياة زاداً وقوة وأملاً وإبداعاً، من النفس، أو الذات المبدعة إلى النفس أو الذات المتلقية، عبر العمل الفني الإبداعي، وفيما عدا ذلك يكون الفن مزيفاً مهما يكن الأمر في فلسفة الإبداع، فإنه قبل كل شيء، له سمة الإبداع، وربما للآخرين فلسفة أخرى لحالة الإبداع.
** يمكن القول إن الجمال والقبح حالة نسبية محل خلاف حولها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن نعول على الجمال والقبح، حالة الخير والشر، أو العكس، وذلك لاختلاف الأساس الذي يقوم عليه المفهوم الأول، عن الأساس الذي يقوم عليه المفهوم الثاني، فالأول يقوم على أساس المنظومة العقلية والأخلاقية أو الفلسفية والدينية، ومن ثم يكون القياس العقلي والمنطقي هو المعتمد في هذا الشأن، في حين أن الثاني يقوم على أساس المنظومة النفسية الداخلية للنفس البشرية، مع الاستعانة بالمنظومة الأولى، أي أن الانعكاس النفسي هو الأساس الذي يقوم عليه الجمال أو القبح، فما أراه جميلاً، قد تراه النفس الأخرى قبيحاً، أو العكس أيضاً، على هذا الأساس يقوم هذا الافتراض، أو هذه الفرضية، بالتالي سيكون لها الأثر الأكثر وضوحاً، والأكثر بروزاً في إسقاط تطبيقاتها على جماليات الشعر والأدب.
** إن القراءة العقلية الصرفة للعمل الإبداعي الفني، تنفي عنه الإسقاطات الذاتية الصادرة عن الذات المبدعة، أو الصادرة عن الذات المتلقية، وعند نفي هذه الإسقاطات يتجرد العمل الإبداعي من الروح، فإن غابت هذه الأخيرة، غابت النفس عن الفن أيضاً، ولهذا لا يمكن قراءة الإبداع والفن بذاته ولذاته لابد من أدوات الاكتشاف، وهي الروح والنفس، ولابد منهما من أجل إضفاء الحس الجمالي على العمل الحقيقي، وإلا كان مزيفاً ومستهلكاً آنياً، وليس له سمة الخلود والاستمرار السرمدي عبر الأجيال والأزمنة التي تختلف حول القيمة الفنية له، و بمجرد الاختلاف المستمر يجعل الفن خالداً، مازالت بعض أعمال الفراعنة في مصر مثار جدل عبر الأزمنة والأمكنة، ومازالت أعمال الفن العباسي تروي قصة أسطورة حضارة محل خلاف حولها، ويمكن ذكر الفن الإغريقي الذي بقي خالداً بين الشرق والغرب، حتى يعتقد البعض، أنه أقرب للفن الشرقي أو هو أقرب للحضارة الشرقية منه إلى الحضارة الغربية، ومن بين التهم التي وجهت إلى"نيرون" الإمبراطور الروماني، أنه قد تخلى عن اليونان، بعد احتلالها من الرومان، ربما تخلى عنها لعلة أنهم يحكمون شعباً يتمتع بقيمة حضارية وفنية عالية، وبالتالي قد يذوب السيف الروماني في مياه حضارتهم، فآثر الانسحاب، كذلك الحال حول قيم الفن الإيطالي في العصور ما بعد الوسيطة، أي بداية ما يسمى النهضة الأوربية.
** في الحالتين النفسية الذاتية التي افترضناها، والصوفية التي أتينا عليها، هي من حيث النتيجة طرق للنظر إلى الجمال، ومن حيث هي طرق فهي تتعدد تبعاً للزمان وتبعاً للمكان وتبعاً للذوات الناظرة والمنظورة، إن "يوسف" عليه السلام كان جميلاً بالمطلق، وسبب إطلاقه، النور الإلهي والنص الديني، وارتباطه بالجمال المطلق الإلهي، في حين أن جمال الآخرين يرتبط بالنسبية لأنه تابع للذوات الأخرى النفسية الإنسانية، وعلى ذات القياس تكون سائر أنواع الأعمال الإبداعية والفنية كافة، ومنه يكون التذوق الجمالي في النصوص الإبداعية الأدبية من شعر وقصة ورواية ومسرح أو ما شابه ذلك أو تشبه به، وعليه فإن الاختلاف في النظر أو في النظرة إلى الجمال، يقع لا محالة من حيث الطرق كون هذه الأخيرة تختلف بالضرورة، من حيث هي طرق وليست نتائج، وقد يؤدي اختلافها إلى اختلاف في النتائج أيضاً، لابد من إعمال مقاييس العقل في هذه الطرق أيضاً، وإن الوصول إلى تلك المقاييس العقلية والمنطقية، قد ينسف الفرضية من أساسها، ومع ذلك لا يمكن نفي العقل عن الجمال كلياً ولا يمكن القول بالعكس أيضاً.
** في البدء يتوجب التنويه إلى أن الكمال المطلق، ومنه الكمال المطلق لله وحده، ومنه كان جمال "يوسف" عليه السلام، كما تقدم بسبب النور الإلهي والنص الديني، دون الدخول في المعنى اللاهوتي الديني الصرف، وعلى هذا الأساس فإنه يتوجب في الفن على وجه العموم، الجمال المطلق أو الكمال المطلق نظرياً على الأقل، وبالتالي فإن القياس الفني يكون عليه في حالة الاقتداء، إن المطلق هنا مستحيل، لأن المطلق يعني الكمال، والكمال الفني في هذا المجال، أقرب للاستحالة، والكمال في الفن يعني الجمال أيضاً، وإن الجمال المطلق في الإبداع جملة، ومنه الفن، تشمله هذه الاستحالة أيضاً، ولما كانت غاية الفن الوصول إلى الكمال، وأن هذا محال الوصول، وكانت غاية النقد ملاحظة مدى الوصول إليه، وبالتالي ملاحظة مساحة النقص الحاصل بين العمل الفني والجمال المطلق المفترض، مع التمني على المبدع أو على العمل الإبداعي لو وصل إليه أي إلى الكمال، ولو لاحظت عين المبدع ذلك النقص أو ذاك التقصير، لما تركت ذلك، لأنها تعتقد بأنها وصلت إليه كاملاً، لهذا كانت عين النقد موضوعية أكثر، فأوضحت درجة الكمال الحاصل، ومنه الجمال، ومقدار النقص المتبقي ومنه أشارت إلى تمني الكمال، هذه المحاولة من النقد من هذه الزاوية، هي إعادة لخلق هذا الجمال أو ذاك من وجهة نظر تقديرية وذاتية، وعليه فإنني أعتقد جازماً، أن عملية نقد الجمال أو نقد الفن، هي إعادة جديدة للعمل الإبداعي، هي إبداع جديد في ذات الصورة، إن القراءة النقدية هي محاولة لتناول ما أجاد المبدع المقلد للكمال المطلق المفترض من جهة، وملاحظة ما قلد من جهة أخرى، وما وقع فيه من نقص، النقد هنا، والحالة هذه، عرض جديد للصورة الإبداعية، وهو قراءة جديدة لها، وبالتالي من حيث نقبل أو نرفض، نشعر أو لا نشعر، النقد إبداع جديد للفكرة ذاتها أو للعمل ذاته من حيث النتيجة.
والجدير ذكره أن الباحث والناقد "خلف المجدَّمي" ولد عام /1960/ في مدينة "الرقة"، وقد درس المراحل التعليمية الأولى فيها، ثم تخرج من معهد إعداد المعلمين في "حلب" عام /1980/، وأثناء عمله في سلك التعليم التحق بكلية الحقوق في جامعة "حلب" وتخرج عام /1988/، ومن ثم انتسب إلى نقابة المحامين في سورية ومايزال، له العديد من الأعمال النقدية والدراسات الأدبية والسياسية، وقد كتب القصة القصيرة والشعر، لكنه تفرغ للنقد الأدبي والبحث والدراسات.