"جلاء حمزاوي" شاعرة مرهفة الإحساس، اشتهرت قصائدها بالجرأة، أدركت الشمس والقمر وأحالتهما إلى التقاعد لينطلق النور من بوحها، وهي أنثى تعيش الحياة شعراً، تتخفى في زي رجل، وتنتظر حباً قاتلاً يجعل الحياة نفسها شعراً...!
هذا اللقاء مع الشاعرة "جلاء حمزاوي" لا يهدف إلى تقديمها، وإنما إلى التعرف على روحها المخبوءة في جسد واحد.. فهل ستطلعنا على قصة سفرها مع الحرف؟ وهل ستقودنا معها لنبحث عن باب الأمنيات المرغوبة التي أدمنت قرعها؟
** الشعر سماء ونجوم وشموس تغيب وتظهر وتغير مداراتها، فتكون خريفية تارة، أو شتائية، أو ربيعية، لكن الحقيقة أن السماء تبقى هناك. مازلت أحاول أن أكتب قصيدة قادرة على الطيران إلى أرض السحر، قصيدة تؤمن بقداسة حبي، فتقيم له الطقوس، وتحرق له البخور، قصيدة تمشي تحت جلدي وتزلزل كياني.
** كل شعري عشت فيه عاطفتي الجريئة، حالمة، عاشقة، لا أخاف من السفر مع الحرف، ولا أحسن إخفاء مشاعري المستفيضة، وأريد أن أقول فيه كل شيء دفعة وحدة كأنني أبحث عن بابٍ للأمنيات المكبوتة لأفتحه.. إنني أنفلت من التزامات غيري من بنات جنسي، ومن الإطار الاعتيادي أفر وأهرب بشيء من الرغبة إلى عالم أصنعه بمفردي بشيء من الحرفية والرقة، عالم غريب عن عوالم النساء، بعيداً عن غسل الأواني، والمكوث وراء قضبان الانعزال والجدران السميكة، ولكنني أعترف أنني جريئة في وصف هزائمي وانكساراتي، وأنني اضطررت إلى الاختفاء وراء الصور الشعرية المعقدة والعبارات المبهمة.
* أتلك علامات زائفة إذن؟
** بل هي طريقة للتواري، أريد أن أقول دون أن أدفع الثمن باهظاً، أو دون أن أقع في المحظور، أو دون أن أقول صراحة إن الحياة هي التي تستوعب الشعر كما تستوعبنا، فهي شاملة، أما كلماتنا فهي موسومة بالعجز..!
الشعر لا يتقدم على الحياة
** هي مشاعر المرأة التي تطلبها من الرجل.. والحقيقة أن الرجل هو المظلة الروحية الجميلة التي تحتاجها المرأة، والمرأة هي الحضن الدافئ الذي فقده الرجل في الطفولة ليعود يحتاجه دائماً، ويرتاده في جميع الحالات التي تجتاحه (حزنه، ألمه، فرحه).
** لا شيء حقيقي يقع خارج الحب بألوانه المختلفة، فالأجمل والأبقى هو الذي يأتي مع ألوان العشق المختلفة، أما الاضطهاد كما تقولين عابر وزائل، ولا أهمية له.
** لم أخرج أبداً لأنني أبقى أنثى.. لكنني حاولت التعبير في مجموعتي الأولى "لمن" عن هذه الثنائية.. ثم وجدت أنني لو أكتب باللسانين أقصد (رجل ـ امرأة) ربما يكون التعبير أبلغ وأجمل لذلك كتبت مجموعتي الأخيرة "قدسية العتاب"، وهي محاورة بين حبيب وحبيبته (قالت وقلت)، وطريقة التعبير المختلفة عن الذات بين الذكر والأنثى..
** لم أكن وحيدة في أي يوم، أنا أعيش الحب دائماً، وأبارك حبي وعفته كما أحترم الشخص الذي يبادلني مشاعري...
"جسد واحد" هو التعبير الأبلغ عن جسد الأنثى.. أو هي الرسالة السرية التي حاولت من خلالها إفهام القارئ بأنني أنثى.. سأقول لك شيئاً.. كثير من القراء حين يقرؤون مجموعتي واسمي عليها يظنون أنني رجل، أو شاعر..! لأن اسمي (جلاء) لا يعطيك معنى الذكورة أو الأنوثة فأقع في مطب الذكورة دائماً.
الأنثى هي الأصل..؟
** إذا كانت الحياة هي (أكل ونوم وعمل)، فهي ليست حياة إنسانية، لأن البهائم أيضاً (تأكل وتنام). إن الحياة الإنسانية هي الحب بكل أوجهه (للأم، للأهل، للوطن، للحبيبة). ودون هذه المشاعر الجميلة لا تستطيع المرأة العيش، والرجل هو منبع الحب، ربما لا يُظهر مشاعره دفعة واحدة، كما تفعل المرأة إذ تنهار وتبكي عيونها، أما الرجل فإنه يكابد تلك المشاعر، ويحبسها ويُهيئ الظروف للالتقاء بتلك الحبيبة. أيضاً من الناحية المنطقية، أو الحاجة الجسدية، كيف للرجل أن يتم حياته دون نصفه الجميل، هو بحاجة للمرأة كأم وحبيبة وصديقة، حتى ولو اعترف أو أقسم بغير ذلك.. لكن العيش الأجمل أن يعيش الحياة بالحب.
* ما أهم ما يشغلك؟
** أهم ما يشغلني، وما سوف يشغلني، لأنه متواتر في خاطري، هو أن أعيش الحالة بكل مقوّماتها وامتلائها، سواء أكتبتها شعراً، أم احتفيتُ بها داخل صدري، أي عشتها، ولا أعرف لماذا يصيبني عطر الشعر بالجنون حين أعتصم بالبوح السري أو أقامر بشذرات الكلام.. ما يشغلني أنني أعيش حياة، وكأنني ولدت بالأمس وعلى لساني قصيدة عشق منسية.
اسمحي لي أن أختم هذا اللقاء ليس بالشعر، ولكن بقليل من البوح
تقتليني يا امرأة بابلية ترتل للفرات مواويله..
تذوبين كـ"أورنينا" تعزف لى قيثارة روحي معزوفة الرحيل والغياب
دعيني أكتب الكلمات بنورٍ شفيف لينبض سحرك وعطرك في المكان
دعيني أطرز حبات الزمن حبةَ حبة وأقول: هذه أسطورتك فمن يكتب أسطورتي الملتهبة مذ كانت "الرقة" تنادي للرشيد ويتردد الصدى الآن...