تعتبر "الرقة" من أكثر المدن السورية التي تحتوي على تلول أثرية تعود إلى فترات متباينة، وعددها يتجاوز /500/ تل أثري، وجميعها متناثرة على ضفاف نهري الفرات والبليخ، وفي البوادي، ويعتبر نهر البليخ من أكثر المناطق التي استوطنها البشر، منذ الألف السابع قبل الميلاد، وهذا ما أشار إليه عالم الآثار السير "مالوان" أثناء رحلته العلمية الشهيرة، إلى كل من سورية والعراق، عندما قال إنّ وادي الفرات سيفاجئ العالم مستقبلاً بمكتشفاته التاريخية والأثرية. وسنحاول إلقاء الضوء على أحد هذه التلال المهمة وهو "تل أسود" على البليخ الأعلى، من خلال اللقاء الذي أجريناه بتاريخ (18/11/2008) مع الباحث الآثاري "محمد العزو" المدير السابق لمتحف "الرقة" الوطني..
يقول "العزو": «إن أول من نقب في هذا التل هو العالم الأثري "مالوان" مع زوجته "آغاثا كريستي" الكاتبة الإنكليزية الشهيرة، وذلك في عام /1938/م، ونشير هنا إلى أن السيدة "مالوان" قد نشرت مقالاً مطولاً عن "الرقة" بعنوان: الطريق إلى "الرقة". يقع "تل أسود" على الضفة الشرقية لنهر البليخ على بعد /80/ كم شمال مدينة "الرقة" و/20/ كم جنوب بلدة "تل أبيض" على الضفة اليسرى لفرع جانبي من نهر البليخ يسمى نهر "التركمان"، ولهذا التل قمتان أعلاهما ارتفاعها عن مستوى النهر /20/م، وعرضها /150/م».
إن أول من نقب في هذا التل هو العالم الأثري "مالوان" مع زوجته "آغاثا كريستي" الكاتبة الإنكليزية الشهيرة، وذلك في عام /1938/م، ونشير هنا إلى أن السيدة "مالوان" قد نشرت مقالاً مطولاً عن "الرقة" بعنوان: الطريق إلى "الرقة". يقع "تل أسود" على الضفة الشرقية لنهر البليخ على بعد /80/ كم شمال مدينة "الرقة" و/20/ كم جنوب بلدة "تل أبيض" على الضفة اليسرى لفرع جانبي من نهر البليخ يسمى نهر "التركمان"، ولهذا التل قمتان أعلاهما ارتفاعها عن مستوى النهر /20/م، وعرضها /150/م
وعن الحفريات التي تمت في التل، يضيف قائلاً: «كان السيد "مالوان"، قد أجرى أسباراً أولية دلت على وجود مرحلة حضارة جلية في المستويات العليا، كما أعتقد بوجود مستويات سابقة لحضارة "تل حلف"، وقد أكد هذا الاعتقاد السيد "جاك كوفان" في حفرياته التي نفذها عام /1971/م في "تل أسود" في القطاع الشمالي منه، حيث تأكد له أنَّ السماكة الحقيقية للطبقات الأرضية هي بحدود /12/ متراً، وقد رقّمت هذه الطبقات من الأسفل إلى الأعلى، بحيث تكون أقدم طبقة هي رقم /1/ بعد الأرض العذراء مباشرة، وأنَّ أحدث طبقة هي رقم /12/ التي هي في الأعلى، ففي المستويات من /1- 6/ عُثر على بقايا مساكن جُدرها من مادة اللبن، كما عثر المنقبون على صناعة حجرية ودمى طينية وحلي وعظام حيوانية، وعلى الرغم من أنَّ هذه المستويات تعود إلى عهد "تل حلف" المبكر، فإنه لم يُعْثَرْ على أية قطعة من الخزف أو الفخار الذي اشتهر به هذا العهد، لذلك فإنه من الصعب بفقدان هذا الدليل التاريخي تحديد مراحل الاستيطان، لأنَّ هذا سابق لأوانه في الوقت الحاضر وحتى قيام حفريات أثرية أخرى، لكن في المستويات السابقة لعهد "حلف" المستويات /7- 8/ وجدت مصنوعات خزفية كثيرة، كما وجد في المستويات الأخرى بعض المصنوعات الصغيرة التي كانت تستعمل للزينة، وهي ذات مغزى ديني مثل الخرز المختلف الألوان، وأقراط الأذان أغلبها مصنوع من حجارة متنوعة مثل: حجر ألاباتر، كورنانين، ستياتيت، أوبسيديان، صدف، أما الأدوات العظمية فهي قليلة لكنها جيدة الصنع..».
وعن طبيعة المكتشفات واللقى الأثرية، يقول: «إنَّ أكثر اللقى المكتشفة في "تل أسود" من حيث العدد هي الأدوات المصنوعة من الطين بواسطة القالب المشوي، وجزء منها يمثل دمى حيوانية وأخرى إنسانية (رجال ونساء)، وأشكال أخرى من مصنوعات مختلفة، كما وجدت بعض الهياكل العظمية وبعض الجماجم لأطفال بالغين، ومعها قطع من الصدف ونصلات مناجل ورأسي سهم من الصوان، ومن المحتمل أنْ يكون هذا الجيب عبارة عن قبر جماعي، ودليلاً على ممارسة بعض الشعائر الدينية، علماً أن هذا القبر الجماعي وجد على الأرض البكر، كما أمكن التعرّف على أنواع المزروعات والنباتات من خلال البقايا النباتية ودراسة الرماد المحروق، كما وجدت بقايا عظام لحيوانات تبين من خلال فحصها وتحليلها، أنها تعود لفصائل حيوانية أليفة مثل الماعز، والغزلان، والبقر، والحصان، كما وجدت عظام للأسماك والطيور، مما يؤكد أنَّ سكان قرية "تل أسود" كانوا يمتهنون الصيد إلى جانب ممارستهم للزراعة، وأنَّ حياة هذه القرية كانت مرتبطة بالبحيرات المجاورة لها مثل بحيرتي "الهيجانة" و"العتيبة" بالقرب من قرية "علي باجلية" المعاصرة، إذ إنهما كانتا في الماضي أكثر اتساعاً مما هما عليه الآن، كما أنَّ الأدوات الحجرية، والدمى الطينية، وكذلك الطقوس الجنائزية، وغيرها من الصناعات الأخرى جميعها توحي، بأنَّ "تل أسود" كان معاصراً لمستوى العصر الحجري الحديث السابق لصناعة الفخار بـ"أريحا" في فلسطين المحتلة، ويبدو أن هذا افتراض، بأنَّ المستوى الأعلى من "تل أسود" هو معاصر للمستوى الأول في "تل الرماد" الواقع بالقرب من "دمشق"، واعتبار المستوى الأسفل من "تل أسود" معاصراً لاستيطان "البيضا" على الساحل السوري، لذا نستطيع القول ولكن بحذرٍ وتحفظ أنَّ مجمل حياة وتاريخ "تل أسود" تدور في حدود الألف السابع قبل الميلاد، وإلى أنْ تتم حفريات أثرية أخرى سيكون هناك كلام آخر».