«يعتبر الفن رسالة إنسانية إذا ما ركز صاحبه على نهج معين، فكثر من أصحاب المواهب الفنية حالياً لم يستطيعوا تحديد مسارهم الفني الذي ينوون سلكه لأنهم في ظل مسوغات الفن الهابط تتأرجح طموحاتهم بين الشهرة والنجومية والطريق والهدف المنشود، إلا أنه في ظل العشوائية السائدة في عالم الغناء تبقى عناصر الغناء تفرض نفسها على المتلقي، فإذا ما أردنا تحديد عناصر النجاح للأغنية فإنها تكمن بثلاثة عناصر أساسية: الكلمة واللحن والأداء، فإذا تحقق أحد العناصر هذه الأيام يمكن معرفة هدف الفنان، مع أنه يجب ألا ينسى أن يجيد باقي العناصر الأخرى، ولكن هذه الأيام ومع تفشي مرض غناء "الهشك بشك" فقد يكتفى بأقل المطلوب من عناصر الأغنية بالتزام عنصر الكلمة الهادفة الحاملة للمعنى، وبالتالي يمكن من خلالها معرفة الهدف والطريق».
هذا ما تحدث به عازف آلة العود الفنان الشاب "أيسر أبو شاح" المرافق للفنان "عز الدين الأمير" وهو يقول: «في حفلاته الفنية المتكررة لم يجارِ القدامى باللحن والأداء، ولكنه حاول تقديم الكلمة المعبرة الجميلة التي تدخل الأفئدة وتلمس مشاعرهم وأحاسيسهم ومعاناتهم اليومية لذا يمكن القول إنه اتخذ لنفسه خطاً خاصة به حمل عنوان الكلمة الملتزمة».
في حفلاته الفنية المتكررة لم يجارِ القدامى باللحن والأداء، ولكنه حاول تقديم الكلمة المعبرة الجميلة التي تدخل الأفئدة وتلمس مشاعرهم وأحاسيسهم ومعاناتهم اليومية لذا يمكن القول إنه اتخذ لنفسه خطاً خاصة به حمل عنوان الكلمة الملتزمة
موقع eSuweda أجرى مع الفنان الشاب "عز الدين الأمير" الحوار التالي:
* كيف كانت بدايتك الفنية؟
** بصراحة أنا الآن أبدأ، فما زلت في البداية ولكنني أشعر بالحس الفني وكأنه ولد معي وأصبحت أحاول ترجمة هذا الحس في كل مرحلة من المراحل العمرية وكل فترة زمنية كانت تمر تبلور وتجسد ما أحس به من أحاسيس إنسانية علما أنني مررت بجميع التجارب الفنية وأعتبر نفسي أنني في طور التجريب والتمرين وبمراحل التنقية لأرسي مركبي على شاطئ أشعر أنني ولدت فيه وأستطيع العوم في مياهه كما أشاء، أتكيف مع موجاته وأرنو إلى غروب شمسه وأتغنى بجمال هدوئه, أترنم على إيقاعات جزره ومده.
** الأغنية الملتزمة هي كلمة عميقة جداً والالتزام برأيي هو كل عمل فني يخدم البشرية كحالة اجتماعية تمر بها الإنسانية، ويترجم الحب الحقيقي، وتجربتي مع الأغنية الملتزمة إنسانياً هي الأكثر ارتباط حقيقةً في داخلي وأتمنى لو أنني استطيع أن أترجم كل ما بداخلي إلى نصوص تستطيع الرقص في قلوب الآخرين.
أما واقع الأغنية الملتزمة هذه الأيام فهي لن تموت والجمهور موجود ولكن أظن المشكلة في هروب الناس من واقع مرير "أي ضغوطات الحياة" إلى الفضائيات الاستعراضية والإذاعات المطنطنة, ومشكلة الفضائيات أنها لا تبث مثل هذه الأغاني الملتزمة لكي تخرج إلى النور والشركات الفنية أيضاً لا تتبنى أعمالاً كهذه لأنهم يسعون إلى الربح المادي فالمصلحة لديهم تكمن في وجه محبوب للشاشة وكليب نصف كُم أما الجمهور فهو متلقي لأن أحياناً كثيرة تُفرض علينا الأغنية من وسائل الإعلام ونحن في سيارة أو سرفيس أو محطة انتظار أو راديو أو تلفزيون ولكثرة ما نسمعها نعتاد عليها ونستسيغها ونحب الأغنية لأنها دائماًَ تربطنا بذكريات فرح أو حزن، أما الأغنية الملتزمة فليس لها مكان في وسائل الإعلام ولكن على المسرح كما رأيتم جمهورها ما زال موجوداً فهو فاعل ومتفاعل ويستطيع أن يميز اللحن والأداء وأن يتذوق الكلمة، فاليوم لقد ترقصت روحي مع أرواح الجمهور الموجود وحلَّقنا من كل شيء إلى اللاشيء, والإصغاء كان أجمل ما يميز هذا الجمهور, وبعد كل أغنية تلتهب القاعة تصفيقاً.
** أختار الكلمة أولاً إذا عرضت من شاعر أسمعها وإذا داعبت مشاعري وأحسست بها تحمل هماً إنسانياً أركنها حتى يأتي وحيها اللحني ومن الممكن أن يأتي فوراً أو يتأخر حسب حالة الأغنية وهذا إن دل على شيء فهو أنني ألحن بروحي وحسي. أما إذا كتبت فأكتب من معاناة إما شخصية أو تقمصاً لمعاناة الآخرين وكثيراً ما تحرك مشاعري حالات القهر والظلم والكره والطغيان والطمع والجشع وحب التملك وعدم الإحساس بالآخر والأنانية وأيضاً الحب والفرح والصدق والطيبة والغربة والحنين والتسامح فهذه المشاعر أحاول ترجمتها على الورق ويأتي الوحي اللحني ليبث الروح فيها ومن ثم أدغدغها بصوتي وتبدأ بالرقص من روحي لتلتقي بإحساس وأرواح الآخرين.
** أولا: الإنسان هو ابن البيئة ومن لم يشعر بالناس فهو ليس من الناس فالبيئة هي التي قولبت روحي وإحساسي بالناس وهي التي تحرك مشاعري لكي تنزف وتكتب حالات أحيانا لن نراها إلا عند المرض أو الموت وإن رأيت حالة حزينة لكره ببعضنا لبعض كبشر فإنني أتألم ولكن عندما أستطيع أن أجعل من هذه الحالة شبحا شعريا يتحرك ليحول الكره إلى محبة فعندها يصفق قلبي بأنني أحاول أن أسهم في عملية توسيع الرؤية.
وأما اللحن فالكلمة هي التي تقودني إلى شكله وهيكليته فأنا أؤدي كلمة على شكل ملحن وأيضا حاولت الدخول إلى عالم الطفولة وأصبح لي تجربة بهذا المجال
** الأغنية الملتزمة لها جمهورها، وتذوقها ليس سهلا، فهي عمل متعب لكنه ممتع لمن يدرك ما يتذوق ولا أخفيك أننا صدمنا ببعض الحفلات من بعض الحضور يخرج من المسرح في نصف الأغنية أو في نصف الحفلة فهذا حقيقة يؤثر علينا سلبيا كأداء روحي ولكني لا ألوم من لم يستطع أن يستقبل ما أقول ففي كل لحظة وقوف مع النفس فهو يسمعني أغني لأن ما أؤديه هو حالات لتهدئة النفس البشرية الطاغية الظالمة الطامعة الضائعة ولكن بصراحة حاليا أصبح يأتينا كل متذوق كلمة حيث عُرف النهج والخط واللون الذي نترجمه من مشاعر وأحاسيس إنسانية وجدانية اجتماعية هادفة.
** لا يوجد شيء وليد الساعة فعملية التنقية للمياه التي تكلمنا عنها في بدء الحوار هي التي أوصلتني ليتكون ذلك النهج وهي التي وسعت الرؤية وترجمة المحبة بعدة أشكال لكي أرى ما لا يُرى لبداية ونهاية واحدة لجميع البشر وكثيرون من يعرفون هذا الكلام ولكن فقط يلفظونه بشفاههم كمن حفظ درسه غيباً ولكن الترجمة الداخلية ضعيفة جداً فهذه الحالات تجعلني أكثر حثاثةً لكي أترجم بحبر روحي إن استطعت كي يجف على آذانهم وكلنا نعلم أن القمر واحد والشمس واحدة والأرض واحدة والحياة واحدة ونأتي زائرين إلى هذه الحياة الدنيا ولكننا نختلف ونتشاجر على تربتها على أحجارها على أشجارها ومستقبلا على قمرها وشمسها ربما!!.
وكلمة أخيرة أقولها أتمنى أن يعم الحب بين الناس جميعاً لكي يعم السلام وأتمنى أن نغني للإنسانية جمعاء ولا يضطرنا أحد لنقول نحن لا نغني له فحقيقةً نحب أن نغني للجميع كمشاعر وحالات إنسانية ولكنني بالصوت الجهوري وبالخط العريض أقول نحن مع الإنسانية جمعاء ولكن من هو ضد الإنسانية فنحن ضده كالحركة الصهيونية لأنها تمارس أبشع أنواع الهمجية والعنف ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وتوجد صور مشابهة أيضاً.
فأنا أكون إنساناً متأنسناً عندما لا أتـعدى على حقوق غيري أياً كان الحق (تنتهي حريتي عندما تبدأ حرية الآخرين) فعندما يأتيني شخص ما ليسلبني منزلي فمن حقي المقاومة وهي مشروعة لأنني أدافع عن وجودي وعن حقي ولمنع الظلم والاحتلال (والحق حبيب الله).
وأخيراً وليس آخراً أتـمنى أن تعود كل الأراضي والحقوق المغتصبة لأصحابها ويعود رسول المحبة ليخيم فوق هذه الأرض المستديرة ويصبح الخير غلالاً في قلوب الناس ونتقبل أخطاءنا وأخطاء غيرنا كي نصححها ونحول السلبيات إلى إيجابيات ودائما الخطأ بذرة الصواب والبداية بذرة النهاية.