«من يستمع إلى أغنية "يوم على يوم، وغالي علينا يا جبل، وسفرهم طال وغيرها الكثير" التي غناها المطرب "فهد بلان" ومن يتابع على الشاشة الصغيرة مسلسل "الدخيلة، والشماء، ودموع الأصايل، ونغم على الوتر، وحكايا وأغاني عالبال" بلا شك يتذكر الشاعر والملحن "سعدو الذيب" الذي يتحلى بصفة الارتباط ببيئته المحلية وموروثه الشعبي».
هذا ما تحدث به الدكتور "فريد الشحف" الباحث والمهتم في الغناء والموسيقا لموقع eSuweda بتاريخ 13/9/2008.
موقعنا زار الشاعر والملحن "سعدو الذيب" وأجرى معه الحوار التالي:
** الأغنية العربية بشكل عام بمأزق، عدم الانتماء للتراث الموسيقي العربي والهروب إلى الموسيقا الأخرى، كالتركي، واليوناني، واللاتيني وغيرها، وزرع هذه الألحان على أنها ألحان عربية بكلمات عربية، سبب أساسي يُفقد الأغنية العربية هويتها العربية، كأن تأخذ لحناً يونانياً أو تركياً الخ.. ويضع عليه شويعر كلماته الساذجة وتصبح أغنية سورية أو لبنانية الخ.. الانتماء في كل الأحيان يعبر عن الهوية وخاصة الأغنية التي هي أخطر الحالات الإعلانية. في منتصف القرن الماضي انحدرت الأغنية الفرنسية فتجند لكتابة الكلمات فلاسفة فرنسيون ومنهم "جان بون سارتر" الذي كتب الأغنية خوفاً على فرنسا من هؤلاء الكتاب والملحنين، هؤلاء يخافون على أوطانهم وأبنائهم من هذا الغزو الثقافي الذي نعمل عليه وكأنه حضارة جميلة. إن الإغراق في المحلية أكثر الأحيان وفي الفنون جميعها يوصل إلى العالمية، و"رسول حمزاتوف" في روايته "داغستان بلدي" أغرق في المحلية بطريقة كانت غريبة على بعض المعاصرين، لكنها ترجمت إلى أكثر اللغات العالمية، بسبب محليتها، كنا وكان أطفالنا يصحون على صوت "فيروز" وكنا نحب هذه الصحوة، لكن الأذن تعتاد على الاستماع إلى هذه الموسيقا المنتشرة الآن ومع تكرارها تصبح ثقافة جيل وبالتالي ينفصل الجيل عن تراثه وذاكرته الشعبية، وإذا سألت أحدهم لماذا تعمل على هذه الكلمات والألحان الهابطة؟ يقول لك: "هيك بدو السوق"، عن أي سوق يتكلمون؟ السوق هو الوطن.
** تستطيع الأغنية الجيدة المواجهة، ولكن لابد من تدخل وسائل الإعلام واتحاد الإذاعات العربية وبث هذه الأغاني بشكل مستمر ولا نستعيض بالأغاني الدارجة في هذه الأيام التي تبث وهي لا تمت إلى الأغنية العربية بصلة عشرات المرات على عشرات الفضائيات التي تعمل على SMS، ولا نعلم من الممول لأكثر تلك المحطات.
** أفصل بين الكاتب الدرامي والشاعر والملحن، أنا كشاعر وملحن أبدأ في القصيدة واللحن بنفس اللحظة، وتنتهي الأغنية كلاماً ولحناً بشكل متوازن، وهذا سبب من أسباب نجاح الأغنية لدي، الكلام يحب اللحن واللحن منسجم مع الكلام، وفي النهاية لابد من اختيار الصوت المناسب لأداء هذه الأغنية، لكن العمل على المسلسلات الدرامية هي صنعة، وإذا كان خلف المسلسل كاتب أو قاص أو روائي أو شاعر تكون لغة الشخصيات والمكان والمعالجة الدرامية أرقى مما إذا كان خلفه كاتب سيناريو فقط، ولو كانت الأغنية توفر عيشة الأبناء لما عملت في الدراما، لأن العمل الدرامي يحتاج على الأقل ستة أشهر لإنجازه، وأنا وفي كل الحالات أقرب إلى الشعر، لكنني لا أجد الوقت لكتابته لأنني ألهث لتأمين بيت يتسع لأبنائي.
كاتب وملحن الأغنية في أكثر بلدان العالم إذا صنع أغنية واحدة يعيش العمر من دخل هذه الأغنية، والكاتب والملحن في بلادنا لابد أن يكتب في العام أكثر من أربعين أغنية حتى يوفر قوته اليومي.. أنا لا أكتب الأغنية إلا بمزاج، أكتبها كي تعيش على شفاه الناس، أكتبها في أمانة على وطني وأهلي، أكتبها كي تدخل التراث، حضارة الشعوب تقاس بأدبائها ومفكريها ولا تقاس بسور الأسمنت.
** الإنسان ابن بيئته يتأثر بما يجري حوله، ويكتب بأدواته، كأن تعيش في منطقة جميلة لا بد أن تصور هذه البيئة بما فيها من تراث غنائي وجمالي، حتى إنك تتأثر بلون حجارة تلك البيئة، كأن يكون الإنسان الشرقي في شارع "الشانزليزيه" بفرنسا ضمن هذه الحضارة وجمالها وفجأة يستمع صوت ناي، بالتأكيد سيترك ما حوله ويتجه إلى النافذة التي صدر منها ذاك الصوت، التجذر بالأرض لا بد وأن يعطي الكاتب مادة أساسية في اللحن والكلمة. والسؤال لماذا يأخذ الكثيرون ألحاناً عربية من موسيقانا ويضعونها على أغانيهم؟ لأن الموسيقا العربية هي حقاً الأغنى.
** التوزيع الموسيقي الآن من الحالات الضرورية للأغنية، وهذا التوزيع كان موجوداً سابقاً وإنما تغير النهج العلمي في عمليات التوزيع، ولكي نواكب العصر لا بد من هذا التوزيع ولكن مع الحفاظ على هوية الموسيقا العربية، ونحن قمنا بتوزيع بعض الموشحات على السيمفوني القومي البلغاري، وكانت موسيقا عالمية بعد التوزيع، وهذا دليل على أن موسيقانا العربية قادرة أن تدخل العالم بثقة واقتدار وهناك أعمال كثيرة قد دخلت العالمية من قبل "فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وفيروز والرحابنة".
** قُدمت إلى المهرجانات السورية أغاني جميلة لكنها للأسف، لم تبث على الشاشات العربية، فما فائدة هذه الأغاني إذا وضعت في مكتبة التلفزيون وأغلق عليها للأبد؟ ولو كل مهرجان أنتج نجماً واحداً لكنا الآن في حالٍ غير هذا الحال، فالأغنية الجميلة لا بد من تقديمها بشكل مستمر ومكثف على الإذاعات والمحطات التلفزيونية كي تأخذ دورها الحقيقي، أما أن يقدم على هذه المحطات أغاني هابطة ويروج لها وتتصدر قائمة الغناء فهي الطامة الكبرى.
** انتهيت من عمل مسلسل بعنوان "رشيد والمدينة" وهو عمل اجتماعي يعالج بعض الحالات الاجتماعية الموجودة، وعمل بعنوان "صحراء الخزان"، هذا على الجانب الدرامي، أما على صعيد الأغنية فقد كتبت ولحنت أغنيتين "لو هبت ريح الجنوب" و"شالوا" للفنان الأردني "عمر عبد اللات" وانتهيت من تسجيلها والآن نحضر للتصوير، كذلك تم توزيع أغنية للفنان "سعدون جابر" من كلمات الشاعر الكبير "مظفر النواب" وألحاني ولأول مرة ألحن كلمات ليست من شعري وإنما أخذتني هذه الكلمات بجمالها ورقتها وهي بعنوان "يجي يوم"، والعمل مستمر إن شاء الله.