هو أحد الدعاة الأوائل لدراسة الفن وإرساء مرتكزاته في محافظة "السويداء"، أفنى عمره في خدمة فنه، فكان احد رواد الحركة التشكيلية في سورية، قال عنه الفنان الراحل الكبير "فاتح المدرس": إنه واحد من المداميك الأولى التي أرست دعائم الدراسة في كلية الفنون الجميلة في القطر.
أسس لمعرض "تحية للثورة السورية الكبرى" في المحافظة، وكان من أسس أيضا لقسم الرسم في منظمتي الطلائع والشبيبة، eSuweda التقى الفنان وكان له معه الحوار التالي:
** في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية أحسست بطاقة كامنة كانت تتحرك داخلي، أنتهت في كثير من الأحيان إلى خربشات جانبية ورسومات ايضاحية على صفحات دفاتري وكتبي وأذكر أن معلمي في الصف الثاني الابتدائي الأستاذ "علي شاخشيرو" من "دمشق" بعد أن احس بموهبتي قد طلب مني أن اكتب على السبورة ما يمليه علي وأن أنقل بعض الرسومات من كتاب كان لديه وعندما انتهيت اثنى على ما قمت به وطلب مني متابعة الرسم.
بعد ذلك الحدث وجدت نفسي في كل صف من الصفوف مكلف برسومات على السبورة وعلى لوحات خاصة وخرائط جغرافية كوسائل ايضاح واستمر هذا حتى المرحلة الاعدادية حيث جاءنا مدرس منتدب من القطر المصري عام /1957/ وشكل مجموعة من الطلاب كنت بينهم لنقوم بنشاط فني خارج أوقات الدوام واسند إلي رسم بعض اللوحات التي تعبر عن نشاط الطلاب في المدرسة.
** في المرحلة الإعدادية تابعت نشاطي الفني، ولكن هذا النشاط ظهر جليا في المرحلة الثانوية حيث اقيم أول معرض جماعي لنا في "ثانوية البنات" في المحافظة في عام /1958/ وطبع دليل للمعرض كان يباع وقتها بـ /25 قرشاً/ ، وأذكر ان جموع الزائرين كانت كبيرة، وكان من بين الطلاب الذين شاركوا معي الأستاذ "فؤاد ابو سعدى" و"ضامن أبو عسلي" و"كمال شرف" و"ابتسام السعدي".
وكانت لوحات المعرض تستمد موضوعاتها من الطبيعة مباشرة وظل هذا المعرض يتكرر سنويا، ما جعلني أكثف نشاطي فبدأت أرسم بالألوان المائية والزيتية والتقي بعض المهتمين بهذا المجال مثل الأستاذ "حمد غزي" و"سليم العشعوش" وكان هناك في تلك الفترة ناد اسس حديثا اسمه "نادي الفنون الجميلة" فقمت بالانضمام إليه على اعتبار أن نشاطاتنا الثقافية والأدبية والمسرحية كانت نشاطا فنيا وساعدني كثيرا هذا النادي عبر احتضان نشاطاتي لفترة من الزمن.
** قبل عام/1958/ لم يكن هناك كلية فنون جميلة في القطر ولكن بعد الوحدة بدأنا نسمع بالتزام الجمهورية المتحدة وهي "سورية ومصر" بإقامة كلية للفنون الجميلة في سورية وعندما أسست الكلية في عام/1961/ وكنت قد حصلت على شهادة البكالوريا قمت بإرسال أوراقي إلى "مصر" عن طريق صديق مقيم هناك وقد قبلت في الكلية، ولكنني لم أعرف بهذا القبول إلا بعد ثلاث سنوات.
وفي السنة الثانية من الانتظار كانت كلية الفنون في سورية قد بدأت تستقبل طلابها فتقدمت للامتحان ونجحت وكنت من الدفعة الثانية التي تخرجت في هذه الكلية عام /1969/، ولاشك أن دراستي في كلية الفنون قد زودتني بالكثير من المهارات التقنية واللونية وفتحت أمامي الطريق سالكا لحضور المعارض الخاصة والعامة في العاصمة.
وفعلا فقد كنت زائرا دائما لصالات العرض الفني وخاصة صالة "اورنينا" وصالة "الفن الحديث" التي أسسها الفنان الراحل "محمود دعدوش" بمساعدة شقيقه الأديب الراحل "محمد دعدوش"، وهذه التراكمات شكلت لدي تجربة ساعدتني على بلورة توجهي الأساسي نحو ما رسمت فيما بعد.
** بعد تخرجي في كلية الفنون تابعت العمل الفني وكان أول معرض فردي لي بعد التخرج في نفس العام في المركز الثقافي "بالسويداء" وقد ضم المعرض حوالي /30/ لوحة فنية من خامات مختلفة من "مائي والحبر صيني وباستيل زيتي" وبعض اللوحات الزيتية على قماش تناولت قضايا مجتمعية فيها الإنسان من الاساسيات في تكوين اللوحة، لأن الإنسان بالنسبة لي هو الفاعل والمنتج وقد كتب عن هذا المعرض الفنان المعروف "غازي الخالدي" في جريدة البعث تحت عنوان "ثلاثة معارض بآن واحد السويداء،دمشق، باريس".
** طبعا لا لأنني أقمت معرضا في عام /1973/ بصالة الشعب في نقابة الفنون الجميلة "بدمشق" وأقمت معرضا آخر في عام /1974/، وبدأت أشارك فعليا بمعرض الخريف "بدمشق" والربيع "بحلب" وتوالت المعارض حتى غطت أكثرية المحافظات السورية، ثم انطلقت إلى خارج القطر حيث أقمت العديد من المعارض في دول عربية مثل "الجزائر، الأردن، لبنان"، وشاركت في معارض دولية مثل معرض "برلين" و"موسكو" وقبرص وليبيا.
** في بداياتي كنت أنتمي مع أدواتي إلى الطبيعية فأرسم مباشرة بالألوان بحركات وأعمال العمال والفلاحين بأسلوب قريب جدا من الواقع ولكن هذا الأسلوب كان مشحونا بتوجهات تعبيرية تحمل ميلي إلى أن تكون أعمالي أقرب إلى ما يتململ في داخلي وهذه المرحلة يمكن أن نطلق عليها مرحلة الانتماء إلى المدرسة "الواقعية التعبيرية".
ولكن فيما بعد بدأت الأشكال التعبيرية لدي تأخذ إيماءات لعناصر بشرية تتكئ على أرضية تجريدية إلى أن وصلت في أيامنا هذه إلى ما يمكن أن نسميه "التعبيرية التجريدية" وذلك لأن الحدود قد اختفت من اللوحة وبدأت تتحول إلى مساحات لونية مشبعة بالألوان وأصبحت تدرجاتها أكثر انشدادا للمتلقي كي يتعرف على ماخلف الظاهر منها ومازلت إلى هذا اليوم غارقا في هذا التوجه.
** مشروعي الفني مازال مستمرا ولدي مشروع خاص منذ خمس سنوات وهو مشروع قراءة الصخور المتواجدة في منطقة "اللجاة" فنيا، لأنني أرى تلك الصخور سلسلة من الأمواج التي تروق لي دراستها والغوص في ذراتها ونسيجها وايماءاتها وأعتبر نفسي قد تنبهت مبكرا إلى وفرة البازلت التي تملكها المنطقة والتي أعزو إليها صلابة سكان هذه المنطقة وانتماءهم إليها.
وقد كتبت العديد من المقالات حول قمية هذا البازلت الفنية والجمالية والعلمية كما أنني دعوت منذ أكثر من عشر سنوات إلى إقامة ملتقيات نحتية محلية وعربية وعالمية للنحت مباشرة بهذه الخامة التي تعتبر أقسى خامة بعد الغرانيت وقد تحققت أمنيتي في هذا العام عندما أقيم ملتقى النحت الدولي الأول في "سيع" ومازلت ألح على تكليف مجموعة من نحاتي المحافظة المشهود لهم بجدارة العمل لاختيار صخرة بازلتية بقياس كبير ونحت شكل فني فيها لتدخل "موسوعة غينس" العالمية لأنهم بذلك يكونون قد قدموا مأثرة فنية لهذه المحافظة وهذا القطر الذي نحبه جميعا.
يذكر أن الفنان "جمال العباس" من مواليد عام /1946/ خريج كلية الفنون الجميلة عام /1969/ عمل مدرساً لمادة التربية الفنية حتى عام /1999/ ثم موجها اختصاصيا إلى عام /2002/ لديه أكثر من ثلاثين معرضا فرديا داخل القطر وخارجه وله عشرات المعارض الجماعية وهو حاليا متفرغ لعمله الفني.