موقع eSwueda التقى رئيس قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية المخرج الدكتور "تامر العربيد" بالحوار التالي؟
** المسرح ابن المجتمع العربي عامة والسوري خاصة، بشكله المعاصر هو شكل فني دخيل، بمعنى أن الثقافة العربية لم تشهد حالة مسرحية كما شهدت حالة شعرية، وإنما كان هناك ظواهر مسرحية عند العرب، أي كان يوجد طقوس للمسرح، وأشكال فيها من أجواؤه، مثل "الحكواتي، السامر، الحلقة، خيال الظل" كلها كانت شكل يشبه المسرح ولكن لم يكن هناك تأسيس لأصول وأسس مسرحية، من أجل ذلك يعتبر المسرح شكلاً فنياً حديثاً في الثقافة العربية والاهم أنه لم يستطع حتى الآن أن يوازي الحالة الاجتماعية في الشارع العربي، أي أن يصبح من نسيج المجتمع لذلك يكثر الحديث أحياناً عن أن المسرح هو فن النخبة وجمهوره نخبوي ومحدود، ولهذا السبب بدأت محاولات لتأسيس مسرح عربي حقيقي، وبأشكال مسرحية استندت إلى الظاهرة المسرحية العربية مثل مسرح "الفرجة، الاحتفالية، ومسرح الحكواتي".
** بالنسبة لي كان العمل على الكيفية التي يمكن أن نخلق من خلالها مسرحاً يستطيع بناء حالة التواصل مع الجمهور، وبالتالي أستطيع أن أقول: إن المشروع المسرحي الذي أعمل عليه يندرج ضمن شكل مسرح "الفرجة، والاحتفالية"، وهو من صلب محاولة تأسيس وتأصيل مسرح عربي، بمعنى أن تكون مادته الفكرية قادرة على الارتقاء بالذائقة الفنية للمشاهد العربي دون أن تخلق حاجزاً بينه وبين المسرح، وبنفس الوقت الاستفادة من الأشكال الفنية والطقوس المسرحية في صياغة بصيرة معاصرة، من هنا أستطيع القول: إن معظم العروض المسرحية التي قدمتها كانت ضمن هذا المشروع واستطاع بالفعل خلق حالة من التواصل، لا، بل شكل جمهوراً واسعاً بدأ يتذوق ويتابع حركة المسرح، ومن هذه العروض: "حلاق بغداد، السمرمر، العين والمخرز، بياع الفرجة، مزاد علني، بواب وشبابيك، وأسرار ليالي الحصاد..." وغيرها، وكلها شكلت لبنات ضمن المشروع الطامح لخلق حالة مسرحية معاصرة.
** أصلاً هذا الشكل المسرحي يمكن أن يكون الأقرب للمشاهد العربي لأن بذاكرتنا المرجعية هناك الحكواتي، وهناك مسرح المقهى، والسامر، وكلها كانت تقوم على حكاية التجسيد والتشخيص، حتى طيّب الذكر ورائد المسرح السوري "أبو خليل القباني" اعتمد في عروضه على هذا الشكل وقدم الكثير من الحكايا ضمن منطق المسرح داخل المسرح، لأن هذا الشكل يحقق معادلة اللعبة المسرحية، والمشاهد أصلاً يتواطأ فنياً مع العرض المسرحي، وبالتالي يغريه ويثير لديه الفضول في موضوع اللعب على المكشوف "المسرح داخل المسرح".
** بالأساس المسرح لعبة، وحالة اللعب على المسرح هي في أساس العملية المسرحية أصلاً، ولكي تتم العملية المسرحية يجب أن يكون هناك اتفاق ضمني بين خشبة المسرح والصالة، وبالتالي كلما استطاعت الخشبة أن تخلق أفقاً وأجواء إبداعية متخيلة، جعلت المشاهد يعيش الحالة الفنية المسرحية، ويغريه البحث عن المعنى المقصود، ولأن الشكل الفني للمسرح داخل المسرح يفتح أفقاً واسعاً للمخيلة، فهو مغرٍ للممثل والمخرج وممتع أكثر للمشاهد، ولكنه يحتاج إلى تعبٍ كبير في التعبير، وقدرة على الانتقال بين الواقع والمتخيل.
** طبعاً يساهم النقد في تطوير حركة وثقافة المسرح، ولكن أي نقد؟ /سؤال هام../ النقد الذي يقوم على الموضوعية في فهم المادة المسرحية بجوانبها الفكرية والفنية والإبداعية، وبالتالي الإشارة إلى مكامن الخلل الفني لو وجدت في العمل وبنفس الوقت إلى الإيجابيات ولحظات الإبداع، وبرأيي الأهم في النقد أن نبتعد عن المزاجية والشخصانية ولا أقول الذاتية لأن الناقد هو مشاهد ويجب أن يكون له رأي مثل أي مشاهد، بمعنى أن يتذوق المسرح أولاً، ولكن عندما يريد أن يكتب عنه رأياً نقدياً فيجب أن يتمتع بمواصفات النقد، بمعنى تقييم التجربة المسرحية ومقارنتها، وقياس واعتماد المعيار الثابت ليشكل أساساً في النقد كي يساهم في تطوير العمل الفني والاستفادة منه في الارتقاء بفكر وثقافة العمل المسرحي.
** قلقي ينحصر في ظروف الإنتاج، وبرأيي الشخصي المسرح حتى الآن ما زال فناً ثانوياً في ثقافتنا المجتمعية على الرغم من توافر كل عناصر ومتطلبات تطور الحالة المسرحية من ممثل ومخرج وكاتب وفنانين، ويقلقني أيضاً أن يبقى مظلوماً ولا يصبح الفن الحاضر في يومياتنا، لأنه فن الحياة وهو يعكس مستوى ثقافة المجتمع، وأعتقد أنه هكذا لأن لسانه طويل، فقد كان على الدوام الفن الأخطر في الثقافة، من هنا أريد له أن ينشط ويستقطب الاهتمام الإبداعي والفني والإنتاجي.
** أنجزت منذ فترة قريبة احتفالية مسرحية بعنوان "الطريق إلى دمشق النور إلى العالم" والذي قدم على مسرح قلعة "دمشق"، ونحضر الآن لعمل مسرحي كبير بعنوان "سجّل أنا عربي" إضافة إلى عمل للمسرح القومي بعنوان "رأس المملوك جابر" للراحل الكبير "سعد الله ونوس".
يذكر أن الدكتور "تامر العربيد" هو من مواليد قرية "عتيل" التي تبعد عن مدينة السويداء حوالي ثلاثة كيلومترات درس الدكتوراه في العلوم الفنية من الأكاديمية الفنية العليا للمسرح والتلفزيون والموسيقا والسينما في "سان بطرسبورغ" روسيا عام 1993، وهو عضو هيئة تدريسية في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل، قدم العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، له عدة مشاركات بالمهرجانات الداخلية والخارجية.