لذلك الشغف بالبازلت حكاية طويلة، إذ تستطيع منحوتاته الفريدة أن تعبر عن مكنونات نفسه وانفعالاته فتكاد تشعر بإحساسه ليأخذك إلى عوالم خفية وفضاءات إبداعية.
النحات "فؤاد أبو عساف" من مواليد محافظة "السويداء" عام 1966م، جابت منحوتاته العالم، واحتلت مكانتها المميزة لدى العديد من المجموعات العامة والخاصة، تحدث لموقع eSuweda عن أبرز محطات حياته من خلال اللقاء التالي:
"فؤاد نحات موهوب ومميز بنحت البازلت على وجه التحديد، يتعامل مع هذا الصخر العنيد بسلاسة وسهولة ولديه اتجاهه الخاص به في مجال النحت. مواضيع منحوتاته ترتبط بتاريخ "السويداء" عن طريق رموز وإشارات، تلك التي عمل عليها أجدادنا في الماضي ولكنه قام بتوظيفها بطريقة جديدة، أخذ من تاريخ المنطقة القديم واعتمد على أساطير ميثولوجية تحكي عن تاريخ المنطقة الجنوبية وتاريخ سورية. في منحوتاته يلحق الشكل الحالة التعبيرية التي لها علاقة بالروح التزيينية وبالجمال السوري، يميل إلى التشخيص وأحياناً إلى التجريد. زرت مشغل الفنان "فؤاد" ولاحظت العلاقة المميزة بين "فؤاد" وطلابه، فأنا أفرح عندما أجد شخصاً يعطي ويحب أن يساهم ببناء أجيال جديدة، لأننا بحاجة لدماء جديدة ترفد الحركة النحتية فالنحت أصبح له حضوره بسبب وجود جيلنا الذي ساهم بتكريس ظاهرة النحت
** شغفت بالرسم من عمر صغير جداً، وما زلت إلى اليوم أذكر تلك السبورة الصغيرة التي احتضنت العديد من رسوماتي وأصابع الحوار الملون، تأثرت بالرسوم الموجودة في قصص الأطفال وكتب المدرسة، ولفتت انتباه المدرسين الذين أعطوني اهتماماً ورعاية ساهما في تنمية موهبتي بشكل كبير. في المرحلة الاعدادية اكتشفنا الألوان المائية وبدأنا نرسم بالزيتي بعد أن كانت رسوماتنا تقتصر على الألوان الخشبية، ومنذ ذلك الوقت وفي الصف السابع على وجه التحديد حسمت أمري بدراسة الفنون الجميلة، وكرست أوقات فراغي لمتابعة مجلات الفنون وقراءة العديد من الكتب التي تهتم بالفن، وبدأت لوحاتي ترى الضوء في العديد من معارض المدرسة».
** لو تحدثنا بداية عن أولى محاولاتي النحتية فقد كانت في المرحلة الاعدادية عندما نحتت بورتريهاً لامرأة على البازلت ومازالت محتفظاً بهذه التجربة، وفي المرحلة الثانوية أيضاً كان لدي محاولات نحتية استخدمت فيها الطين والجبس وحجارة البازلت وفي ذلك الوقت عرفت الشكل البسيط لإنتاج قالب. كان لدي هاجس الدراسة في قسم الحفر لأتمكن من صنع كليشة لطباعة عدد كبير من الطبعات لتوزيعها على البيوت، لأن الكليشات الطباعية ساهمت بنشر ثقافة متنوعة من خلال سهولة الطباعة مقارنة بالنسخ اليدوي.
في الكلية وعندما بدأت العمل بالصلصال لاحظت أن لدي ميلاً للحجم أكثر من ميلي للسطح، وأحسست بأنني أستطيع التعبير من خلال المنحوتة أكثر من اللوحة، ودرست النحت وقدمت مشروع تخرجي في عام 1991م من الصلصال وحمل اسم "حب" الذي لخصت من خلاله بعض مفاهيمي النحتية».
** قد يعود السبب في اختياري البازلت هو وفرته في مدينتي "السويداء" ووجود الكثير من الآثار الرومانية والنبطية المشغولة على هذه الخامة، وبسبب تجارب بعض النحاتين المحليين على هذا الحجر العنيد، قد يقول البعض إن الأمر هو تحد فالبازلت قاس ويحتاج لجهد وصبر للعمل عليه، الأمر صحيح ولكن التقنيات الحديثة ساهمت كثيراً في تخفيف هذا العناء.
عملت سابقاً على عدد من الخامات كالخشب والمعادن وجربت الفيبر كلاس، وفي الوقت الحالي أرغب بتوسيع مكان عملي للعمل على الخشب من جديد».
** الملتقيات النحتية عادة هي فرصة للتعرف على عدد من النحاتين المحليين والعالميين وتبادل الخبرات معهم، والتعرف أكثر على نوعية إنتاجهم ما يساهم في خلق أفكار جديدة ومساحات أوسع للعمل وخلق روح من التحدي تساهم في إضافة نكهة مميزة للعمل النحتي.
الفكرة كانت مطروحة ولكني أحببت تطبيقها في "السويداء" ففي الملتقى الأول "سيع" مولت الملتقى مع صديقي "سميح العوام"، وبعد نجاحه الكبير بدأت الجهات العامة بالتعاون معنا، فالملتقى الثاني كان بالتعاون مع مجلس مدينة "السويداء" والثالث بالتعاون مع المحافظة.
شاركت في الملتقى الأول ولكني رغبت بإتاحة المجال أمام عدد من نحاتين شباب للمشاركة ولأول مرة. أما عن الصخرة الأقوى فهي كتلة بازلتية ضخمة تزن 32 طناً، وهي عبارة عن بانوراما مشغولة على أربع جهات تمثل العديد من المفردات المحلية وكلها مجتمعة، تحكي قصة حب نشأت بين الثورة والأرض، الاستقلال والاستقرار، الإنسان ووطنه. هذا العمل هو جماعي تعاونت في إنتاجه مع عدد من الزملاء النحاتين والنحاتات».
** النحت هو إسقاطات لحالات تعبيرية معينة، وأنا مازلت أسعى للوصول إلى ماهية النحت.
تحدثت عن الكم الكبير للأعمال، وأنا دائماً أتعرض لهذا السؤال، فأنا معروف بغزارة إنتاجي مع حرصي الشديد على اقتران الكم بالنوع، منحوتاتي منوعة بحيث لا يوجد منحوتة تشبه الأخرى، فكثافة العمل ولدت احتمالات عديدة الحمد لله لدي طاقة موجودة أنا أستثمرها في العمل في سبيل تحقيق طموحي بأن أترك أثراً فنياً هاماً من حيث الكم والنوع وأحاول صنع شيء مميز يساهم في إغناء التجربة النحتية السورية».
** طلابي لا يعملون لدي بل يعملون لأنفسهم، ومن خلال تدريسي لهم على مدى عامين اكتشف المواهب المميزة وأرغب باحتضانها ومساعدتها على شق طريقها في النحت، أنا أقدم لهم المكان والأدوات وأساعدهم على بيع أعمالهم، وفي الوقت الذي يشعرون فيه بأنهم قادرين على الاستقلال بورش خاصة فهم يتركون هذا المكان، ولكن تبقى لهم ذكريات جميلة ورائعة فيه».
الفنان التشكيلي "مصطفى علي" تحدث عن الفنان "فؤاد أبو عساف" فقال: «"فؤاد نحات موهوب ومميز بنحت البازلت على وجه التحديد، يتعامل مع هذا الصخر العنيد بسلاسة وسهولة ولديه اتجاهه الخاص به في مجال النحت. مواضيع منحوتاته ترتبط بتاريخ "السويداء" عن طريق رموز وإشارات، تلك التي عمل عليها أجدادنا في الماضي ولكنه قام بتوظيفها بطريقة جديدة، أخذ من تاريخ المنطقة القديم واعتمد على أساطير ميثولوجية تحكي عن تاريخ المنطقة الجنوبية وتاريخ سورية. في منحوتاته يلحق الشكل الحالة التعبيرية التي لها علاقة بالروح التزيينية وبالجمال السوري، يميل إلى التشخيص وأحياناً إلى التجريد.
زرت مشغل الفنان "فؤاد" ولاحظت العلاقة المميزة بين "فؤاد" وطلابه، فأنا أفرح عندما أجد شخصاً يعطي ويحب أن يساهم ببناء أجيال جديدة، لأننا بحاجة لدماء جديدة ترفد الحركة النحتية فالنحت أصبح له حضوره بسبب وجود جيلنا الذي ساهم بتكريس ظاهرة النحت».
بقي أن نذكر أن الفنان "فؤاد أبو عساف" أقام العديد من المعارض الفردية والمشتركة داخل وخارج القطر، وأعماله مقتناة في العديد من المجموعات الخاصة في سورية وفي العديد من دول العالم.