يعد المناضل القومي والوطني منصور سلطان باشا الأطرش واحداً من أهم الشخصيات الوطنية البعثية التي قدمت للوطن الكثير من التضحيات، وبرحيله فقدت الساحة الوطنية السورية والقومية العربية واحداً من رجالاتها الذين تميزوا بروح النضال القومي العربي.
فهو سليل عائلة كتبت بدمائها أروع ملاحم الفداء وضحت بأرواحها وأموالها في سبيل عزة وطنها وكانت على الدوام سيفاً مسلولاً في وجه المحتلين.. حيث الدماء العربية التي تجري في عروقهم وتلك الفروسية ذات المعالم الواضحة والبأس والإباء والكرم، وكل هذه العلامات المضيئة التي اهتدى بها منصور وسار على هديها، هي التي جعلت من إسهاماته المضافة في نضاله القومي والوطني بعد أن أصبح من الشخصيات الأساسية المناهضة للدكتاتورية والرافضة للانفصال لتعيش سورية تجربة وطنية ديمقراطية الفذة فيها روح الانتماء مع مخزونه الوطني من المشاعر المتدفقة والتي وجد متنفساً لها في عمله النضالي.
منصور الأطرش المولود في قريته القريا عام 1925 وهو من أطفال وادي السرحان عندما كانت الثورة في أوجها وكان الثوار العرب بقيادة والده المغفور له سلطان باشا الأطرش في النبك وبمنطقة وادي السرحان الواقعة في المملكة العربية السعودية، والتي ترتفع عن سطح البحر ما بين 200 - 450 متراً، منطقة صحراوية وأعشابها صحراوية، وعلى منخفض كبير تحتله صحراء رملية تكثر فيها الكثبان، وتنحدر إليها أودية من المرتفعات المجاورة، حيث لا يوجد في وادي السرحان مراعٍ أو أعلاف لخيول الثوار بالإضافة للحرارة الشديدة التي لا تحتملها الخيول، ليرحلوا إلى النبك في قريات الملح بالقرب من بلدة كاف،ومن مدنها الحديثة، ديرة النبك عبارة عن صحراء مهجورة تتخللها جبال صوانية وكثبان رملية لا تخلو أرضها من بعض أنواع الشجر البرية (كالطرفاء، والرتم) والأمصع وهو نبات ذو رائحة زكية، أما دخان الطرفاء فيدمع العيون وهو بطيء الاشتعال، أما الأمصع فله مواسم معينة فيه حبوب حمراء كحبة الحمص، وطعم حلو، كان الثوار يسمونه (عنب الصحراء).
وأبرز ما في النبك هو عين (جوخة) المحاطة بخمس نخلات باسقات، وهي عبارة عن نبع ماء بعمق مترين إلى ثلاثة أمتار مطوية جدرانه بالحجارة بقطر لا يقل عن ثلاثة أمتار تستفيد منها عشائر البدو النازحة أو المتنقلة بين الأردن والسعودية في مواسم التشريق والتغريب لإرواء أغنامها وإبلها.وقد خلت الأرض من أنواع الأعشاب والنباتات التي اعتاد الثوار أكلها في أرض الجبل (كالعكوب، والرشاد، والهندباء، والخس البري، والكراث... إلخ).
المناظر الصحراوية ثابتة تقريباً صيفاً وشتاءً فالحرارة شديدة بل حارقة في الصيف وكثيراً ما كان الثوار يسفحون الماء في أرض الخيام، ويجلسون فوق الماء بثيابهم للتبريد بعض الشيء.
أما الأطفال الرضع فكانت نسبة الوفيات بينهم مرتفعة لعدة أسباب منها سوء التغذية للكبار وللصغار، وأطفال الصحراء لم يعرفوا من أنواع الثمار والفواكه إلا عنقود العنب ورأس البطيخ قبل النزوح إلى وادي السرحان، وهناك عرفوا عنقود البلح فقط، أما التفاح والكرز والخوخ والموز إلخ، لم يعرفوه إلا في الصور الموجودة بالكتب لم يذوقوا طعمه لا حلواً ولا مراً.
هكذا عاش أطفال الصحراء جميعاً محرومين معذبين جياعاً، وهكذا عاش المجاهدون وعائلاتهم مدة اثنتي عشرة سنة.
إذاً لم يكن لمنصور الأطرش أن يعيش إلا بين الدفاع عن الوطن والذود عن أرضه وعرضه مع والده والثوار العرب الأشاوس فهو من أمضى طفولته مع من يجترع مرار العيش لأجل حرية الوطن والاستقلال، وهو من تربى على النضال الثوري منذ ولادته ، لذا استطاع في شبابه أن يكون من الشخصيات الوطنية التي ناضلت في سبيل وطنها وقدمت له ما لديها من مقدرة ثقافية واجتماعية لتضع بصمة وعلامة بارزة في جبهة التاريخ العربي المعاصر بأن منصور سلطان الأطرش هو من تلك الدار التي منها انطلقت الثورة السورية ووالده كان قائدها ليس من قبيل المنصب بل لزوماً لرجل الثورة الكبير الذي حمل بين أنفاسه عبق الوطن وتاريخه المجيد ليطرد الاستعمار العثماني والفرنسي عن بلاده بعد أن حمل شعار وطنه في فكره وعلمه في قلبه والذي اتخذهما دليلاً عندما أصدر بيانه الأول وهو بيان الثورة /الدين لله والوطن للجميع/ من معقل تلك الثقافة الوطنية بزغ نجم منصور الأطرش ليتسلح إضافة إلى وطنيته بالعلم، السلاح الأنجع في تنمية حركة التحرر الوطني وليحمل دبلوماً في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية عام 1950 وإجازة في الحقوق في عام 1954، ليصبح الصوت الوطني الصادق عن أبناء عشيرته الذين انتخبوه في البرلمان السوري ممثلاً عنهم عام 1952 ، بعد إن شارك مع رفاقه المناضلين الثوريين في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي وطليعته الثورية ويتبوأ منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل عام 1963 ومن ثم رئيس للمجلس الوطني لقيادة الثورة في عام 1965، وفي نكبة العراق الأخيرة كان عضواً مؤسساً في لجنة نصرة العراق المكلوم عام 2001 ورئيساً لتجمع لجان نصرة العراق في بلده الحبيبة سورية عام 2003 وعضواً في المؤتمر القومي العربي عام 2004 .
وعندما اشتد عليه المرض أشرفت القيادة السياسية وعلى رأسها سيادة الرئيس بشار الأسد على علاجه حيث نقل إلى مشافي وجامعات خاصة لتلقي العلاج المناسب وهذا لعمري تكريم غيور لقائد جسور في علاج المناضلين الوطنيين ، حيث شيعت محافظة السويداء يوم الجمعة الواقع في 17/11/2006 وفي موكب شعبي ورسمي ووطني مهيب المغفور له منصور سلطان الأطرش عن عمرٍ تجاوز الثمانين قضاه في تعميق الثقافة الوطنية للدفاع عن قضايا بلاده ونصرة أبناء عروبته.
ونعته وسائل الأعلام، وكتب في صحيفة تشرين الشاعر الكبير سليمان العيسى أبياتاً من الشعر يرثي فيها الراحل:
يا بن العرين ويا رفيق جراحنا
والريح تمضغ حلمنا الموءودا
سيظل بيتك عبر حالكة الدجى
ناراً تضيء دربنا ووقودا
امدد يديك إلى الرفاق من الردى
الفجر فجرك ما يزال بعيدا
أخيراً... رحم الله منصور الأطرش الذي يعد علماً من أعلام الثورة والنضال والوطنية ونسأله تعالى أن يسكنه فسيح جنانه وأن يلهم أهله وأصدقاءه وذويه الصبر والسلوان، وعهداً علينا أن تبقى في ذاكرة الوطن يا أبا ثائر أنت وكل المناضلين من أبناء وطني ما حيينا في الوطن.