«يعد مطرب الرجولة الراحل "فهد بلان" لون جديد في الغناء العربي، هذا ما قالته "أم كلثوم"، و"فهد بلان" من أساطين النغم في الوطن العربي ولن أبالغ إن قلت إنّه من أفضل ثلاثة أصوات في العالم وهذه حقيقة كتبت في "فرنسا".
تعرفت إلى هذا الرجل الطيب في عام 1986 في سهرة عامة وتتالت اللقاءات بيننا أحببته كثيراً لتواضعه ومحبته للناس وأحبني كثيراً لأنني أشبهه في الكثير مما يتحلىَّ به». هذا ما تحدث به الشاعر والملحن "سعدو الذيب" لموقع eSuweda بتاريخ 6/10/2008 وأضاف قائلاً: «صوت فهد بلان من الأصوات النادرة في الوطن العربي إذ يتجاوز "الأوكتافين" في المفهوم الموسيقي وهذا ما يسهّل عمل أي ملحّن صنع أغنية "لفهد بلان"، يكون الملحن في هذه الحالة منطلقاً في خياله الموسيقي لا تحدّه عدّة مقامات قليلة يعمل عليها كأصوات مميزة من المطربين وهذا ما يأسر الفنانين الذين عملوا مع هذا الصوت الجبار إذ لا يعجبهم الانتقال إلى صوتٍ آخر والمغامرة مع فنان آخر».
جاءنا فهد ومعه الحرب ليته ما جاء، وما جاءت هذه الحرب
"فهد بلان" المولود عام 1933 في قرية "الكفر"، والده "حمود بن أحمد بلان" الذي عمل في بداياته في فلاحة الأرض قبل أن يصبح دركيّاً، وهو يملك صوتاً قوياً وجميلاً، ويجيد العزف على آلة "الرباب"، حيث اكتسب "فهد بلان" من أبيه الميل إلى الموسيقا والغناء، عمل في طفولته في أرض أبيه، وكان يسلي نفسه أثناء عمله في غناء الموروث من العتابا والميجنا والشروقي، وأغلب الذين كانوا يعملون معه، كانوا يتوقفون عن العمل ليستمعوا إلى صوته، وكان الشجن هو طابع غنائه الذي يعكس معاناته، وهو بعد مازال طفلاً لم يشتد عوده ولم يزد عمره على عشر سنوات، وبعد ذلك نشب بين والديه خلافٌ لينتهي هذا الخلاف بالطلاق.
كانت طموحاته أكبر من أن تتسع لأحلامه، وآماله في أن يصبح فناناً مرموقاً، وازدادت رسوخاً وقوة في نفسه على الرغم مما حققه من بدايات ناجحة في الغناء في الحفلات والمناسبات الاجتماعية.
وفي عام 1957 تقدم إلى امتحان القبول كمردد في جوقة الإذاعة السورية. ولم يكن الامتحان سهلا فقد كان عليه أن يمثل أمام قطبين من أقطاب الموسيقا في "سورية" وهما "يحيى السعودي ورياض البندك" غنى أمام اللجنة أغنيات "لفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب"، ولكنه لم ينجح على الرغم من اتقانه لأغانيهما لسببين الأول خوفه وارتباكه أمام اللجنة والثاني اختياره لأغنيات يُنشز بها المطرب المبتدئ، وتساءل مع نفسه: لماذا لا أغني شيئاً من تراث بلادي؟ وارتفع صوته أمام اللجنة وصدح بأغنية:
هين ضرب السيف يابا……… هيـن عليّا
وأنا أشوفك قدام عيني………. زعلان عليّا.
وقال "فهد بلان" عن تجربته: «لم أكد انتهي من غناء مطلع الأغنية وأبدأ في مقطع (كوبليه) حتى وجدت علائم الإعجاب واضحة على اللجنة».
ونجح لأن ذلك النوع من الغناء يلائم صوته الجبلي، قدم إلى برنامج "ركن الهواة" ونال إعجاب لجنة فحص الهواة بالإجماع، بعد ذلك رشح ليكون نجم الغناء في مسرحية "المنحوس السادس عشر" فقد أراد أن ينتقل من الغناء خلف ميكرفون الإذاعة إلى الغناء من فوق خشبة المسرح وأمام الجمهور وفي أواخر عام 1957 تعرف على الملحن "سهيل عرفة"، وكان أول عمل مشترك لهما هو أغنية "يا بطل الأحرار" التي نظمها "راشد الشيخ" ولحنها "سهيل عرفة" وفي مطلع عام 1958 ابتهاجاً بقيام الوحدة بين "سورية ومصر"، ثم غنى بعدها في الشهر السابع من عام 1959 أغنية "مشغول بحبك" التي نظمها "مسلم برازي" ولحنها "راشد الشيخ" وفي التاسع من كانون الأول عام 1959 غنى من كلمات "حسن البحيري" وألحان "عبد الفتاح سكر" أغنية "لعينيك يا حرية".
وبعد أن التقى مع الفنان "شاكر بريخان" في إذاعة "حلب" وقدما مع المطربة الراحلة "فضيلة مقلة" المعروفة باسم "سحر" أغنية "آه يا قليبي" عاد إلى "دمشق" ليبدأ التعاون مع الملحن "عبد الفتاح سكر"، كان برنامج ألوان الإذاعي الذي كان يعده ويقدمه ظريف "لبنان" الفنان "نجيب حنكش" من أقوى البرامج الإذاعية، واستضافه في إحدى حلقاته وغنى عدداً من أغنياته الشهيرة التي تتسم بالعاطفة والقوة، الأمر الذي جعل "نجيب حنكش" الذي يضن بإعجابه يصيح: «أنت يا فهد بحق مطرب الرجولة»، ومنذ ذلك التاريخ غدا معروفاً باسم "مطرب الرجولة".
أطلق الصحفي والناقد الفني "شفيق نعمة" عليه اسم "بعبع الغناء" ولما سأله الموسيقار "محمد عبد الوهاب" عن السبب أجابه: «بأن ما فعله من وراء فنه وأسلوبه الغنائي وحضوره وشخصيته القوية هو الذي جعله يطلق عليه هذه التسمية حتى إن الكثيرين من المطربين صاروا يتجنبون الظهور معه في الحفلات خوفاً من شعبيته الكبيرة».
كانت القاهرة الحلم الذي داعب خياله طويلاً، وكان يتحين أول فرصة للسفر إليها وعندما جاءته في ربيع عام 1967، دعوة شيخ المذيعين "جلال معوض" للمشاركة في برنامج "أضواء المدينة" بادر فوراً إلى تلبية هذه الدعوة، التي صادف توقيتها بعد وصوله بأيام اندلاع حرب حزيران بأيامها العاصفة الغاضبة المحبطة للآمال، ولما كان الإنسان المصري مبدعاً بطبعه للنكتة فقد قالوا عليه قبل وصوله: «جاءنا فهد ومعه الحرب ليته ما جاء، وما جاءت هذه الحرب»، غير أنهم عندما استمعوا إليه في أضواء المدينة أدركوا أنهم أمام مطرب غير المطربين الذين اعتادوا الاستماع إليهم، وأنه نسيج يختلف عن نسيج غيره أداءً وحرفةً خاصة في الغناء الوطني كأغنيته "المسجد الأقصى" من كلمات "محسن الخياط" وألحان الموسيقار "محمود الشريف".
وقد قال الملحن "سليم سروة": «لقد غنى فهد بلان من ألحاني عشرة أسلوغونات وطنية إضافة إلى الأغاني الوطنية للملحنين الآخرين والتي قدمها من صميم قلبه وحبه لوطنه وانتمائه إليه، ما دفع إسرائيل إلى تقديم شكوى إلى هيئة الأمم المتحدة بأن سورية تهددها من خلال الطريقة التي يقدم بها فهد بلان أغانيه الوطنية».
وقال الدكتور"علي عقلة عرسان" فيه: «"فهد بلان" فارس الأغنية وتليق له العباءة، وعاشق يتماهى مع عشقه الغناء».
وكذلك الشاعر والأديب "شوقي بغدادي" قال فيه: «من هو المطرب الذي يمكن أن نسمّيه "سوريّاً" حقاً بعد رحيل "فهد بلان"؟ من يملك صوته وأصالته وموهبته وقدراته الخُلقية والفنية الفطرية على اختراق الأوساط الفنيّة العربية جمعاء دون أن يضحي بشيء من أصالته؟».
وقد وصفه الشاعر العربي الفلسطيني "سميح القاسم" بأنه ظاهرة فنية غير متكررة.
لمحة توثيقية:
غنى ما يزيد على ألف أغنية، وثقت في كتاب عنه بعنوان "فهد بلان.. الفنان الإنسان".
قلده القائد الخالد "حافظ الأسد"، وسام الفنون من الدرجة الأولى، وكذلك الرئيس "معمر القذافي" وسام الاستحقاق للفنون، والملك "الحسن الثاني" وسام الاستحقاق للفنون.
التقديرات من الجهات الرسمية كانت ثلاث براءات تقدير من النقابة المركزية وكتب شكر وثناءات من النقابة المركزية لعدة مرات وكتب شكر وثناءات من محافظي السويداء، وكتب شكر وثناءات من مجلس مدينة السويداء، وكتب شكر وثناءات وتقدير من محافظتي حماة واللاذقية، وتقدير وشكر واعتباره من مؤسسي الأغنية السورية من مهرجان الأغنية السورية في حلب عام1992، وبراءة تقدير للفرع صادرة عن النقابة المركزية تاريخ 28/11/1991، وبراءة تقدير للفرع صادرة عن النقابة المركزية تاريخ 2/11/1993، وبراءة تقدير للفرع صادرة عن النقابة المركزية تاريخ 24/9/1995، براءة تقدير للفرع صادرة عن النقابة المركزية تاريخ 14/10/1995، درع محافظة السويداء مقدم من محافظ السويداء لأعضاء مجلس الفرع بمناسبة احتفالات النقابة بالعيد الفضي لقيام الحركة التصحيحية تاريخ21/11/1995، وكتاب شكر من منظمة طلائع البعث بمناسبة إقامة مهرجان الطلائع القطري السنوي الذي أقيم في محافظة السويداء عام 1996، وفي عام 1996 شارك في جمهورية "مصر العربية" بمهرجان فني كبير بمناسبة ذكرى عبور قناة السويس، حيث قدم عدداً من الأغاني الوطنية، والجدير بالذكر أنه بسبب الكم الهائل من الفنانين المشاركين من كل أنحاء الوطن العربي خصص لكل فنان /15/ دقيقة عدا فهد بلان الذي طلب منه السيد وزير الإعلام المصري شخصياً مزيداً من الأغنيات، الأمر الذي جعل وصلته تزيد على خمس وأربعين دقيقة وقد منح في حينها وشاحاً ووساماً رفيع المستوى، حتى قال عنه الشاعر "عبد الرحمن الأبنودي" شاعر الأرض: «لقد دخل "فهد بلان" إلى "مصر" دخول الفاتحين».
كذلك قدمت له دروع وشهادات تقدير وأوسمة من الدول العربية من مصر واليمن والجزائر وتونس وليبيا والمملكة الأردنية والمغرب وسلطنة عمان وغيرها من الدول العربية والأجنبية.
أفلامه السينمائية:
قدم /15/ فيلماً وهي: "يا سلام على الحب" و"أنت عمري" و"حبيبة الكل" و"عقد اللولو" و"أفراح الشباب" و"البنك" و"لهيب الجسد" و"عاريات بلا خطيئة" و"القاهرون" و"أين حبي" و"فرسان الغرام" و"الوردة الحمراء" و"ليالي الشرق" و"لسنا ملائكة" و"أفراح بعلبك"، كما مثل في التلفزيون اللبناني مسلسلاً بعنوان "أنا أنت" في شهر كانون الثاني عام 1974 مؤلف من ثلاثين حلقة.
يذكر أن الفنان رحل في صباح يوم الأربعاء الموافق في 24/12/1997 إثر توقف قلبه عن الخفقان عن عمر ناهز الرابعة والستين.