"فؤاد سليم" كان أحد أعمدة الثورة "السورية الكبرى" عام 1925، ومن أعلامها وقادتها ومفكريها ورئيس أركانها والعقل المتقد فيها، محارب لا يشق له غبار.
حياته القصيرة ملأى بالأحداث والوقائع في "لبنان" و"فلسطين"، و"مصر"، و"الأردن"، واستشهد في "الجولان" السوري المحتل، وبقي ضريحه الرابض فوق تل "أسود" أسيراً تحت الاحتلال.
ولد "فؤاد سليم" عام /1893/ في بيت يعشق العلم ويقدسه، فكان والده "يوسف" طبيباً مشهوراً متخرجاً في الجامعة الأميركية في "بيروت" ويعمل في منطقة "بعقلين"، قضاء "الشوف"، فتفتحت عيناه على الكتاب. لكن عمل الأب الطبيب جعل دراسته متقطعة، حيث نال علومه الأولية في مدينة "صيدا" مدرسة "طانيوس سعد"، ثم في "الشويفات"، ثم في المدرسة "الداوودية"، وبعد أن نال شهادة الدراسة الثانوية التحق بالجامعة الأميركية قسم الآداب، قبل أن يلتحق بمدرسة "جورج طعمة" في "المختارة"، ثم بالكلية العلمانية للشيخ "عباس الأزهري" في "بيروت"، ليعين بعدها معلماً في "بسكنتا"، وكان لهذه المراحل فوائد كثيرة لحياته القصيرة
مدونة وطن "eSyria" التقت الأستاذ "وجيه الكفيري" يوم السبت الواقع في 28/9/2013 عضو الجمعية "التاريخية"، الذي حقق في تاريخ وحياة عدد من شهداء وقادة الثورة السورية، حيث تحدث بداية عن طفولة الشهيد "فؤاد سليم" فقال: «ولد "فؤاد سليم" عام /1893/ في بيت يعشق العلم ويقدسه، فكان والده "يوسف" طبيباً مشهوراً متخرجاً في الجامعة الأميركية في "بيروت" ويعمل في منطقة "بعقلين"، قضاء "الشوف"، فتفتحت عيناه على الكتاب. لكن عمل الأب الطبيب جعل دراسته متقطعة، حيث نال علومه الأولية في مدينة "صيدا" مدرسة "طانيوس سعد"، ثم في "الشويفات"، ثم في المدرسة "الداوودية"، وبعد أن نال شهادة الدراسة الثانوية التحق بالجامعة الأميركية قسم الآداب، قبل أن يلتحق بمدرسة "جورج طعمة" في "المختارة"، ثم بالكلية العلمانية للشيخ "عباس الأزهري" في "بيروت"، ليعين بعدها معلماً في "بسكنتا"، وكان لهذه المراحل فوائد كثيرة لحياته القصيرة».
وعن بداية حياته العملية، وكيفية التحاقه بالثورة العربية الكبرى، تابع: «كان في الرابعة والعشرين من عمره عندما كانت أصداء الثورة العربية الكبرى تملأ الأفق، فحزم أمره وقرر التوجه إلى شرقي "الأردن" مقر الأمير "فيصل"، فلما وصل ظنوه جاسوساً للإنكليز لجمال وجهه، ولون شعره الذهبي. وعندما استقر به الحال سلمته قيادة الثورة الشؤون الإدارية لكونه متعلماً، وذا خبرة فاعترض بشدة قائلاً: (لقد جئت للقتال، لا لأعمل في الورقة والقلم!). فالتحق بالعمل العسكري برتبة ملازم ثاني تابعاً للفرقة التي كان يقودها الأمير "شاكر بن زيد" فأصبح ساعده الأيمن، وعهد إليه بمهاجمة القوات العثمانية المرابطة على جسور السكة الحديدية الممتدة من "معان" إلى "عمّان"، فنجح بذلك. ورقي إلى رتبة رئيس، وتسلم قيادة الفوج المؤلف من الفرسان والمشاة، ودخل "دمشق" مع الأمير "فيصل" حيث كان من المقربين إليه».
وعما فعله بعد قيام الثورة العربية، تحدث المؤرخ الراحل "عجاج نويهض" في كتابه "ستون عاماً مع القافلة العربية"، وهو الصديق الشخصي للراحل بالقول: «في عهد الدولة العربية كلف قيادة العصابات المنظمة التي كانت تهاجم القوات الفرنسية من جبل "عامل" حتى جبال "العلويين". وقد حكم عليه الجنرال "غورو" بعد احتلال "سورية" بالإعدام في 25/7/1920 فغادر "سورية" إلى شرقي "الأردن" ليلتحق بالأمير "عبد الله" ليستلم منصب "قائد كتيبة الفرسان"، ويستلم منصب رئيس "أركان الجيش الوليد". وقد أصيب بجرح بليغ بعد تمرد "كليب الشريدي" ضد الملك "عبد الله"، لكن الفتنة والخلاف بين العشائر والحكومة بتحريض من الإنكليز استمرت، فكان أن عزل من منصبه فغادر إلى "مصر" ليعمل في الصحافة في العام /1924/، وكان أن عرض عليه رجل من آل "الطرابلسي" الذهاب إلى "اليمن" لتدريب جيشها، غير أنه رفض العمل في جيش يقوده شخص يعمل ضارباً للرمل».
أما عن التحاقه بالثورة السورية الكبرى، فتحدث المؤرخ "سعيد العاص" في كتابه "أيام حمراء"، وقال: «وصل "فؤاد سليم" إلى "السويداء" في أواسط شهر أيلول من عام /1925/ والتحق فوراً بالثورة السورية الكبرى مرحباً به من قبل قائد الثورة وثوارها، وهو ابن البلد النجيب، فكانت أولى مشاركاته في الثورة بمعركة "المسيفرة" التي جرت في 16/9/1925. وكان أن قدم وفد من إقليم "البلان" (الذي عرف لاحقاً بإقليم الجولان) بقيادة "فندي أبو سيف" لإخبار قائد الثورة باستعداد أبناء الإقليم للاشتراك الفعلي بالثورة، حيث عقد "سلطان الأطرش" وزعماء الثورة اجتماعاً لمناقشة طرق الزحف على الإقليم، فكان لـ"فؤاد" دور بإقناع الزعماء بتسيير حملة يقودها "زيد الأطرش"، حدث ذلك في 30/10/1925 وعندما وصلت الحملة إلى أطراف "الجولان" عقد قادتها اجتماعاً مع زعماء الإقليم الذين قرروا احتلال "القنيطرة" على الرغم من معارضة "فؤاد" الذي كان له رأي مخالف عرف بخطة "فؤاد" التي تقضي بقيام الثورة في "لبنان" قبل الزحف على "القنيطرة"، لأن الزحف عليها خطأ لا يمكن اجتنابه. ولو نفذت الخطة كما أرادها لكانت أجدى نفعاً من سقوط الإقليم.
أما أهم الأعمال التي قام بها "فؤاد" أثناء الحملة فكانت: تدمير جسر "البارد" أثناء تسيير الحملة من "ريف دمشق" إلى "مجدل شمس". وتدمير جسر "الرقات" عند اجتماع الثوار في "مجدل شمس". نسف جسر "الخردلة" على نهر "الليطاني". مشاركته في جميع المعارك التي جرت في "لبنان" بقيادة المجاهد المرحوم "زيد الأطرش". وكتابته لبيانات ومناشير الحملة التي كانت تصدر عن قائدها بالنيابة عن "سلطان الأطرش" التي كان عنوانها (الدين لله والوطن للجميع). ومن الواجب علينا حين نقرأ هذه المناشير القومية أن نحني رؤوسنا إجلالاً إلى تلك النفس الوثابة، وإلى تلك الشجاعة النادرة، والأخلاق السامية التي اتصف بها، حيث كانت منبعاً من فيض دماغه، لأنها فياضة من ينبوع أدبه، وقبساً من شعلة ذكائه المتوقد، فهو دماغ الحملة المفكر، وقائد حركتها المعنوية، وأحد أبطالها المغاوير».
المجاهد "حمد قرقوط" من أهالي قرية "ذبين" روى قصة استشهاده بالقول: «اختلف الثوار على رأيين أثناء وجودهم في "مجدل شمس"، الأول كان بقيادة "زيد" الذي يقضي بترك "المجدل"، والمبيت في قرية "حضر" لاستنفار المنطقة. والثاني بقيادة "فؤاد"، القاضي بعدم ترك المجاهدين قرية "مجدل شمس" دون حماية، خوفاً من تعرض أهلها للهلاك في حال دخول الفرنسيين إليها. وبعد المداولة ذهب قسم بقيادة "زيد" إلى "حضر"، والثاني بقيادة "فؤاد" الذي بقي معه (14) مجاهداً ظلوا في البلدة لحراستها، حيث قام "فؤاد" بمساعدة الأهالي بردم ممر "البويب" الوحيد الذي يصل البلدة مع القرى الأخرى بالحجارة والصخور على مسافة /300/ متر. وعندما أتت الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال "كليمن غرانكو" فوجئت بانسداد الطريق الذي يتعذر فتحه، فقام المجاهدون بفتح النار على الحملة التي تقهقرت إلى الوراء لتحاصرها من الخلف مجموعة المجاهد "زيد الأطرش" التي فاجأت الفرنسيين عند طريق "سحيتا". وبعد انسحاب الفرنسيين وتراجعهم مهزومين، سكت الرصاص وركب "فؤاد" حصانه قاصداً رفاقه لتهنئتهم بالنصر العزيز، فاجأته شظية غادرة ناتجة عن انفجار قنبلة دخلت رأسه، فخر صريعاً، وفاضت روحه الطاهرة يوم السبت في الخامس من كانون الأول من عام /1925/، حيث دفن في تل "أسود" قرب قرية "سحيتا" المحتلة، وبنى له المجاهد الكردي "عمر آغا شندين" ضريحاً رخامياً يليق باحتضان جسده الطاهر».
وعن ردود الفعل على استشهاده، يلخصها الأستاذ "وجيه الكفيري" بالتالي: «كانت أول ردة فعل صدرت من المجاهد "زيد الأطرش" الرفيق والأخ والقائد حين قال: (احتظنت الشهيد وبكيته، ونزعت منه سلاحه ونقوده، وأعطيتها لأخيه "نصري" الذي كان معنا، هكذا ترجل الفارس، واستشهد البطل، وغاب عنا نجم طالما اهتدينا بنوره، إنه علم من أعلام نصرنا، وقد طواه الموت أمام أنظارنا فدفناه على رابية قرب "سحيتا" دون مراسم، فدمه يطهره وجهاده يشفع له، فهو من الخالدين). أما المجاهد الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر" الناطق الرسمي باسم الثورة السورية الكبرى، وأحد أعلامها الكبار فقال: (حمدت له وطنيته، ورأيته ملازماً للقيادة العامة يتحمل وعث الأسفار، وشقاء المعيشة، غير حريص على التفوق، بل جعل نفسه داعية وأداة منفذة. الذي كلف بنشر الرسائل الوطنية البليغة في الإقليم بعنوان الدين لله والوطن للجميع). أما المؤرخ الكبير ورفيق الدرب "سعيد العاص" فقال: (كان مثالاً حياً للتضحية، وأنموذجاً للبطولة، ضحى بنفسه وماله وبكل عزيز لديه في سبيل حرية "سورية" خاصة، واستقلال العرب عامة، ويعود إليه الفضل في اتساع الثورة لجهوده المخلصة والثمينة). وأبّنه قائد الثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" بعبارة قصيرة قال فيها كل البلاغة: (مات "فؤاد" وماتت معه روح الثورة، وذهبت آمالنا بالثورة معه، رحمه الله)».