«ما أشبه الماضي بالحاضر، واستعمار الأمس باليوم لأنه مهما اختلفت أشكاله وتقنيات أفعاله فهو لا يخفي إلا وحشيته التدميرية وغطرسته الخبيثة في سائر العصور إذ لا تختلف لديه الأشكال والمسميات فهو يتمتع بخبرة بوسائل التشويه والتقويض ضد من يقف في وجهه من الثوار والمقاومين، ويهون عليه استخدام اللأخلاقية لتحقيق أهدافه الطامعة بالأرض، وإن كانت مخالفة لكل الشرعية الدولية والمجتمع الدولي كما حدث في الماضي مع الاستعمار الفرنسي لسورية، واليوم مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين».
هذا ما تحدث به المؤرخ الأستاذ "ضامن مراد" صاحب كتاب "وادي السرحان" لموقع eSuweda بتاريخ 16/4/2009 والذي أضاف بالقول: «بتاريخ 23 آب /أغسطس/ 1925 أعلن "سلطان باشا الأطرش" الثورة رسمياً ضد الفرنسيين، وأصدر بياناً جاء فيه: (دعوة سلطان باشا الأطرش قائد عام جيوش الثورة الوطنية السورية إلى الثورة ضد الفرنسيين: إلى السلاح، إلى السلاح، يا أحفاد العرب الأمجاد. هذا يوم ينفع المجاهدين من جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب، فلننهض من رقادنا ولنبدد ظلام التحكم الأجنبي عن سماء بلادنا، لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم، ولا يضيع حق وراءه مطالب.
في 26 أغسطس 1925، قابل الثوار السوريون مناشير فرنسا بأن غادر قسماً كبيراً من فرسان "حي الميدان وحي الشاغور في دمشق"، إلى جبل الدروز، للالتحاق بالثورة، وهذان الحيان "الميدان والشاغور" اشتهر أهلهما بصلابة العود، والشجاعة، ولهما اختلاط بأهل البادية، وسكان جبل الدروز و"حوران"، وكان نحو مئة خيال حوراني، قد أنضم إلى قوة من الدروز، مؤلفة من 13 خيالا، بقيادة "إبراهيم نصر" وهاجموا "خربة الغزالة" فأرسلت السلطة الفرنسوية، طيارات أمطرت قرى "حوران" بالقنابل المدمرة، وفي مقدمة تلك القرى "الحراك، والحريك، والمليحة، والصورة" وأغار عرب اللجاه على قرية "الشقرة" في "حوران"، فهرب أهالي القرية إلى "ازرع"
أيها السوريون، لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة. أيها العرب السوريون، تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي. تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وأن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الأمم المتحدة الناهضة لا تنالها يد البغي. لقد نهب المستعمرون أموالنا، واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر، حتى في بلادنا وأقاليمنا.
إلى السلاح أيها الوطنيون، إلى السلاح، تحقيقاً لأماني البلاد المقدسة. إلى السلاح تأييداً لسيادة الشعب وحرية الأمة. إلى السلاح بعدما سلب الأجنبي حقوقكم، واستعبد بلادكم، ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الأماني القومية.
نحن نبرأ إلى الله من مسؤولية سفك الدماء، ونعتبر المستعمرين مسؤولين مباشرة عن الفتنة. يا ويح الظلم لقد وصلنا من الظلم إلى أن نُهان في عقر دارنا. فنطلب استبدال حاكم أجنبي محروم من مزايا إنسانية، بآخر من بني جلدته الغاصبين، فلا يُجاب طلبنا بل يُطرد وفدنا كما تطرد النعاج، إلى السلاح أيها الوطنيون، ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة. إن حربنا اليوم هي حرب مقدسة. ومطالبنا هي: وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً، وقيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة، وسحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتأليف جيش وطني لصيانة الأمن، وتأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء. إلى السلاح، ولنكتب مطالبنا هذه بدمائنا الطاهرة كما كتبها أجدادنا من قبلنا. إلى السلاح والله معنا. ولتحيا سورية العربية حرة مستقلة).
فاضطرت "فرنسا" أن تستخدم أساليبها الاستعمارية وألقت الطيارات الفرنساوية، على الكثير من مواطن الثوار في الجبل، جملة مناشير عديدة، منها منشور هذه صورته: (من الدولة المنتدبة، إلى سكان الجبل: "يا سكان الجبل، أن الآفاق "سلطان باشا" في عصيانه على فرنسا، إنما يمهد الخراب النهائي لبلادكم، من غير أن يشعر ولقد لحق به بعض المتهوسين، الذين لم يحسبوا حساباً، لما قد يجره عملهم هذا، من الأضرار برقي البلاد و ازدهارها ! إن إنزال العقاب سيبدأ قريباً، وسيكون قاسياً و شديداً، فأما الذين ظلوا منكم أمناء فلن يلحقهم إزعاج، بل أن أمانتهم هذه، ستجد ثواباً جزيلا، وما الذين جرهم سلطان باشا إلى العصيان، ثم عادوا نادمين خاضعين، قبل فوات الحين، فان هؤلاء لن يشملهم العقاب، وسينال الذين تخلفوا منهم عن الطاعة، عقاباً يستحقونه.
يا سكان الجبل، أنتم الذين لا تريدون خراب بلادكم، ولا قذف نفوسكم إلى عقاب شديد أحذروا أن تربطوا مقدرات قضيتكم، بقضية سلطان الخاسرة)».
ويذكر الباحث والمخرج "حسن عز الدين" قائلاً: «بعد إصدار البيان وإعلان الثورة رسمياً في 23 آب /أغسطس/ 1925، انضم إلى الثورة ثوار "دمشق وحمص وحماه ونواحيها" إلى الثورة، وأبلى الثوار بلاءً حسناً في إنزال الهزائم بجيوش المستعمرين الفرنسيين، حتى إن "فرنسا" اضطرت بفعل هذه الهزائم إلى عزل مفوضيها الساميين وضباطها العسكريين في سورية وتعيين البدائل عنهم، كما حصل مع المفـوض السامـي "سراي" بعـد مهاجمة الثـوار لقصر العظـم بدمشق، فعينت المسيو "دي جوفنيل" وقصفت "دمشق" بالطيران لمدة 24ساعة متواصلة كما أرسلت "فرنسا" أحد أبرز قياديها الجنرال "غاملان" بعد تزايد قوة الثوار وانتصاراتهم، وعندما هزت هذه الانتصارات "فرنسا" الاستعمارية، وجدت نفسها أمام مأزق كبير فلجأت إلى إرسال آلاف الجنود إلى "سورية ولبنان" مزودين بأحدث الأسلحة، مقابل قلة مصادر تموين الثوار، مما أدى إلى قلب الميزان لصالح الفرنسيين، فأعادوا سيطرتهم على كثير من المدن بعد أن استمرت المقاومة الباسلة حتى ربيع عام 1927، وكان الفرنسيون قد حكموا على "سلطان الأطرش" بالإعدام».
المؤرخ والرحالة "حنا أبي راشد" يذكر في كتابه "ثورة حوران الدامية": «في 26 أغسطس 1925، قابل الثوار السوريون مناشير فرنسا بأن غادر قسماً كبيراً من فرسان "حي الميدان وحي الشاغور في دمشق"، إلى جبل الدروز، للالتحاق بالثورة، وهذان الحيان "الميدان والشاغور" اشتهر أهلهما بصلابة العود، والشجاعة، ولهما اختلاط بأهل البادية، وسكان جبل الدروز و"حوران"، وكان نحو مئة خيال حوراني، قد أنضم إلى قوة من الدروز، مؤلفة من 13 خيالا، بقيادة "إبراهيم نصر" وهاجموا "خربة الغزالة" فأرسلت السلطة الفرنسوية، طيارات أمطرت قرى "حوران" بالقنابل المدمرة، وفي مقدمة تلك القرى "الحراك، والحريك، والمليحة، والصورة" وأغار عرب اللجاه على قرية "الشقرة" في "حوران"، فهرب أهالي القرية إلى "ازرع"».
وهكذا أجبرت الثورة الفرنسيين على إعادة توحيد سورية بعد أن قسمتها إلى أربع دويلات "دمشق، وحلب، وجبل العلويين، وجبل الدروز" كما اضطرت إلى الموافقة على إجراء انتخابات فازت فيها المعارضة الوطنية بقيادة "إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي"، وبعد نضال كبير ومرير مع غطرسة الاستعمار الفرنسي استطاع السوريون أن ينالوا استقلال بلادهم وكان الجلاء في 17/نيسان/ 1946.