عندما عاد المجاهد "يحيى رزق" إلى قريته "خازمة" من منفاه الطوعي لسبع سنوات في "وادي السرحان" بصحبة الثوار، أوقف نزيف الدم دون قتال، وذلك عندما استخدم العقل والرجولة معاً أمام المستعمر، فربما استمد إرادته وقوته بفتح قريته دون قتال من إيمانه المطلق بمبادئ الثورة السورية الكبرى الهادفة لاستقلال البلاد التام.
عن وقائع الحادثة التاريخية أورد الباحث التاريخي "زيد النجم" في كتابه "أحداث منسية وأبطال مجهولون" هذه الحادثة مبيناً تفاصيلها لموقع eSwueda بالقول: «حين عاد إلى قرية "ملح" استدعاه الحاكم الفرنسي في "صلخد" الكابتن "دزدريا" وأدار معه التحقيق قائلاً له: "مين سمح لك بالعودة وأنت خارج عن القانون؟!" أجاب المجاهد "يحيى رزق": "لما رحت من بلدي المحتل ما أخذت إذن من حدا، ولما رجعت لبلادي وأرضي ما لازم يمنعني حدا، وما بأخذ إذن من حدا"، قال الكابتن: "ما دام عبتقول بلدك وأرضك... ليش تركتا؟!"، أجاب: "ومين قال إني تركتا؟! نحنا حاربناكم، وانسحبنا لنرجع نحاربكم من جديد، أنتو محتلين أرضنا، والإنسحاب بالحرب مش عيب.. وأني انسحبت، ورجعت، وتابع بالقول: "انتو بتعرفوا كيف جبلنا ترابها بالدم من دور تركيا لليوم، وكيف بدنا نتركها؟!، قال "دزدريا" وما جبلتوها بدم الفرنساويين؟!، أجاب المجاهد وقد رأى أنه لا يجوز الانسحاب من المعركة هذه: "نعم انتو بتعرفوا مليح كيف جبلنا الأرض بالكفر "بدم ابني حسن" وصربة ملح، وغيرهن، وكيف جبلناها بمعركة تل الخاروف بدم خيي "حمد" ورجالوا، وكيف جبلناها بدماكم بالمزرعة، والمسيفرة، والغوطة، وغيرها، وغيرها، نهض الكابتن "دزدريا" من وراء مكتبه وتقدم نحو المجاهد "يحيى رزق"، ومد يده مصافحاً، وقال: "بون يحيى.. بون يحيى، نعم جبلتوها بدمنا، ويحقلكم أن ترجعوا إليها، البلد بلدك"».
هذه الحادثة تذكرنا بمقالة المحقق الفرنسي، عندما أعلن براءة المجاهد "ابراهيم هنانو" حين تقدم منه ليحييه، على قرار البراءة، فقال: "لا تشكرني أنا، اشكر القانون الفرنسي، ومبادئ الثورة الفرنسية التي ترى أن الوطني الذي يدافع عن أرضه ليس خارجاً على القانون، ولو ترك الأمر إلي لأمرت بإعدامك"
وتابع الباحث "زيد النجم" بالقول: «هذه الحادثة تذكرنا بمقالة المحقق الفرنسي، عندما أعلن براءة المجاهد "ابراهيم هنانو" حين تقدم منه ليحييه، على قرار البراءة، فقال: "لا تشكرني أنا، اشكر القانون الفرنسي، ومبادئ الثورة الفرنسية التي ترى أن الوطني الذي يدافع عن أرضه ليس خارجاً على القانون، ولو ترك الأمر إلي لأمرت بإعدامك"».
وحول عودة المجاهد إلى قريته واتخاذه قرار العمل بها بين ولده الأديب "عادل رزق" قائلاً: «باختصار استطاع جدي المجاهد "يحيى رزق" فتح قريته "خازمة" دون قتال حين عاد هذا المنفي طوعاً إلى "ملح" بيرق النصر، لم يجدها كما تركها الشاعر جرير حين ألقى عليها التحية:
تهدي السلام لأهل الغور من ملح / هيهات من ملح بالغور مهدانا
فقد وجدها على نحو يستدعي الجهاد من جديد إذ في غياب النسور تكثر البغاث والطيور المدجنة، فهذا المستعمر من جهة، وتلك النزعات التي يغذيها من جهة أخرى، وذلك الفقر من جهة ثالثة، كل ذلك قد دفع الأقارب لبيع الأرض الذي أفنى حياته بالدفاع عنها، كما دفع الآخرين للاستهانة بهم، فآلمه الموقف أكثر مما آلمته أوجاع النفي، فاتخذ لنفسه القرار وكما كان قراره، يوماً أن يمتشق السلاح، وأن يحمل بيته على ظهر جمل، وأن يرحل على صهوة جواد نحو الأزرق، ووادي السرحان، لتستمر الثورة على الفرنسيين بأصحاب هذا القرار».
وتابع "عادل رزق" بالقول: «كان جدي برفقة قائد الثورة "سلطان باشا الأطرش" والثوار، لذا عندما قابله الكابتن الفرنسي "دزدريا" وجرى معه الحوار كان على يقين أنه من صميم المقاتلين والمجاهدين، وجدي يعلم أنه صاحب حق وابن قضية، لذلك اتخذ قراره بحمل محراثه، وفأسه، والرحيل نحو "خربة خازمة" والاستقلال بها، وأن يعيد الاعتبار لها وأن يجعل منها جمهوريته الفاضلة، ليجعل منها قرية لها شأنها في الوجود ولها مكانتها الاعتبارية الاجتماعية، ذلك لأن اجتماع الثوار في مغارتها "الدبكية" دوّن في التاريخ كيف كان موقفه فيها وموقف الثوار في اتخاذ قرار المنفى الطوعي منها، بحضور قادة البلاد وثوارها الميامين، وقد ورث لأولاده حتى اليوم هذا العشق لها، وقد صدّق على الأحداث الشيخ "محسن الملحم" الذي تجاوز القرن من العمر وهو قد رواها لنا ولأحفاده أيضاً».