استخدم الجبليون الطين في صنع أوعية الخزن، كما استخدموا الحجر البازلتي في صنع أدوات الطحن لأنهما متوافران في المنطقة ويؤمنان الحاجة لغرض الطحن والدق والتنعيم بكفاءة عالية، وأهم الأدوات المصنوعة من الحجر محلياً الجاروشة.
السيدة "رمزية حلاوه" التي تجاوزت عقدها الثامن استعملت الجاروشة في بيتها وقالت عنها: «كنت أرى والدتي وهي تطحن القمح بالجاروشة الحجرية، وقد ورثت عنها الطريقة، وهي تحتاج إلى جهد وطريقة فنية في دوران الحجر، وإلا فإن القمح لا يمكن أن يصبح طحيناً بالزمن المناسب، ولهذا كنا نؤدي بعض الأهازيج أثناء العمل خاصة عندما تكون النساء مجتمعات، لكن تلك الأيام لن تعود لأننا كنا نشعر بروح الجماعة والمسؤولية، اتجاه الأسرة والمجتمع، أما اليوم فيأتي الرغيف للمنزل دون عناء، وربما يتقاعس العديد من الشبان عن إحضاره من الفرن الآلي، وبالتالي فقدنا في رغيفنا الواحد لذة العمل وروح الجماعة وبتنا نعيش على ما تقدمه لنا الآلة اليوم».
كنت أرى والدتي وهي تطحن القمح بالجاروشة الحجرية، وقد ورثت عنها الطريقة، وهي تحتاج إلى جهد وطريقة فنية في دوران الحجر، وإلا فإن القمح لا يمكن أن يصبح طحيناً بالزمن المناسب، ولهذا كنا نؤدي بعض الأهازيج أثناء العمل خاصة عندما تكون النساء مجتمعات، لكن تلك الأيام لن تعود لأننا كنا نشعر بروح الجماعة والمسؤولية، اتجاه الأسرة والمجتمع، أما اليوم فيأتي الرغيف للمنزل دون عناء، وربما يتقاعس العديد من الشبان عن إحضاره من الفرن الآلي، وبالتالي فقدنا في رغيفنا الواحد لذة العمل وروح الجماعة وبتنا نعيش على ما تقدمه لنا الآلة اليوم
الباحث التراثي "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب قال: «لم تتوافر "الجاروشة" قديماً في كل بيت من بيوت الجبل، فهم يتداولون أدواتهم فيما بينهم بلا حرج ولا كلفة، والجاروشة تستخدم لجرش الحبوب بأنواعها، ولطحن الملح، ويقوم بصنعها رجال متخصصون بالتعامل مع الحجر تقطيعاً وتقصيباً ونحتاً، وهم غالباً معماريون مهنتهم البناء بالحجر الأزرق البازلتي، غير أنهم ينتقون للجاروشة الحجر الخشن والذي لا يستخدمونه في بناء النحت عادة، وذلك لأن حجري الجاروشة ينبغي أن يكونا خشنين، من أجل إنجاز عملية الجرش والطحن، والجاروشة عبارة عن مستديرتين حجريتين، تتوضع الواحدة فوق الأخرى، وتكون السفلى مثقوبة من الوسط تماماً وقد ثبت في الثقب قطعة خشبية متينة على شكل محور، أما المستديرة العليا ويسمونها فردة الجاروشة فهي مثقوبة من الوسط أيضاً ثقباً واسعاً يدخل فيه محور الفردة السفلى، كي يحفظ حركتها أثناء الدوران، وللعليا ساعد خشبي من الجانب، بحيث تدار الفردة العليا باليد فوق السفلى الثابتة، أما الثقب الذي في الوسط فهو لإدخال الحبوب بين فكي الجاروشة».
وأضاف معلومات عن "بلاطة الكبة، والجرن" بالقول: «كانت بلاطة الكبة موجودة في أكثر البيوت الجبلية، وذلك لسهولة صنعها، وتستخدم بلاطة الكبة لدق الكبة، وتحديداً لدق اللحمة الهبرة التي تدخل في صنع الكبة، ويستخدم الجبليون عبارة "دقة كبة" لكمية اللحم التي سيضعونها مع البرغل لصنع الكبة، وقد دخل دق الكبة في توصيفات الجبليين وتشبيهاتهم، فإذا هرست رِجْلُ أحدهم أو يده قالوا: "اندقت مثل الكبة" والأولاد يستخدمون هذه العبارة في ألعابهم، ففي لعبة "إجاك يا جوز" يصيح الأولاد المضروبون مستنجدين بأبيهم: "يا بونا قتلونا، دق الكبة دقونا"، وبلاطة الكبة عبارة عن مستديرة حجرية، وربما كانت مربعة، بسماكة 10 ـ 15 سم نحت سطحها العلوي، وحفر قليلاً كي يستقر عليه اللحم المدقوق، أو جُعل له حافة، ويدق اللحم بالميجنة، أما "الجرن" فيستخدم لدق البهارات والملح وغير ذلك واستخداماته كاستخدامات الهاون تماماً، والجرن موجود في كل بيت تقريباً ويصنعه رب الأسرة وهو عبارة عن أسطوانة حجرية، وربما كان مكعباً، يجوّف وسطه بالإزميل كي يستوعب المادة التي ستدق، وله مدقة حجرية يسمونها "إيد الجرن" وهي قطعة حجرية مستطيلة طرفها الأسفل ثخين قليلاً، وقد حل الهاون محل الجرن الذي مازال في بعض البيوت شاهداً على عصر مضى».
وعن الآلات والأدوات واستخدامها بين الماضي والحاضر بينت الآنسة "ربيعة غانم" مسؤولة التراث الشعبي في مديرية الثقافة بالسويداء قائلة: «لعل الحياة والظروف التي سادت قديماً في الجبل جعلت أهله يستخدمون أدوات حجرية للاستمرار، لذلك صنعوا من البازلت الصلب الجرن والجاروشة، ومن الطين أدوات الخزن، ذلك لأن المواد الأولية موجودة ومتوافرة في جميع المناطق والأمكنة التي يقطنون بها، واليوم أصبحت تلك الأدوات رغم قدمها التاريخي من المآثر التي تستحق أن تذكر لتكون رؤية تاريخية ومحطة حقيقية لمعاناة الأهل والأجداد، كيف استطاعوا التأقلم مع الطبيعة القاسية وحافظوا على أرضهم، أما اليوم مع التقدم الحضاري وانتشار الأدوات الكهربائية والالكترونية فأصبحت تقبع تلك الأدوات في المتاحف والبيوت القديمة التي يقتنيها البعض من أجل التاريخ، ولكن عند رؤيتها تكون الذاكرة حاضرة في استرجاع المواقف والمعاناة، وهنا لابد لنا أن نقف باحترام للجيل الذي تعامل مع البازلت الصلب لصنع جاروشة الطحين، أو الجرن، لدق الكبة، أو الأدوات الفخارية المصنوعة من الطين لحفظ الطعام والشراب والمؤونة، في عصر الكاز والزيت لا الكهرباء والمولدات الكهربائية والبردات والثلاجات بأحدث أنواعها».