«في مزرعة تملأ جنباتها الورود وصوت العصافير، والأشجار المثمرة المترافقة مع ارتفاع لدرجات الحرارة خاصة بعد انقطاع التيار الكهربائي في المزرعة بسبب عطل فني، ناقش مجموعة من المفكرين والمثقفين فكرة "ثقافة الحوار" في ندوة أقامها مكتب العمل الفكري والتثقيف الحزبي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري».
وعلى طاولة صغيرة جلس خلفها الأستاذ "علم الدين أبو عاصي" عضو المكتب التنفيذي في محافظة "السويداء" ليقدم كل باحث ويتحدث لموقع eSyria بتاريخ 26/6/2009 حول الندوة قائلاً: «إن بعض ما يجب أن يتسم به الحوار هو أن يقوم على احترام تعددية الآراء والندية والتسامح، واعتبار اختلاف وجهات النظر دافعاً للانفتاح على الآخر والتواصل معه بحوار صادق تراكمي يهدف للتوافق، ويؤمن وضوح الرؤية المستقبلية، وأن تتاح فيه الفرصة للاستماع وتفهم هواجس الآخرين دون حواجز، والتعرف على طبائع المشكلات من زوايا مختلفة بقراءات متعددة، تجعل من التمايزات بين البشر مصدر إثراء، واداة للتفاعل الحضاري الخلاق، تتيح للشعوب التعارف وتبادل الخبرات والمعارف، ونحن نبتغي من ندوتنا على طاولتنا هذه المساهمة في نشر ثقافة الحوار كواحدة من وسائل شعوبنا لمعالجة مشاكل التنمية، وامتلاك سبل التقدم والحرية وأولى ميزات الحوار الجريء أن يجري فيه طرح المشاكل الحقيقية، والأسئلة الموضوعية، والوقفة النقدية الصارمة للأخطاء والبحث عن الحلول الواقعية والفاعلة».
عندما يكون هناك وعي أيديولوجي في العالم ولا يستطيع احد إلغاء الأيديولوجيا مادام هناك أحلام، ولكن متى تصبح الايدولوجيا مفسدة للحوار؟، عندما تتحول الايديولوجيا إلى اعتقاد ديني، ويصبح لدينا مرجع يمتلك الحقيقة المطلقة ونؤسس منه وعينا للعالم، لذا فإن فكرة "مرجع الحقيقة" تفسد الحوار. أما مرحلة التضاد فهي ليست حواراً لأن التضاد هو نفي الآخر، والآخر في غير موجود في الثقافة العربية، لأن أهم شرط بالحوار هو الاعتراف بحق الآخر، كن مثلي أو أنت خارج، عقلية الحضور الآخر غير موجودة لأن فكرة الحرية لم تنتصر كوعي ذاتي، تأسيس ثقافة حوار دون الاعتراف باستقلال الأنا مستحيل، وثقافة دون هاجس الأنا لا يمكن أن تتم
أول المتحدثين في الندوة كان أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق الدكتور "احمد برقاوي" الذي قال: «ما الذي حمل منظمي الندوة على وضع عنوان "ثقافة الحوار" لماذا لم يكن "حوار فقط"؟ في ظني أن كلمة ثقافة هنا تشير إلى بنية ذهنية عقلية، وبالتالي السؤال مهم الذي تطرحه ندوتنا: كيف يمكن أن نؤسس لبنية ذهنية العقلية في حوارية، تؤمن بفكرة الحوار؟، لأن الشروط المعاصرة هي سلبية اتجاه الحوار، ليس مصادفة أن "أفلاطون" وهو يعالج اعقد المشكلات الفلسفية قدم لنا الحواريات مثل الجمهورية حوار وسفسطائية وغيرها، والحوار عند "أفلاطون" ليس كيف يتحاور الناس فقط بل كيف يصلوا معاً إلى المفهوم، يعني إلى الحقيقة، لأن الحقيقة خارج المفهوم غير موجودة، وبالتالي هدف الحوار الوصول إلى مفاتيح المعرفة، دون ذلك يكون هناك استبداد، وهذا ما لم يفعله "أفلاطون".
والنقطة الثانية التي يمكن أن تنشأ من الحوار هي نسبية الحقيقة، ويجب ألا تتناقض مع موضوعيتها لأننا إذا انطلقنا من نسبية مطلقة تصبح كل الأحكام على مستوى واحد من الحقيقة، عندها لا يكون حوار، والنسبية المطلقة تطيح بمعايير الحقيقة، وبالتالي كيف يمكن أن نؤسس ذهنية حوار انطلاقاً من فكرة الوصول إلى الحقيقة مع الاعتقاد بأن هناك أحكاماً صائبة ومخطئة؟ يعني النسبية لا تلغي صحة أحكام وخطأ أحكام وخاصة في الموقف الأخلاقي، لأن المواقف الأخلاقية ليست نسبية وهو نسبي في حقل القيمة الأخلاقية، ولو كان ذلك كذلك لتساوت كل أنماط السلوك الأخلاقي».
وأضاف الدكتور "احمد برقاوي" بالقول: «عندما يكون هناك وعي أيديولوجي في العالم ولا يستطيع احد إلغاء الأيديولوجيا مادام هناك أحلام، ولكن متى تصبح الايدولوجيا مفسدة للحوار؟، عندما تتحول الايديولوجيا إلى اعتقاد ديني، ويصبح لدينا مرجع يمتلك الحقيقة المطلقة ونؤسس منه وعينا للعالم، لذا فإن فكرة "مرجع الحقيقة" تفسد الحوار.
أما مرحلة التضاد فهي ليست حواراً لأن التضاد هو نفي الآخر، والآخر في غير موجود في الثقافة العربية، لأن أهم شرط بالحوار هو الاعتراف بحق الآخر، كن مثلي أو أنت خارج، عقلية الحضور الآخر غير موجودة لأن فكرة الحرية لم تنتصر كوعي ذاتي، تأسيس ثقافة حوار دون الاعتراف باستقلال الأنا مستحيل، وثقافة دون هاجس الأنا لا يمكن أن تتم».
وعن الحوار بين الدكتور "أحمد برقاوي" قائلاً: «هو واحد من أهم نتاجه التجاوز المستمر للواحد الوعي المستقر الحوار تجاوز للوعي وامتلاك العالم معرفياً ولأن الحوار إنتاج المفاهيم يعني صياغة كلمات دالة على ماهية الأشياء، والأسئلة اكتشاف وهو أهم إنجازات الحوار، ومن حق الإنسان أن يخطئ والخطأ حق، اعتقاد مني أني أفكر بشكل صحيح، وكما قال أحد الفلاسفة: "ليس العلم إلا تاريخ من الأخطاء" وعبر اكتشافنا الخطأ نجد وعينا بالعالم، من ذا الذي يكتشف الخطأ؟ علاقة وعي الممارسة النظرية بالعملية، والعنصر السائد في الثقافة المعاصرة هو العقلية الفلاحية، هي عقلية الملكية الضيقة، وهذا ينطبق على المثقفين أصحاب ملكية ثقافية، لأن الأفكار الملكية أصبحت مقدسة وبالتالي لا يمكن الحوار بالأفكار المقدسة».
الباحث والكاتب "حسين العودات" أوضح رأيه بالحوار التراثي قائلاً: «لم يكن هناك حوار بمعنى الحوار قبل الإسلام لأن النظام الاجتماعي والاقتصادي كان قبائلياً وعندما جاء الإسلام أتى بالمساواة والعدالة، والحوار "وجادلهم بالتي هي أحسن" وهذا استمر طوال عهد النبي، وبعد النبي صار هناك ارتداد عن هذه المبادئ الأساسية وعاد العرب إلى العنف، فقتل ثلاثة خلفاء من أربعة، واستولت قريش على السلطة ليس بالحوار إنما بالعنف وحصل ذلك في زمن الدولة الأموية، وبعد توسع الفتوحات تعرف العرب على ديانات جديدة وشعوب جديدة وخاصة الديانات الهندية والشعوب التركية والصقلبية وغيرها، فتوسعت آفاقهم ولم يجدوا ردوداً في القرآن بالمعطيات الجديدة فأخذوا بالاجتهاد وهو بداية الحوار وكذلك شجعوا الحوار وخاصة مع أهل الكتاب، ولكننا نلاحظ أن الحوار كان شبه معدوم مع الآخر الداخلي واعني بين الفرق الإسلامية المعتزلة والخوارج وغيرها فكان العنف هو الفصل كما أن السيف هو الفصل مع الديانات الأخرى، وهذا يشير بشكل عام إلى ضعف ثقافة الحوار في التاريخ العربي وعندما ازدهرت في بعض الأوقات، وذلك يعود إلى الحاكمين وفئات الحكم المشاركة، كانت من حاجة الأمويين للمسيحيين عبر الحوار وحاجة العباسيين للفرس ولذلك سمحوا لهم بالحوار».
وفي نهاية الندوة تم الإجابة عن تساؤلات جميع الحضور ومداخلاتهم.