اعتبر الكاتب الروائي والباحث الدكتور "حسن حميد" أن الغزو الثقافي أشد خطراً وفتكاً من الغزو العسكري، وقال في محاضرة جذبت الحضور الكثيف في المركز الثقافي العربي بمدينة "شهبا": «إن الغزو العسكري مهما استمر بطشه فهو إلى زوال، أما الغزو الثقافي فهو إذابة ثقافة وإحلال ثقافة أخرى مكانها، أو غلبة نظام معرفي على نظام معرفي آخر».
وتابع بالقول: «تعتز الأمم العظيمة بهويتها، وتقدم إسهامها في الحضارة الإنسانية من موقع المستقل المتحرر، وترفض الذوبان الحضاري والانسلاخ الثقافي. وترفض التقليد والتبعية، وتدافع عن حقها في الوجود والحياة، وتحول تجربتها التاريخية إلى أداة لتحقيق النهضة والتقدم.
لعل أولها وأهمها الإنتماء وتعني القناعة والوعي والعقلانية والإيمان انتساباً إلى تاريخ وثقافة تشكل هوية الفرد وهوية المجتمع، وهو ما يقود إلى الحل الثاني المتمثل بالجماعة التي هي أكثر شمولاً واتساعاً، ومن ثم المجتمع ككل، وهي ما تؤسس للإنتماء الذي يشبه الصخرة التي تدافع عن نبعها، وهو الذي يشكل آليات الدفاع الحاسمة عن أي شكل من أشكال الاختراقات التي يهدف إليها الغزو الثقافي، وتأتي المواطنة في مرتبة مهمة، عندما يشعر المواطن أن هذا الوطن ملكاً له، لا مجرد فرد يعيش فيه، وإيمانه بالمستقبل وثقافة بلده، وتاريخه، ومستقبله الذي يقيه من كل شرور الغير، ويقيني أن الغزو الثقافي شكل من أشكال العنصرية، وهو مثل أخطبوط يجب قطع يديه الداخلية والخارجية في آن معاً
إن الغزو الثقافي يهدف إلى احتلال العقل؛ فهو أخطر من الغزو العسكري، وعلامة ذلك أن الغزو العسكري يستمد قوته من آليات الإخضاع الخارجي، بينما ييسّر الغزو الثقافي آليات الإخضاع الداخلي، ما يبدو وكأنه تعمية للحال، أو تجميل له، فيُقبل الإخضاع على أنه شيء آخر غير الإخضاع، لالتباسه بمفاهيم كثيرة تتصل بعمليات التكوين الذاتي، كالنمو والاستقلالية والأصالة والصلابة والسلطة والمناعة والوعي.
الغزو الثقافي يستهدف احتلال العقل، فهو غزو من الداخل، وهو الأخطر، لأنه يضمن بعد ذلك، في حالات الضعف الذاتي وتخريب المناعة الذاتية، دوام الهيمنة على الإدارة والإمكانات القومية برمتها».
وأكد "حميد" أن الغزو الثقافي الذي يصاحبه الغزو العسكري كما جرى في فلسطين المحتلة، فأهدافه كثيرة أهمها توطيد المعادلة التي قالها الساسة الصهاينة أن كبار الفلسطينيين سيموتون، وصغارهم سينسون وطنهم الفلسطيني، وتوطيد مفهوم إذابة الهوية الفلسطينية في محيطها الثقافي العربي، ولهذا نرى موجات الحفريات الصهيونية مستمرة تحت المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وفي جوف جبال القدس، منذ احتلال فلسطين في 15/5/1948 وحتى يومنا الراهن، وهدفها الأبدي اكتشاف الآثار اليهودية، ومنها هيكل "سليمان" المزعوم، لكن موجات الحفر هذه (وعددها عشر موجات خلال ستين سنة) لم تصل إلى نتيجة تفيد أن لليهود جذراً في فلسطين، وذلك باعتراف الصهاينة أنفسهم.
ويضاف إلى ذلك ما قامت به السلطات الإسرائيلية من أفعال تشير إلى سعيها لفرض الغزو الثقافي على الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم في الجليل، والمثلث، و"عكا"، و"حيفا"، و"القدس"، والنقب، وقد بات عددهم اليوم قرابة مليون ونصف مليون نسمة، من خلال إلغاء التدريس باللغة العربية وفرض اللغة العبرية بديلاً منها، وعدم إصدار الكتب والمجلات باللغة العربية، وعدم قبول العرب في جامعاتهم، ومنعهم من السفر إلى الخارج للتعليم، ناهيك عن منع إقامة أية معارض للتراث التقليدي».
أما المحركات والمرتكزات التي يعتمد عليها الغزو الثقافي كي يحقق أهدافه، فأشار "حميد" إلى أنها تستند خمسة محركات أساسية أهمها «المعرفة بوصفها مدونة الثقافة لأي شعب من قيم وأعراف وتقاليد وعادات وطقوس وأحكام وآليات التفكير أي الذهنية، وهي مثل البنوك المالية التي تحاول دول الهيمنة زيادة أرصدتها فيها ومراقبة الشعوب الأخرى عن كثب وجمع المعلومات مهما كانت صغيرة، وهي أي المعرفة شكل من أشكال القوة لإخضاع العالم لسيطرتها، وثانياً التنظيم فهدفه إقناع المجتمع المستهدف بالغزو الثقافي أن الدولة المسيطرة تسعى إلى نقل هذا المجتمع المتخلف إلى حال التقدم والازدهار، وثالثاً الهيمنة والتي تعني السيطرة والقوة، وتعني ديمومة الغزو الثقافي، منها فتح المراكز الثقافية والمؤسسات والهيئات المعنية بالبعد الاجتماعي، والبعثات العلمية، والمجلات والتبشير الديني.
ويأتي في المركز الرابع التفوق، فبعد حيازة المعرفة والتنظيم والهيمنة يأتي دور التفوق في السلوك الغربي، فما من اختراع أو ابتكار أو إبداع إلا ويصدر عنه، وليس من حق الشعوب الأخرى رفض هذا التفوق، ومن خلال هذه المرتكزات يأتي أهم عامل لها، والتي تسعى الدول المهيمنة إلى امتلاكه، أي الربح».
ولهذا الغزو الذي يحاول الهيمنة على عقولنا وأرضنا ومقدراتنا علاج يذكره الدكتور "حسن حميد" بالقول: «لعل أولها وأهمها الإنتماء وتعني القناعة والوعي والعقلانية والإيمان انتساباً إلى تاريخ وثقافة تشكل هوية الفرد وهوية المجتمع، وهو ما يقود إلى الحل الثاني المتمثل بالجماعة التي هي أكثر شمولاً واتساعاً، ومن ثم المجتمع ككل، وهي ما تؤسس للإنتماء الذي يشبه الصخرة التي تدافع عن نبعها، وهو الذي يشكل آليات الدفاع الحاسمة عن أي شكل من أشكال الاختراقات التي يهدف إليها الغزو الثقافي، وتأتي المواطنة في مرتبة مهمة، عندما يشعر المواطن أن هذا الوطن ملكاً له، لا مجرد فرد يعيش فيه، وإيمانه بالمستقبل وثقافة بلده، وتاريخه، ومستقبله الذي يقيه من كل شرور الغير، ويقيني أن الغزو الثقافي شكل من أشكال العنصرية، وهو مثل أخطبوط يجب قطع يديه الداخلية والخارجية في آن معاً».