كان هاجسه منذ أن بدأ كتابة الشعر أن يعبر عن نفسه بكل مصداقية دون التخلي عن جماليات الكتابة.. بمعنى آخر أنه أقدم كل ما يعتمل بداخله في صورة فنية تشتعل بالآمال والآلام محاولاً تجاوز ما يطرح حوله، والتعبير عن الذات لا يعني أنه يدور في فلك نفسه وهمومه الشخصية، وإنما يعني التعبير عن القضايا الإنسانية والقضايا الوطنية بمصداقية الشاعر الذي يرى الأشياء من خلال الحس المرهف والصورة المؤثرة، والومضة الشعرية الرقيقة.
لقد كتب القصيدة على شكل حكاية، ولم يفعل ذلك عن قصد .. بل ربما لم يشعر أنه يكتب بهذا الأسلوب إلى أن نبهه إليه بعض النقاد والأصدقاء الشعراء فكان سعيداً بهذا الأمر، «لأن على الشاعر أن يستفيد من الفنون الأخرى وأن يسترفد طاقاتها وتقنياتها دون أن يتخلى عن الشعر، وأستطيع القول أن أجمل القصائد العالقة في أذهاننا ووجداننا كانت تستند إلى الحكاية والقص بصورة ما أو بأخرى».
حين سكن الشعر جوارحه، كان النقد الأدبي يجذبه إلى ساحته، فينصاع لفضاءاته دون أن يقع في وهج الإعجاب أو التبعية، إذ مزج في شعره بين الأصالة والحداثة، فانشغل بنقد القديم بمثل ما انشغل بنقد الحديث
وعندما ولد الشاعر "ثائر زين الدين" في مدينة "السويداء" في العام 1963، كأنما الشعر ولد معه.. وأدركته الطفولة باكراً لحمل الأحرف الأبجدية في حقيبته ويصيغ منها ما يشاء من فنون الكتابة، غير أن للشعر في حياته تاريخ طويل لم يستطع الخلاص منه حتى عندما دخل كلية الهندسة الميكانيكية، وسافر إلى أوكرانيا للحصول على الدكتوراه في هذا المجال البعيد عن كل فنون الأدب.
والشاعر ثائر "زين الدين" مدير ثقافة "السويداء" وعضو جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب، والمشرف على أهم جائزة أدبية سورية (جائزة المزرعة)، ورئيس تحرير مجلة أصداء الجبل، له مكانته عند الشعراء والنقاد على حد سواء، وللتعرف على هذه الشخصية أكثر كان لنا اللقاءات التالية:
رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور "حسين جمعة": «حين سكن الشعر جوارحه، كان النقد الأدبي يجذبه إلى ساحته، فينصاع لفضاءاته دون أن يقع في وهج الإعجاب أو التبعية، إذ مزج في شعره بين الأصالة والحداثة، فانشغل بنقد القديم بمثل ما انشغل بنقد الحديث».
موقع eSuweda التقى عدداً من الشعراء والنقاد والكتاب المعروفين عن شعر الدكتور "ثائر زين الدين" ومجموعاته التي أصدرها تحدثوا إلينا بالقول:
الشاعر والناقد "موفق نادر": «حين أمسك "ثائر زين الدين" القلم ليسود بياض الصفحات الأولى التي أرادها مجموعة لأشعاره، عرف أن رفوفاً من فراش الكلمات بدأ يرمي شرانقه نافضاً عنه غبار السكون! فارتعش قلبه بلذاذة لا يعرفها إلا من أدركته لوثة الإبداع شعراً، ومن يومها أحسسنا أن نجم شاعر حقيقي قد سطع، نجماً يبشر بانفتاح الدرب الصعبة أمام شاب عرف معرفة اليقين معنى أن يتقلد عدة الإبداع بعامة، والشعر بخاصة وهو لا يني يردد: إن الشعر ليس إخراج الذهن البشري إلى العراء فحسب، وليس إتقان كشط الصدأ عن الحياة، وغسل جثث الكلمات المتقاطرة في زوايا الأيام بماء المخيلة السحري، أو حمل بيرق الهم الإنساني والبشارة بالحياة المثلى بعد فهم السير نحو جلجلتها المباركة فقط، بل هو ذلك كله معاً!.
فالشعر هو شباب الوجود وأيام مجده الكبير، فلا غرابة إذاً أن تعيد القصيدة إلى الإنسان معنى كينونته الحقة، حتى لا تصير هباء وقشوراً تذروها الأيام الزاحفة نحو العدم والتلاشي.
فإذا كل قصيدة يبدعها "ثائر" لمسة ناعمة فوق شفتي المرأة الغافية لتنهض راسمة ابتساماتها المباركة على سفوح المدى الإنساني مرة، وقبضة قوية تدق باب الحياة المصكوك على دم الناس وعذابهم مرة أخرى، عل طيور الحرية الرائعة تفرد أجنحتها قبل الفجر حاملة وعداً ونبوءة واثقة بأن الحياة جديرة أن تعاش، فليس الشعر حلية يتقلدها السادة المترفون ولا السيدات الذاهبات في تفاهة اللحظة التي لا تغتذي بنسغ الإبداع العظيم!.
وهكذا ففي زمن استسهال الكتابة, شعراً ونثراً، يظل الشاعر المبدع وحده يرمي عن منكبيه التجارب الرخوة، ويصعد سلم الكلمات بثقة وكبرياء، ممتشقاً التواضع سلاحاً لا يمتلكه الدعي من الكتاب، في زمن كثير فيه الأدعياء والأشياء ليترك للقصيدة وحدها أن تجترح معجزتها في الصعود نحو البهاء البكر، تدق نواقيسها في عالم البشر الغافلين، لتعلن أن كائناً عظيماً على أهبة الولادة».
أنا لست نادمة على شيء...... وإن أصبحت ذات عشية تمثال ملح...... أحببت أكثر من سواي....... رويت من جسدي الأحبة..... مثلما تروي الجداول غابة منسية........ ومنحتهم قلباً لدفن هزائم الدنيا..... وصدراً للبكاء.
الناقد "محمد عزام" قال: «الدكتور ثائر زين الدين شاعر وباحث ومترجم، له أربعة دواوين شعرية، هي (ورد ) 1989 و(لما يجئ المساء ) 1996، و(أناشيد السفر المنسي ) في العام 1988، و(في هزيم الريح ) في العام 2003، ودراستان هما (أبو الطيب المتنبي في الشعر العربي المعاصر ) في العام 1999، و(قارب الأغنيات والمياه المخاتلة) في العام 2001، وثلاث ترجمات هي (مذكرات طبيب شاب )1995، و(الدراق) وهي عبارة عن مجموعة قصصية في العام 1995، ومجموعة شعرية بعنوان (بين هاويتين) في العام 2000.
والنص عن الشاعر "ثائر زين الدين" هو الذي يفرض المنهج الذي يتعامل معه، والذي يستكشف محاسنه، ويستبطن أسراره، وعلى هذا فإن المنهج الأسلوبي هو الذي يمنح انطباعاً قوياً بتوصيف التضاريس اللغوية البارزة
للعيان في الموضوعات والألفاظ، ويسوغ الجهد الذي يبذل في الانطلاق من البنية السطحية الظاهرة إلى البنية الباطنية، ومن العلوم إلى المجهول، ومن المكتوب إلى المكبوت، مما يجعله يتجاوز مرحلة الوصف إلى مرحلة التفسير النقدي، فإن المعنى الأول الذي يتبادر إلى الذهن مباشر هو خطاب الشاعر للحلم السريع الذي يظن أنه استطاع أن يضع الزمن في حوزته، ولكن المعنى الأبعد هو أن الشاعر يرى نفسه أنه هو الحلم، وإنه قد عاش
حياة حافلة ظن معها أنه قد اكتفى بها، ولكن الزمن يشير إلى أن النهم يزداد استعاراً كلما أمتد الزمن، وإذاً فإن الاكتفاء لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة».
إن رأسي في فم الذئب.... وقلبي راشح بين المخالب... أيها الصحب المعاتب..... لم يطاوعني لساني... لم تطاوعني جراحات المحارب.
القاص والناقد الأدبي الشاب "جهاد عقيل" شرح بشيء من التفصيل عن مجموعة الشاعر (أناشيد السفر المنسي) ما ذهب "زين الدين" إلى قوله في تفسيره للأسفار المدونة في الكتاب القديم، وقال: «ثمة قول لابد منه حول تسميه هذا الديوان ،فالعنوان ينطلق من موضوعة مفادها أن هناك سفراً ما ،بين أسفار الكتاب المقدس "منسيا أو مفقوداً" وما الأناشيد المقدمة إلا بعض مما جاء فيه ،لكن ونحن نطالع تلك الأناشيد سنجد
أنها تنتمي لأسفار الكتاب المقدس المعروفة "التكوين ،القضاة ،صموئيل الأول ،صموئيل الثاني "وإذا كان هناك من "سفر منسي "حقاً كان لابد لأناشيده أن لا تنتمي للأسفار المعرفة تلك ،فكيف إذا كانت أناشيد الشاعر تتحدث
عن "موسى" و"يوسف " و"شمشون" و"دليلة" و"داوود " وأفعى التكوين الأشهر من أن تعرف. إنه هنا وهنا فقط تكمن الفكرة، إنه يتوجه إلى ما ألفناه وما اعتادت ألسنتنا على تكراره عن هذه الشخصيات، وبنفس الوقت
إلى ما نسيناه في غمرة الحادثة فهو يلتقط الخيط الذي انسل من بين أصابع راوي الحكاية في الكتاب المقدس بكل الحساسية والعمق، والذي هو في النهاية خيط الدراما، ومن خلال تتبعنا لتواريخ كتابة هذه الأناشيد نجد إنها
كتبت في بحر العام (1995 ) وهو تاريخ موازي للنقد الهام .الذي قدمه "فراس السواح" في كتابه القيم (أرام دمشق وإسرائيل ) دار علاء الدين دمشق 1995، حول أسفار التوراة الخمسة الأولى، معتمداً التاريخي والأركيولوجي
مع علومه المساعدة، بما احتواه من تناقضات على مستوى الفكرة ذاتها، والذي يلتقي مع رؤية الشاعر في الكثير، مع فارق داعي الكتابة بين ناقد وشاعر، ففي قصيدة الأفعى مثلاً ننسى عند مطالعتنا لها ما ورثته عقولنا من حقد وكراهية وغل تجاه هذا المخلوق الخاطئ الذي أخرج الإنسان من الجنة، فنعيش أوجاعه، وشكوى عزلته ونكن له الحب والتقدير، لأنه منح الإنسان عيون المعرفة على حد تعبير الشاعر، وهذا ما كنا قد نسيناه».
ثلاثون عاماً............. أما زلت كالأمس تركض خلف فراش الحقول......... فؤادك حصالة الأماني......... وروحك مكتظة بالخيول.