إن كاتب القصة عامة والأستاذ وهيب خاصة يعيش حالة من اللاوعي الشعوري والاستشعار الروحي، ليحلق في فضائيات السماء المطلقة بعالم الوجدان الإنساني والبعد الروحاني العرفاني، ليجسد مشهد ما صادفه أثناء حياته اليومية، خصوصاً إذا كان ذاك المشهد نابع من أفعال تتضمن عادة اجتماعية أو تجربة روحية، فإنها بلا شك تكون متصلة بالبيئة المحلية ونابعة من إحساس مفعم بالرقة، وهذا ما ينقله كاتب القصة القصيرة أو الرواية بأمانة وإخلاص بسرد أدبي ممتع لأحداث ووقائع توضع بين يدي القارئ ويتناقلها أفراد المجتمع بين فرد وآخر كي يعرف ويطلع على معالم حضارة وتاريخ المناطق الجغرافية لبلاده بأسلوب أدبي سردي على لسان الأدباء الناقلين حكاية الأهل والأجداد بروح المعاصرة والحداثة، من خلال الأجناس الأدبية /الرواية، والقصة، والقصة القصيرة/ وهذا ما ميز الأستاذ وهيب سراي الدين في عالم الأدب وثقافته.
ويؤكد الفنان التشكيلي عامر الخطيب أن وهيب سراي الدين استطاع من خلال سرده الأدبي وأسلوبه الفني أن يصور لك توصيف المكان في رواياته وقصصه، ابتدأ من قرية الرومان وصولاً إلى حنين اللون الأزرق، بدقة حتى إنك تستطيع أن تجسد الأماكن بلوحة فنية وألوان طبيعية لأن الوصف الإبداعي الفني لديه متميز إلى حد كبير خاصة وأنه ينمق سرده بالبعد الإنساني الروحي، إلى درجة يعيش القارئ معه الأحداث دون كلل أو ملل، بل ما يسيطر عليه الصراع بين الشخصيات من خلال الحبكة الفنية وعناصر التشويق الذي يختار وللزمان والمكان في قصصه ورواياته أيضاً صفة تجعلك تتقن لغة اللون معه، لذا يسهل على الفنان التشكيلي أن يختار الألوان التي يريدها بشفافية عندما يقرأ له، فهو بحق أديب مرهف الحس والإبداع وفني الحبكة والأسلوب.
إن ما ورد من آراء لنهج الأديب والروائي وهيب سراي الدين، كان قد سبقها الكثير من الدراسات عنه، فقد كتب/ الدكتور عبد الله ابو هيف ود. ياسين رفاعية، ود.خليل موسى، ود. عبد اللطيف اليونس، ومن القطر الليبي الشقيق محمد بشير السوكني.
وكان لموقع eSuweda وقفة مع الأديب سراي الدين في منزله بالسويداء الحوار التالي.
** أولاً أهلاً وسهلاً بكم في سويداء القلب، ومبارك على سورية الحبيبة انطلاقة هذا الموقع الجميل الذي يشمل العديد من الأبواب والمنافذ الأدبية والسياحية والاجتماعية وغيرها، ثانياً، أنظرُ إلى الرواية أنها قد احتلت في هذه الأيام مكانة عظيمة وامتطت صهوة الأدب العربي، في حلبة السباق وأصبحت في المرتبة الأولى بين الأجناس الأدبية، كالشعر، والقصة، والمسرح، إلخ... وأتنبأ لها بالمستقبل الزاهر إذا ما حافظت على توازنها ما بين الموضوع والسرد وما بين المبنى والمعنى. أي اعتماد الروائيين لغة الاختزال، وتجنب المطولات لأن هذا العصر، هو عصر السرعة في كل شيء.
وأيضاً القصة القصيرة، لها عندي النظرة نفسها، وإن كانت تأتي في الدرجة الثانية كموازية للشعر، وسوف تستمر في ازدهارها إذا ما اعتمدت لغة مقتصرة شفيفة رشيقة، إضافة إلى الموضوع الذي يتناسب مع مساحتها المحدودة.
** الجنس الأدبي أو الأدب عموماً، كائن حي، يموت إذا لم يتجدد ولذا من البديهي أن يطرأ تجدد مستمر وفعّال في الرواية والقصة القصيرة، في البنية وفي اللغة معاً. وفي المواضيع أيضاً التي تأتي وفقاً لمعطيات الحضارة الراهنة واللازمة لتلبي القطع الإنساني نحو التقدم. وهذا الأمر. أمر التجدد، هو المقولة الأصوب والأساسي في موضوع الحداثة الأدبية. التي ملت أقلام النقاد فيها كتابة.
** للبيئة تأثير كبير على كتابة القصة والرواية، فالكاتب يستمد من بيئته التي يعيش فيها، المواضيع ويقتنص الطرائد، أينما حلّ. وتبقى هواجسه مشتعلة بها، وكذلك كاتب الرواية، فتنطبق عليه الحال نفسها، بل البيئة تمد الروائي بمعطى أقوى من القصة القصيرة، فالروائي يستمد من عوامل البيئة العديدة مثل التاريخ والمجتمع والعادات والأعراف وغيرها، فكأنها دوافع استلهام غنية وينابيع ثرة.
** تجربتي تبقى متواضعة، وهذا السبب يجعلني أشعر دوماً بنقص التجربة وضعف الإبداع، كذلك أجدني منخرطاً في عمليات التجديد والتجريب، في تجربتي الأدبية، ومن هنا ستبقى وتيرة الكتابة لدي مستمرة.
** أتعامل مع نصي الأدبي بحذر شديد، وأخشى فيه اللغة أن تستهلكني بتزاويق ألفاظها وتنميق مفرداتها لذا أجدني دوماً اعتمد التكرار في المسودات. والثاني في النشر وإخراج النص للحياة والوجود، أركز كثيراً على الاستعارات البيانية والتشابيه والكنايات وتصاوير المخيلة والخيال اللازمة كلها في عمليات الكتابة الإبداعية الأدبية، لأن الأدب عندي نصفان نصف للغة ونصف للموضوع والمعنى، لذا الشكل مطلوب في الكتابة كإبداع أدبي ولهذا السبب أخذت نصوصي أسلوباً ذا خصوصية شخصية إذا جاز هذا التعبير وصرت أعرف بأسلوبي الخاص، كما أن غيري صار يعرفني به عندما يقرؤني.
** قلت سابقاً، إن تجربتي متواضعة، لهذا لم أرضَ ولن أرض عن كتابتي الإبداعية، ومع هذا لا أستطيع أن أنفك عن الكتابة السارية بدمي منذ ستين عاماً، بل سأبقى متابعاً لها وعدم الرضى هذا هو السبب الجوهري في ملازمتي الكتابة، وأما أحب أعمالي الأدبية إلي، فهذه الأعمال كأولادي الستة لا أستطيع أن أفرق أو أميز ولداً عن آخر وكذلك كتبي التي نافت عن /24/ مؤلفاً للآن. كلها حبيبة وإن كنت لم أستطع أن أوفيها حقها من الإبداع، لأن العمل الإبداعي الأدبي والفني لا تنتهي معالجته البتة، إلا أن يضع الكاتب حداً قسرياً لإنهاء عمله.
** الأدب إبداع- أي طلق جديد- والإبداع له الأولية والسبق في الحياة الأدبية، لذا النقد له المرتبة الثانية، ولولا الأدب لما كان النقد، ومن هنا كانت هذه العلاقة الجدلية الحميمة بين النوعين المتلازمين كصنوين أو كتابع ومتبوع، والأدب لا يحيا أو تستقيم الحياة له دون النقد كما أنه لا وجود للنقد إذا لم يكن في الحياة الإنسانية، أدب يعبر عن هذه الحياة بالخيال والجموح والأهداف البعيدة المنشودة والرفض لما هو كائن في سبيل تحقيق ما سوف يكون.
أخيراً أشكرك أستاذ وهيب سراي الدين على استضافتك لنا أولاً وعلى هذا اللقاء الجميل ثانياً، الذي حمل في مشاعري كل الود والاحترام لمقامكم الكريم مستلهماً من إبداعاتكم الميل الأول لطريقي الطويل في عالم الأدب والإعلام حيث كان لكم معي وقفات مشجعة حين كنت ببداية مشروعي الثقافي، شاكراً لك مباركتك لنا بموقعنا (مدونة وطن) التي تحمل بين طياتها سورية الجميلة بأدبائها وفنانيها وشعرائها ومبدعيها.