«تعيش الساحة الثقافية العربية موجة من الإرهاصات الأدبية المتنوعة، إلا أن البحث العلمي يبقى العامل الأساسي في تثبيت دعائم مكنونات الأجناس الأدبية، خاصة أننا اليوم نخوض تجربة مواجهة وهي تتطلب العودة إلى الماضي العريق ومزجه بالأصالة الحاضرة وبروح العصرنة مع المحافظة على هوية الثقافة العربية، وبشكل خاص لدى الأكاديميين من أبناء الوطن، لأنهم الشريحة التي يقع على أكتافها تثبيت دعائم الثقافة ونشرها للعالم أجمع».
هذا ما أكده "الأستاذ الدكتور كمال بلان" في لقاء موقع eSuweda معه (29/6/2008).
كما أشار الشاعر "فرحان الخطيب" إلى أنه ينبغي على العاملين في حقل الثقافة أن يكونوا أكثر حرصاً على إثبات شخصية وهوية الثقافة العربية، وكيف ذلك؟... من خلال اللغة العربية نفسها والسعي نحو تطويرها بالدراسات والأبحاث التي تطرح في الجامعات، والحفاظ على هوية تلك الثقافة التي باتت بمنأى عن خطورة الهجمة الشرسة للعولمة وما تخلفه لنا من مآسٍ وتشويه لمفهوم الثقافة وهويتها.
وكان لموقعنا اللقاء التالي مع الدكتورة "هدى الصحناوي" أستاذة الأدب الحديث في جامعة دمشق استوضحنا من خلاله واقع الحركة الأدبية والنقدية.
** كان لرحيل العمالقة تأثير على واقع الأدب، ولكن ذلك لم يكبح عجلة التقدم والتطور ومحاولة مواكبة الآداب العالمية، فالأدب العربي يمتاز بالأصالة، ويمتح عناصره من تراث عربي ثرّ ضم في ظلاله الوارفة مجمل أنواع الثقافات التي كانت روافد الحضارة الإسلامية، فاستمدت منها وتابعت عملية الإبداع إلى أن اتخذت لنفسها لوناً ونكهة خاصة بها، فظهرت أقلام إبداعية جديدة في واقع أدبنا العربي المعاصر كان لها إسهامات أغنت مسيرة الأدب وشحنتها بروح حيوية لتواصل إنجازاتها والغوص في عمق الحياة والتعبير عن قضايا الأمة في مرحلة من أصعب مراحل الحياة، حيث يواكب الأدب بفنونه هذه المرحلة بصدق وعفوية وجمالية.
** الحركة النقدية في وطننا العربي لا تزال تستمد أفكارها من النظريات الغربية على الرغم من أن التراث العربي زاخر بالنظريات النقدية المعاصرة التي بحثت في فنون الأدب وخاصة الشعر مثل: قدامه بن جعفر، والجرجاني صاحب نظرية النظم التي مازال لها تأثيرها في النظرية النقدية المعاصرة كما عند جان كوهين في دراسته لبنية اللغة الشعرية وغير هؤلاء من النقاد، إذن الإشكالية تكمن في عدم توافر ناقد يسخر جلَ وقته وفكره لإبداع نظرية نقدية معاصرة، ويبدو أننا نفتقد في عملنا روح الفريق على غرار الغرب مثل (حلقة براغ) التي تزعمها جاكبسون، التي أنتجت نظرية نقدية مهمة في الشكلية، وهذا لا يعني انعدام وجود نقاد في وطننا العربي تماماً، ولكن الأسماء غير واضحة الملامح.
** لا نستطيع أن نقول: هناك ازدهار أو انحدار في الشعر العربي؟... ففي أحلك الظروف التي مرت بها الأمة العربية كان يولد شعراء عمالقة وفي ظل الاحتلال الصهيوني وانقسام الأمة العربية نسمع صوت "محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وفدوى طوقان" وغيرهم كثير حيث فتقت النكبة كوامن الإبداع عندهم. فليس شرطاً أن يكون كل الشعر جيداً أو ان يكون رديئاً في الوقت نفسه، فدائماً هناك الغث والسمين. ولكننا لا نستطيع إن نغفل أن القصيدة العربية قد قطعت أشواطاً في التطور والتحدث، فقد خرجت عن القيود الصارمة التي كانت تكبلها سابقاً وأصبحت أكثر تعبيراً عن روح العصر.
** استخدم الشعر القديم اللون بشكل حسّي في دلالاته المادية على بعض الوقائع والموجودات الخارجية، كما استخدامه من منظور نفسي إبداعي في بعض الأحيان، ولكن الشاعر الحديث تناوله من مناح متعددة وجوانب مختلفة، فكان اللون رمزاً له تأويلات مختلفة تتجاوز حدود القراءة السطحية لتتلون مع انفعالات النفس وأحاسيسها، فشكل اللون أحد المكونات الأساسية في القصيدة كالأسطورة والرمز والتراث وغيرها.
** يبدو أن النص النثري لم يأخذ تلك الملامح التي تعطيه تميزاً وخصوصية تجعل منه جنساً أدبيا قائماً بذاته، باستثناء بعض الأعمال التي حازت جمالية ومقومات فنية عالية، كإبداعات "محمد الماغوط وسليم بركات" فقد فرضت نفسها فعلاً على الساحة الأدبية، فالغوص في إبداع قصيدة النثر لا يتهيأ إلا لأدباء كبار.
** بالنسبة إلى نظرية نقدية عربية جديدة لا يوجد، ولكن هناك محاولات كثيرة، وبحوث جادة يقوم بها طلبة الدراسات العليا، وأطروحات أكاديمية تحاول أن تؤسس لنظرية نقدية معاصرة.
** لا شك أن الدراسة الأكاديمية تفتح آفاقا كبيرة أمام الباحث في المجال العلمي وتمثَل المشهد الثقافي بكل مناحيه، ما يعطيه القدرة على رؤية الأشياء بشكل منطقي ومن زوايا متعددة تسهم في تكوين شخصيته، وبنائها بناءً سليماً وخاصة إذا تسلح بثقافة واسعة واعية، وينجرّ هذا الأمر على المرأة الباحثة، فالمرأة المثقفة تجاري الرجل في الوعي والفهم والعمق، وتشارك بجرأة بكل المجالات، وقد أثبتت وجودها على أرضية صلبة راسخة، وبالنسبة لي الدراسة الأكاديمية لا تنفصل عن ثقافة الحياة، وإلا فما قيمة العلم وحده إن لم يكن في خدمة الحياة والتفاعل معها والانصهار بها؟ لقد عمقت الدراسة في نفسي الثقة والطموح وحب الاطلاع والمعرفة في رحلة البحث عن الحقيقة والمشاركة الأكيدة في بناء الذات والمجتمع. إلى جانب المكانة الكبيرة التي تحتلها المرأة المثقفة داخل المجتمع والاحترام لشخصها عندما تحاول أن تكون فاعلة ومنفعلة.